Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 62, Ayat: 11-11)

Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } " سبب الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائماً على المنبر يخطب يوم الجمعة ، فأقبلت عير من الشام بطعام ، وصاحب أمرها دحية بن خليفة الكلبي ، وكانت عادتهم أن تدخل العير المدينة بالطبل والصياح سروراً بها ، فلما دخلت العير كذلك انفض أهل المسجد إليها ، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر ، ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً . قال جابر بن عبد الله : أنا أحدهم " وذكر بعضهم أن منهم العشرة المشهود لهم بالجنة ، واختلف في الثاني عشر ، فقيل : عبد الله بن مسعود ، وقيل : عمار بن ياسر ، وقيل : إنما بقي معه صلى الله عليه وسلم ثمانية وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال لهؤلاء : لقد كانت الحجارة سُوِّمت في السماء على المنفضين . وظاهر الآية يقتضي أن الجماعة شرط في الجمعة وهو مذهب مالك والجمهور ، إلا أنهم اختلفوا في مقدار الجماعة الذين تنعقد بهم الجمعة ؟ فقال مالك : ليس في ذلك عدد محدود ، وإنما هم جماعة تقوم بهم قرية . وروى ابن الماجشون عن مالك ثلاثون . وقال الشافعي : أربعون . وقال أبو حنيفة : ثلاثة مع الإمام وقيل : اثنا عشر عدد الذين بقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم . فإن قيل : لم قال انفضوا إليها بضمير المفرد وقد ذكر التجارة واللهو ؟ فالجواب من وجهين : أحدهما أنه أراد انفضوا إلى اللهو وانفضوا إلى التجارة ، ثم حذف أحدهما لدلالة الآخر عليه . قاله الزمخشري . والآخر أنه قال ذلك مهتماً بالتجارة إذ كانت أهم ، وكانت هي سبب اللهو ، ولم يكن اللهو سببها ، قاله ابن عطية . { وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } اختلفوا في القيام في الخطبة هل هو وجب أم لا ؟ وإذا قلنا بوجوبه فهل هو شرط فيها أم لا ؟ فمن أوجبه واشترطه أخذ بظاهر الآية من ذكر القيام . ومن لم يوجبه رأى أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لم يكن على الوجوب . ومذهب مالك أن من سنة الخطبة الجلوس قبلها والجلوس بين الخطبتين ، وقال أبو حنيفة : لا يجلس بين الخطبتين لظاهر الآية وذكر القيام فيها دون الجلوس ، وحجة مالك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم { قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ } إن قيل : لم قدم اللهو هنا على التجارة وقدم التجارة قبل هذا على اللهو ؟ فالجواب : أن كل واحد من الموضعين جاء على ما ينبغي فيه ؛ وذلك أن العرب تارة يبتدئون بالأكثر ثم ينزلون إلى الأقل كقولك : فلان يخون في الكثير والقليل فبدأت بالكثير ثم أردفت عليه الخيانة فيما دونه ، وتارة يبتدئون بالأقل ثم يرتقون إلى الأكثر كقولك : فلان أمين على القليل والكثير فبدأت بالقليل ثم أردفت عليه الأمانة فيما هو أكثر منه ، ولو عكست في كل واحد من المثالين لم يكن حسناً ؛ فإنك لو قدمت في الخيانة القليل لعلم أنه يخون في الكثير . من باب أولى وأحرى ، ولو قدمت في الأمانة ذكر الكثير لعلم أنه أمين في القليل من باب أولى وأحرى ، فلم يكن لذكره بعد ذلك فائدة وكذلك قوله { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } . قدم التجارة هنا ليبين أنهم ينفضون إليها ، وأنهم مع ذلك ينفضون إلى اللهو الذي هو دونها وقوله : { خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ } قدم اللهو ليبين أن ما عند الله خير من اللهو ، وأنه أيضاً خير من التجارة التي هي أعظم منه ، ولو عكس كل واحد من الموضعين لم يحسن .