Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 1-1)
Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } إن قيل : لم نودي النبي صلى الله عليه وسلم وحده ثم جاء بعد ذلك خطاب الجماعة ؟ فالجواب : أنه لما كان حكم الطلاق يشترك فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأمته ، قيل : إن طلقتم خطاباً له ولهم ، وخُصَّ هو عليه الصلاة والسلام بالنداء تعظيماً له ، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان افعلوا ، أي : افعل أنت وقومك ، ولأنه عليه الصلاة والسلام هو المبلغ لأمته ، فكأنه قال : يا أيها النبي إذا طلقت أنت وأمتك . وقيل : تقديره يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم . وهذا ضعيف لأنه يقتضي أن هذا الحكم مختص بأمته دونه ، وقيل : إنه خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بطلقتم تعظيماً له ، كما تقول للرجل المعظم : أنتم فعلتم ، وهذا أيضاً ضعيف ، لأنه يقتضي اختصاصه عليه الصلاة السلام بالحكم دون أمته ، ومعنى إذا طلقتم هنا : إذا أردتم الطلاق . واختلف في الطلاق هل هو مباح أو مكروه ؟ فأما إذا كان على غير وجه السنة فهو ممنوع . ولكن يلزم ، وأما اليمين بالطلاق فممنوع { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } تقديره : طلقوهن مستقبلات لعدتهن ، ولذلك قرأ عثمان وابن عباس وأبيّ بن كعب : فطلقوهن في قبل عدتهن ، وقرأ ابن عمر : لقبل عدتهن ، ورويت القراءتان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومعنى ذلك كله : لا يطلقها وهي حائض ، فهو منهي عنه بإجماع ، لأنه إذا فعل ذلك لم يقع طلاقه في الحال التي أمر الله بها وهو استقبال العدة ، واختلف في النهي عن الطلاق في الحيض هل هو معلل بتطويل العدة ، أو هو تعبد ؟ والصحيح أنه معلل بذلك ، وينبني على هذا الخلاف فروع منها : هل يجوز إذا رضيت به المراة أم لا ؟ ومنها : هل يجوز طلاقها وهي حامل أم لا ؟ ومنها : هل يجوز طلاقها قبل الدخول وهي حائض أم لا ؟ فالتعليل بتطويل العدّة يقتضي جواز هذه الفروع ، والتعبد يقتضي المنع ، ومن طلق في الحيض لزمه الطلاق ، ثم يؤمر بالرجعة على وجه الإجبار عند مالك ، وبدون إجبار عند الشافعي حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك ، حسبما ورد في حديث ابن عمر ، " حين طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له : مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ؛ ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك " واشترط مالك أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه ، ليعتد بذلك الطهر ، فإنه إن طلقها في طهر بعد أن جامعها فيه ، فلا تدري هل تعتد بالوضع أو بالأقراء ، فليس طلاقاً لعدتها كما أمر الله { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } أمر بذلك لما ينبني عليها من الأحكام ، في الرجعة والسكنى والميراث وغير ذلك . { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ } نهى الله سبحانه وتعالى أن يخرج الرجل المرأة المطلقة من المسكن الذي طلقها فيه ، ونهاها هي أن تخرج باختيارها ، فلا يجوز لها المبيت خارجاً عن بيتها ولا أن تغيب عنه نهاراً إلا لضرورة التصرف ، وذلك لحفظ النسب وصيانة المرأة ، فإن كان المسكن ملكاً للزوج ، أو مكترى عنده ، لزمه إسكانها فيه ، وإن كان المسكن لها فعليه كراؤه مدة العدة ، وإن كانت قد أمتعته فيه مدة الزوجية ؛ ففي لزوم خروج العدة له قولان في المذهب والصحيح لزومه ؛ لأن الامتناع قد انقطع بالطلاق { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } اختلف في هذه الفاحشة التي أباحت خروج المعتدة ما هي ؟ على خمسة أقوال : الأول أنها الزنا فتخرج لإقامة الحدّ ، قاله الليث بن سعد والشعبي . الثاني أنه سوء الكلام مع الأصهار فتخرج ويسقط حقها من السكنى ، ويلزمها الإقامة في مسكن تتخذه حفظاً للنسب ، قاله ابن عباس ويؤيده قراءة أبي بن كعب ، إلا أن يفحشن عليكم . الثالث أنه جميع المعاصي من القذف والزنا والسرقة وغير ذلك ، فمتى فعلت شيئاً من ذل سقط حقها في السكنى ، قاله ابن عباس أيضاً وإليه مال الطبري الرابع : أنه الخروج عن بيتها خروج انتقال فمتى فعلت ذلك سقط حقها في السكنى قاله ابن الفرس ، وإلى هذا ذهب مالك في المرأة إذا نشزت في العدة ، الخامس : أنه النشوز قبل الطلاق ، فإذا طلقها بسبب نشوزها فلا يكون عليه سكنى ، قاله قتادة . { لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } المراد به الرجعة عند الجمهور ، أي أحصوا العدة وامتثلوا ما أمرتم به ، لعل الله يحدث الرجعة لنسائكم ، وقيل : إن سبب الرجعة المذكورة في الآية تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة بنت عمر فأمره الله بمراجعتها .