Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 1-4)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { الر } قد تقدّم الكلام مستوفى على هذه الحروف الواقعة في أوائل السور في أوّل سورة البقرة ، فلا نعيده . ففيه ما يغني عن الإعادة . وقد قرأ بالإمالة أبو عمرو ، وحمزة ، وخلف ، وغيرهم . وقرأ جماعة من غير إمالة . وقد قيل إن معنى { الر } أنا الله أرى . قال النحاس ورأيت أبا إسحاق يميل إلى هذا القول ، لأن سيبويه قد حكى مثله عن العرب ، وأنشد @ بالخير خيرات وإن شرافا @@ أي وإن شرّاً فشرّ . وقال الحسن وعكرمة { الر } قسم ، وقال سعيد عن قتادة { الر } اسم للسورة . وقيل غير ذلك مما فيه تكلف لعلم ما استأثر الله بعلمه ، وقد اتفق القراء على أن { الر } ليس بآية . وعلى أن { طه } آية ، وفي مقنع أبي عمرو الداني ، أن العادّين لطه آية هم الكوفيون فقط ، قيل ولعل الفرق أن { الرا } لا يشاكل مقاطع الآي التي بعده . والإشارة بقوله { تِلْكَ } إلى ما تضمنته السورة من الآيات ، والتبعيد للتعظيم ، واسم الإشارة مبتدأ وخبره ما بعده . وقال مجاهد وقتادة أراد التوراة والإنجيل وسائر الكتب المتقدمة ، فإن تلك إشارة إلى غائب مؤنث ، وقيل { تِلْكَ } بمعنى هذه أي هذه آيات الكتاب الحكيم ، وهو القرآن ، ويؤيد كون الإشارة إلى القرآن أنه لم يجر للكتب المتقدمة ذكر ، وأن الحكيم من صفات القرآن لا من صفات غيره ، و { ٱلْحَكِيمُ } المحكم بالحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، قاله أبو عبيدة وغيره . وقيل الحكيم معناه الحاكم ، فهو فعيل بمعنى فاعل ، كقوله { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } البقرة 213 . وقيل الحكيم بمعنى المحكوم فيه ، فهو فعيل بمعنى مفعول ، أي حكم الله فيه بالعدل والإحسان ، قاله الحسن وغيره . وقيل الحكيم ذو الحكمة ، لاشتماله عليها . والاستفهام في قوله { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا } لإنكار العجب مع ما يفيده من التقريع والتوبيخ ، واسم كان { أَنْ أَوْحَيْنَا } وخبرها { عَجَبًا } أي أكان إيحاؤنا عجباً للناس . وقرأ ابن مسعود « عجب » على أنه اسم كان ، على أن كان تامة ، و { أَنْ أَوْحَيْنَا } بدل من عجب . وقرىء بإسكان الجيم من { رجل } في قوله { إِلَىٰ رَجُلٍ مّنْهُمْ } أي من جنسهم ، وليس في هذا الإيحاء إلى رجل من جنسهم ما يقتضى العجب ، فإنه لا يلابس الجنس ويرشده ويخبره عن الله سبحانه ، إلا من كان من جنسه ، ولو كان من غير جنسهم لكان من الملائكة ، أو من الجنّ ، ويتعذر المقصود حينئذ من الإرسال لأنهم لا يأنسون إليه ، ولا يشاهدونه . ولو فرضنا تشكله لهم وظهوره ، فإما أن يظهر في غير شكل النوع الإنساني ، وذلك أوحش لقلوبهم وأبعد من أنسهم ، أو في الشكل الإنساني ، فلا بدّ من إنكارهم لكونه في الأصل غير إنسان ، هذا إن كان العجب منهم لكونه من جنسهم ، وإن كان لكونه يتيماً أو فقيراً . فذلك لا يمنع من أن يكون من كان كذلك جامعاً من خصال الخير والشرف ما لا يجمعه غيره ، وبالغاً في كمال الصفات إلى حدّ يقصّر عنه من كان غنياً ، أو كان غير يتيم . وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يصطفيه الله بإرساله من خصال الكمال عند قريش ما هو أشهر من الشمس ، وأظهر من النهار ، حتى كانوا يسمونه الأمين . قوله { أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ } في موضع نصب بنزع الخافض ، أي بأن أنذر الناس . وقيل هي المفسرة لأن في الإيحاء معنى القول ، وقيل هي المخففة من الثقيلة ، قوله { قَدَمَ صِدْقٍ } أي منزل صدق ، وقال الزجاج درجة عالية ، ومنه قول ذي الرمة @ لكم قدم لا ينكر الناس أنها مع الحسب العالي طمت على البحر @@ وقال ابن الأعرابي القدم المتقدّم في الشرف . وقال أبو عبيدة والكسائي كل سابق من خير أو شر ، فهو عند العرب قدم ، يقال لفلان قدم في الإسلام ، وله عندي قدم صدق ، وقدم خير ، وقدم شرّ ، ومنه قول العجاج @ زلّ بنو العوام عند آل الحكم وتركوا الملك لملك ذي قدم @@ وقال ثعلب القدم كل ما قدمت من خير ، وقال ابن الأنباري القدم كناية عن العمل الذي لا يقع فيه تأخير ، ولا إبطاء . وقال قتادة سلف صدق . وقال الربيع ثواب صدق ، وقال الحسن هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال الحكيم الترمذي قدمه صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود ، وقال مقاتل أعمالاً قدّموها واختاره ابن جرير ، ومنه قول الوضاح @ صلِّ لذي العرش واتخذ قوما