Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 24-25)
Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } ولا تقتضي هذه القصة على هذه الرواية أن داود عليه السلام وقع فيما لا يجوز شرعاً ، وإنما عوتب على أمر جائز ، كان ينبغي له أن يتنزه عنه لعلوّ مرتبته ومتانة دينه ، فإنه قد يعاتب الفضلاء على ما لا يعاتب عليه غيرهم ، كما قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وأيضاً فإنه كان له تسع وتسعون امرأة ، فكان غنياً عن هذه المرأة فوقع العتاب على الاستكثار من النساء ، وإن كان جائزاً ، ورُوي هذا الخبر على وجه آخر ، وهو أن داود انفرد يوماً في محرابه للتعبد ، فدخل عليه طائر من كوة فوقع بين يديه فأعجبه ، فمد يده ليأخذه فطار على الكوة فصعد داود ليأخذه ، فرأى من الكوة امراة تغتسل عريانة فأعجبته ، ثم انصرف فسأل عنها فأخبر أنها امرأة رجل من جنده ، وأنه خرج للجهاد مع الجند ، فكتب داود إلى أمير تلك الحرب أن يقدم ذلك الرجل يقاتل عند التابوت ، وهو موضع قل ما تخلص أحد منه ، فقدم ذلك الرجل فقاتل حتى قتل شهيداً ، فتزوج داود امرأته فعوتب على تعريضه ذلك الرجل للقتل ، وتزوجه امرأته بعده مع أنه كان له تسع وتسعون امرأة سواها ، وقيل : إن داود همَّ بذلك كله ولم يفعله ، وإنما وقعت المعاتبة على همه بذلك ، ورُوي أن السبب فيما جرى له مثل ذلك أنه أعجب بعلمه ، وظهر منه ما يقتضي أنه لا يخاف الفتنة على نفسه ففتن بتلك القصة ، ورُوي أيضاً أن السبب في ذلك أنه تمنى منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، والتزم أن يبتلى كما ابتلوا فابتلاه الله بما جرى له في تلك القصة { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ } سؤال مصدر مضاف إلى المفعول ، وإنما تعدى بإلى لأنه تضمن معنى الإضافة كأنه قال : بسؤال نعجتك مضافة أو مضمومة إلى نعاجه ، فإن قيل : كيف قال له داود : { لَقَدْ ظَلَمَكَ } قبل أن يثبت عنده ذلك ؟ فالجواب أنه رُوي أن الآخر اعترف بذلك وحذف ذكر اعترافه اختصاراً ، ويحتمل أن يكون قوله : لقد ظلمك على تقدير صحة قوله ، وقد قيل : إن قوله لأحد الخصمين : لقد ظلمك قبل أن يسمع حجة الآخر كانت خطيئته التي استغفر منها وأناب { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } الخلطاء هم الشركاء في الأموال ، ولكن الخلطة أعم من الشركة ، ألا ترى أن الخلطة في المواشي ليست بشركة في رقابها ، وقصد داود بهذا الكلام الوعظ للخصم الذي بغى ، والتسلية بالتأسي للخصم الذي بُغيَ عليه { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } ما زائدة للتأكيد . { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ } ظن هنا بمعنى شعر بالأمر ، وقيل : بمعنى أيقن ، وفتناه معناه اختبرناه { وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } معنى خرَّ : ألقى بنفسه إلى الأرض ، وإنما حقيقة ذلك في السجود ، فقيل : إن الركوع هنا بمعنى السجود ، وقيل : خرَّ من ركوعه ساجداً بعد أن ركع ، ومعنى أناب : تاب ، ورُوي أنه بقي ساجداً أربعين يوماً يبكي حتى نبت البقل من دموعه ، وهذا الموضع فيه سجدة عند مالك خلافاً للشافعي ، إلا أنه اختلف في مذهب مالك هل يسجد عند قوله : { وَأَنَابَ } ، أو عند قوله : { لَزُلْفَىٰ … مَـآبٍ } { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ } الزلفى القُربة والمكانة الرفيعة ، والمآب المرجع في الآخرة .