Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 9-9)

Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ } هم الأنصار والدار هي المدينة لأنها كانت بلدهم ، والضمير في قبلهم للمهاجرين . فإن قيل : كيف قال تبوؤا الدار والإيمان وإنما تتبوّأ الدار . أي تسكن ولا يتبوأ الإيمان ؟ فالجواب من وجهين : الأول أن معناه تبوؤا الدار وأخلصوا الإيمان فهو كقولك : فعلفتها تبناً وماء بارداً ، تقديره : علفتها تبناً وسقيتها ماء بارداً ، الثاني أن المعنى أنهم جعلوا الإيمان كأنه موطن لهم لتمكنهم فيه ، كما جعلوا المدينة كذلك . فإن قيل : قوله من قبلهم ، يقتضي أن الأنصار سبقوا المهاجرين بنزول المدينة وبالإيمان ، فأما سبقهم لهم بنزول المدينة فلا شك فيه لأنها كانت بلدهم ، وأما سبقهم لهم بالإيمان فمشكل ، لأن أكثر المهاجرين أسلم قبل الأنصار ؟ فالجواب من وجهين : أحدهما أنه أراد بقوله من قبلهم من قبل هجرتهم ، والآخر أنه أراد تبوؤا الدار مع الإيمان معاً . أي جمعوا بين الحالتين قبل المهاجرين ، لأن المهاجرين إنما سبقوهم بالإيمان لا بتبوّئ الدار فيكون الإيمان على هذا مفعولاً معه ، وهذا الوجه أحسن ، لأنه جواب عن هذا السؤال ، وعن السؤال الأول ، فإنه إذا كان الإيمان مفعولاً معه لم يلزم السؤال الأول ، إذ لا يلزم إلا إذا كان الإيمان معطوفاً على الدار . { وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ } قيل : إن الحاجة هنا بمعنى الحسد ، ويحتمل أن تكون بمعنى الاحتجاج على أصلها ، والضمير في يجدون للأنصار ، وفي أوتوا المهاجرين ، والمعنى : أن الأنصار تطيب نفوسهم بما يعطاه المهاجرون من الفيء وغيره ، ولا يجدون في صدورهم شيئاً بسبب ذلك { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } أي يؤثرون غيرهم بالمال على أنفسهم ولو كانوا في غاية الاحتياج ، والخصاصة هي الفاقة ، وروي أن سبب هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم هذه القرى على المهاجرين دون الأنصار قال للأنصار : إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم ، وشاركتموهم في هذه الغنيمة . وإن شئتم أمسكتم أموالكم وتركتم لهم هذه فقالوا : بل نقسم لهم من أموالنا ونترك لهم هذه الغنيمة ورُوي أيضاً " أن سببها أن رجلاً من الأنصار أضاف رجلاً من المهاجرين فذهب الأنصاري بالضيف إلى منزله فقالت له امرأته : والله ما عندنا إلا قوت الصبيان . فقال لها : نوّمي صبيانك وأطفئي السراج ، وقدمي ما عندك للضيف ، ونوهمه نحن أنا نأكل ولا نأكل ، ففعلا ذلك ، فلما غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : عجب الله من فعلكما البارحة ونزلت الآية " { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } شحّ النفس : هو البخل والطمع وفي هذا إشارة إلى أن الأنصار وقاهم الله شح أنفسهم فمدحهم الله بذلك ، وبأنهم يؤثرون على أنفسهم وبأنهم لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتي المهاجرون وأنهم يحبون المهاجرين .