Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 1-1)
Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } خطاب على العموم وقد تكلمنا على التقوى في أوّل البقرة { مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } هو آدم عليه السلام { زَوْجَهَا } هي حواء خلقت من ضلع آدم { وَبَثَّ } نشر { تَسَآءَلُونَ بِهِ } أي يقول بعضكم لبعض : أسألك بالله أن تفعل كذا و { وَٱلأَرْحَامَ } بالنصب عطفاً على اسم الله أي : اتقوا الأرحام فلا تقطعوها ، أو على موضع الجار والمجرور . وهو به ، لأنّ موضعه نصب وقرئ بالخفض عطف على الضمير في به ، وهو ضعيف عند البصريين ، لأن الضمير المخفوض لا يعطف عليه إلاّ بإعادة الخافض { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } إذا تحقق العبد بهذه الآية وأمثالها استفاد مقام المراقبة وهو مقام شريف أصله علم وحال ، ثم يثمر حالين : أما العلم : فهو معرفة العبد ؛ بأن الله مطلع عليه ، ناظر إليه يرى جميع أعماله ، ويسمع جميع أقواله ، ويعلم كل ما يخطر على باله ، وأما الحال : فهي ملازمة هذا العلم للقلب بحيث يغلب عليه ، ولا يغفل عنه ، ولا يكفي العلم دون هذه الحال ، فإذا حصل العلم والحال : كانت ثمرتها عند أصحاب اليمين : الحياء من الله ، وهو يوجب بالضرورة ترك المعاصي والجِدّ في الطاعات ، وكانت ثمرتها عند المقرّبين : الشهادة التي توجب التعظيم والإجلال لذي الجلال ، وإلى هاتين الثمرتين أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " فقوله أن تعبد الله كأنك تراه : إشارة إلى الثمرة الثانية ، وهي المشاهدة الموجبة للتعظيم : كمن يشاهد ملكاً عظيماً ، فإنه يعظمه إذ ذاك بالضرورة ، وقوله فإن لم تكن تراه فإنه يراك : إشارة إلى الثمرة الأولى ومعناه إن لم تكن من أهل المشاهدة التي هي مقام المقربين ، فاعلم أنه يراك ، فكن من أهل الحياء الذي هو مقام أصحاب اليمين ، فلما فسر الإحسان أوّل مرة بالمقام الأعلى ؛ رأى أن كثيراً من الناس قد يعجزون عنه ، فنزل عنه إلى المقام الآخر ، واعلم أن المراقبة لا تستقيم حتى تتقدّم قبلها المشارطة والمرابطة ، وتتأخر عنها المحاسبة والمعاقبة ، فأما المشارطة : فهي اشتراط العبد على نفسه بالتزام الطاعة وترك المعاصي ، وأما المرابطة ؛ فهي معاهدة العبد لربه على ذلك ، ثم بعد المشارطة والمرابطة أول الأمر تكون المراقبة إلى آخره ، وبعد ذلك يحاسب العبد نفسه على ما اشترطه وعاهد عليه ، فإن وجد نفسه قد أوفى بما عاهد عليه الله : حمد الله ، وإن وجد نفسه قد حل عقد المشارطة ، ونقض عهد المرابطة ، عاقب النفس عقاباً بزجرها عن العودة إلى مثل ذلك ، ثم عاد إلى المشارطة ، والمرابطة وحافظ على المراقبة ، ثم اختبر بالمحاسبة ، فهكذا يكون حتى يلقى الله تعالى .