Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 142-145)
Tafsir: Kitāb at-Tašīl li-ʿulūm at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَوَٰعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيْلَةً } روي أن الثلاثين هي شهر ذي القعدة والعشر بعدها هي العشر الأول من ذي الحجة ، وذلك تفصيل الأربعين المذكورة في البقرة { مِيقَٰتُ رَبِّهِ } أي ما وقت له من الوقت لمناجاته في الطور { ٱخْلُفْنِي } أي كن خليفتي على بني إسرائيل مدة مغيبي { قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ } لما سمع موسى كلام الله طمع في رؤيته ، فسألها كما قال الشاعر : @ وأفرح ما يكون الشوق يوماً إذا دنت الديار من الديار @@ واستدلت الأشعرية بذلك على أن رؤية الله جائزة عقلاً ، وأنها لو كانت محالاً لم يسألها موسى ، فإن الأنبياء عليهم السلام يعلمون ما يجوز على الله وما يستحيل ، وتأول الزمخشري طلب موسى للرؤية بوجهين : أحدهما أنه إنما سأل ذلك تبكيتا لمن خرج معه من بني إسرائيل الذين طلبوا الرؤية { فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً } [ النساء : 153 ] ؛ فقال موسى ذلك ليسمعوا الجواب بالمنع فيتأولوا ، والآخر أن معنى أرني أنظر إليك : عرفني نفسك تعريفاً واضحاً جلياً وكلا الوجهين بعيد ، والثاني أبعد وأضعف ، فإنه لو لم يكن المراد الرؤية لم يقل له أنظر إلى الجبل الآية { قَالَ لَن تَرَانِي } قال مجاهد وغيره : إن الله قال لموسى لن تراني ، لأنك لا تطيق ذلك ، ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشدّ ، فإن استقر وأطاق الصبر لهيبتي أمكن أن تراني أنت ، وإن لم يطق الجبل فأحرى ألا تطيق أنت ، فعلى هذا إنما جعل الله الجبل مثالاً لموسى ، وقال قوم : المعنى سأتجلى لك على الجبل وهذا ضعيف يبطله قوله : { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } فإذا تقرر هذا ، فقوله تعالى : لن تراني نفي للرؤية ، وليس فيه دليل على أنها محال ، فإنه إنما جعل علة النفي عدم إطاقة موسى الرؤية لا استحالتها ، ولو كانت الرؤية مستحيلة ، لكان في الجواب زجر وإغلاظ كما قال الله لنوح : { فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } [ هود : 46 ] ، فهذا المنع من رؤية الله إنما هو في الدنيا لضعف البنية البشرية عن ذلك ، وأما في الآخرة ، فقد صرح بوقوع الرؤية كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا ينكرها إلا مبتدع ، وبين أهل السنة والمعتزلة في مسألة الرؤية تنازع طويل ، وفي هذه القصة قصص كثيرة تركتها لعدم صحتها ، ولما فيه من الأقوال الفاسدة { جَعَلَهُ دَكّاً } أي مدكوكاً فهو مصدر بمعنى مفعول كقولك : ضربت الأمير ، والدك والدق : أخوان ، وهو التفتت ، وقرئ : دكاء بالمد والهمز أي أرضاً دكا وقيل ذهب أعلى الجبل وبقي أكثره ، وقيل تفتت حتى صار غباراً ، وقيل ساخ في الأرض وأفضى إلى البحر { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } أي مغشياً عليه { تُبْتُ إِلَيْكَ } معناه تبت من سؤال الرؤية في الدنيا وأنا لا أطيقها { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي أول قومه أو أهل زمانه ، أو على وجه المبالغة في السبق إلى الإيمان { ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِي وَبِكَلَٰمِي } هو عموم يراد به الخصوص ، فإنّ جميع الرسل قد شاركوه في الرسالة ، واختلف هل كلم الله غيره من الرسل أم لا ، والصحيح : أنه كلم نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء { فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ } تأديباً أي اقنع بما أعطيتك من رسالتي وكلامي ولا تطلب غير ذلك { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ } أي ألواح التوراة وكانت سبعة ، وقيل : عشرة وقيل : اثنان وقيل : كانت من زمردة وقيل : من ياقوت ، وقيل : من خشب { مِن كُلِّ شَيْءٍ } عموم يراد به الخصوص فيما يحتاجون إليه في دينهم ، وكذلك { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } ، وموضع كل شيء نصب على أنه مفعول كتبنا ، وموعظة بدل منه { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } أي بجدّ وعزم ، والضمير للتوراة { يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } أي فيها ما هو حسن وأحسن منه كالقصاص مع العفو ، وكذلك سائر المباحات من المندوبات { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَٰسِقِينَ } أي دار فرعون وقومه وهو مصر ، ومعنى أريكم كيف اقفرت منهم لما هلكوا ، وقيل : منازل عاد وثمود ومن هلك من الأمم المتقدّمة ليعتبروا بها ، وقيل : جهنم ، وقرأ ابن عباس : سأورثكم بالثاء المثلثة من الوراثة ، وهي على هذا مصدر لقوله وأورثناها بني إسرائيل .