Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 95-95)
Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } معنى حرم داخلين في الإحرام وفي الحرم ، والصيد هنا عامّ خَصَّص منه الحديث : الغراب ، والحدأة ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور . وأدخل مالك في الكلب العقور كل ما يؤذي الناس من السباع وغيرها ، وقاس الشافعي على هذه الخمسة : كل ممّا لا يؤكل لحمه ، ولفظ الصيد يدخل فيه ما صيد وما لم يصد مما شأنه أن يصاد وورد النهي هنا عن القتل قبل أن يصاد وبعد أن يصاد ، وأما النهي عن الاصطياد فيؤخذ من قوله : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً } مفهوم الآية يقتضي أن جزاء الصيد على المتعمد لا على الناسي ، وبذلك قال أهل الظاهر ، وقال جمهور الفقهاء : المتعمد والناسي سواء في وجوب الجزاء ، ثم اختلفوا في قوله متعمداً على ثلاثة أقوال : أحدها أن المتعمد إنما ذكر ليناط به الوعيد في قوله : ومن عاد فينتقم الله منه ، إذ لا وعيد على الناسي ، والثاني : أن الجزاء على الناسي بالقياس على المتعمد ، والثالث : أن الجزاء على المتعمد ثبت بالقرآن وأنّ الجزاء على الناسي ثبت بالسنة { فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } المعنى فعليه جزاء ، وقرئ بإضافة جزاءُ إلى مثل ، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول به ، وقيل : مثل زائدة ، كقولك : أنا أكرمُ مثلَك أي : أكرمك ، وقرئ فجزاءٌ بالتنوين ، ومثلُ بالرفع على البدل أو الصفة ، والنعم الإبل والبقر والغنم خاصة ، ومعنى الآية عند مالك والشافعي : أنّ من قتل صيداً وهو محرم أنّ عليه في الفدية ما يشبه ذلك الصيد في الخلقة والمنظر ، ففي النعامة بدنة ، وفي حمار الوحش بقرة ، وفي الغزالة شاة ، فالمثلية على هذا هي في الصورة والمقدار ، فإن لم يكن له مثل أطعَم أو صامَ ، ومذهب أبي حنيفة أنّ المثل القيمة يقومّ الصيد المقتول ، ويخير القاتل بين أن يصدّق بالقيمة أو يشتري بالقيمة من النعم ما يهديه { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ } هذه الآية تقتضي أن التحكيم شرط في إخراج الجزاء ، ولا خلاف في ذلك ، فإن أخرج أحد الجزاء قبل الحكم عليه ، فعليه إعادته بالحكم إلا حمام مكة ، فإنه لا يحتاج إلى حكمين ، قاله مالك ، ويجب عند مالك التحكيم فيما حكمت فيه الصحابة ، وفيما لم يحكموا فيه ، لعموم الآية ، وقال الشافعي : يكتفي في ذلك بما حكمت به الصحابة { هَدْياً } يقتضي ظاهره أن ما يخرج من النعم جزاء عن الصيد يجب أن يكون مما يجوز أن يهدي ، وهو الجذع من الضأن والثني مما سواه ، وقال الشافعي : يخرج المثل في اللحم ولا يشترط السن { بَٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ } لم يرد الكعبة بعينها ، وإنما أراد الحرم ، ويقتضي أن يصنع بالجزاء ما يصنع بالهدي من سَوْقه من الحلّ إلى الحرام ، وقال الشافعي وأبو حنيفة : إن اشتراه في الحرم أجزأه { أَوْ كَفَّٰرَةٌ طَعَامُ مَسَٰكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } عدّد تعالى ما يجب في قتل المحرم للصيد ، فذكر أولاً الجزاء من النعم ، ثم الطعام ثم الصيام ، ومذهب مالك والجمهور أنها : على التخيير ، وهو الذي يقتضيه العطف بأو ، ومذهب ابن عباس أنها : على الترتيب ، ولم يبين الله هنا مقدار الطعام ، فرأى العلماء أن يقدّر الجزاء من النعم . لأنهم اختلفوا في كيفية التقدير ، فقال مالك : يقدر الصيد المقتول نفسه بالطعام الحب أو الدراهم ، ثم تقوّم الدراهم بالطعام ، فينظر كم يساوي من طعام أو من دراهم وهو حيّ ، وقال بعض أصحاب مالك : يقدّر الصيد بالطعام أي يقال : كم كان يشبع الصيد من نفس ، ثم يخرج قدر شبعهم طعاماً ، وقال الشافعي : لا يقدر الصيد نفسه ، وإنما يقدّر مثله ، وهو الجزاء الواجب على القاتل له { أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } تحتمل الإشارة بذلك أن تكون إلى الطعام وهو أحسن لأنه أقرب أو إلى الصيد ، واختلف في تعديل الصيام بالطعام فقال مالك : يكون مكان كل مدّ يوماً ، وقال أبو حنيفة : مكان كل مدّين يوم ، وقيل : مكان كل صاع يوماً ، ولا يجب الجزاء ولا الإطعام ولا الصيام إلا بقتل الصيد ، لا بأخذه دون قتل لقوله : من قتله ، وفي كل وجه يشترط حكم الحكمين ، وإنما لم يذكر الله في الصيام والطعام استغناء بذكره في الجزاء { لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } الذوق هنا مستعار لأن حقيقته بحاسة اللسان ، والوبال سوء العاقبة ، وهو هنا ما لزمه من التكفير { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } أي عما فعلتم في الجاهلية من قتل الصيد في الحرم { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } أي من عاد إلى قتل الصيد وهو محرم بعد النهي عن ذلك ؛ فينتقم الله منه بوجوب الكفارة عليه أو بعذابه في الآخرة .