ينجيـك يوم الخصام والزلـل @@ وقيل غير ما تقدّم مما لا حاجة إلى التطويل بإيراده . قوله { قَالَ ٱلْكَـٰفِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } . قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف ، والأعمش ، وابن محيصن { لساحر } على أنهم أرادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم الإشارة . وقرأ الباقون « لسحر » على أنهم أرادوا القرآن ، وقد تقدّم معنى السحر في البقرة . وجملة { قَالَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } مستأنفة كأنه قيل ماذا صنعوا بعد التعجب وقال القفال فيه إضمار . والتقدير فلما أنذرهم قال الكافرون ذلك . ثم إن الله سبحانه جاء بكلام يبطل به العجب الذي حصل للكفار من الإيحاء إلى رجل منهم ، فقال { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أي من كان له هذا الاقتدار العظيم الذي تضيق العقول عن تصوّره ، كيف يكون إرساله لرسول إلى الناس من جنسهم محلاً للتعجب مع كون الكفار يعترفون بذلك ، فكيف لا يعترفون بصحة هذه الرسالة بهذا الرسول ، وقد تقدّم تفسير هذه الآية في الأعراف في قوله { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } الأعراف 54 فلا نعيده هنا ، ثم ذكر ما يدل على مزيد قدرته وعظيم شأنه فقال { يُدَبّرُ ٱلأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ } وترك العاطف ، لأن جملة { يدبر } كالتفسير والتفصيل ، لما قبلها ، وقيل هي في محل نصب على الحال من ضمير استوى . وقيل مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، وأصل التدبير النظر في أدبار الأمور وعواقبها لتقع على الوجه المقبول . وقال مجاهد يقضيه ويقدّره وحده ، وقيل يبعث الأمر ، وقيل ينزل الأمر ، وقيل يأمر به ويمضيه ، والمعنى متقارب ، واشتقاقه من الدبر ، والأمر الشأن ، وهو أحوال ملكوت السموات والأرض ، والعرش ، وسائر الخلق . قال الزجاج إن الكفار الذين خوطبوا بهذه الآية كانوا يقولون إن الأصنام شفعاؤنا عند الله ، فردّ الله عليهم بأنه ليس لأحد أن يشفع إليه في شيء إلا بعد إذنه ، لأنه أعلم بموضع الحكمة والصواب . وقد تقدّم معنى الشفاعة في البقرة ، وفي هذا بيان لاستبداده بالأمور في كل شيء سبحانه وتعالى ، والإشارة بقوله { ذٰلِكُمْ } إلى فاعل هذه الأشياء من الخلق والتدبير أي الذي فعل هذه الأشياء العظيمة { ٱللَّهُ رَبُّكُمُ } واسم الإشارة مبتدأ ، وخبره الاسم الشريف ، و { ربكم } بدل منه ، أو بيان له ، أو خبر ثان ، وفي هذه الجملة زيادة تأكيد لقوله { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } ثم أمرهم سبحانه بعبادته بعد أن بين لهم أنه الحقيق بها دون غيره لبديع صنعه وعظيم اقتداره . فكيف يعبدون الجمادات التي لا تسمع ولا تبصر ، ولا تنفع ولا تضر ؟ والاستفهام في قوله { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } للإنكار ، والتوبيخ ، والتقريع لأن من له أدنى تذكر ، وأقلّ اعتبار ، يعلم بهذا ولا يخفى عليه . ثم بيّن لهم ما يكون آخر أمرهم بعد الحياة الدنيا ، فقال { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } وفي هذا من التهديد والتخويف ما لا يخفى ، وانتصاب { وَعَدَ ٱللَّهُ } على المصدر لأن في قوله { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } معنى الوعد أو هو منصوب بفعل مقدر ، والمراد بالمرجع الرجوع إليه سبحانه إما بالموت ، أو بالبعث ، أو بكل واحد منهما ، ثم أكد ذلك الوعد بقوله { حَقّاً } فهو تأكيد لتأكيد ، فيكون في الكلام من الوكادة ما هو الغاية في ذلك . وقرأ ابن أبي عبلة " وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ " على الاستئناف ، ثم علل سبحانه ما تقدّم بقوله { إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } أي إن هذا شأنه يبتدىء خلقه من التراب ثم يعيده إلى التراب ، أو معنى الإعادة الجزاء يوم القيامة . قال مجاهد ينشئه ثم يميته ، ثم يحييه للبعث وقيل ينشئه من الماء ثم يعيده من حال إلى حال . وقرأ يزيد بن القعقاع أنه يبدأ الخلق بفتح الهمزة ، فتكون الجملة في وضع نصب بما نصب به وعد الله أي وعدكم أنه يبدأ الخلق ثم يعيده ، ويجوز أن يكون التقدير لأنه يبدأ الخلق ، وأجاز الفراء أن تكون « أن » في موضع رفع ، فتكون اسماً . قال أحمد بن يحيـى بن ثعلب يكون التقدير حقاً إبداؤه الخلق ، ثم ذكر غاية ما يترتب على الإعادة فقال { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ } أي بالعدل الذي لا جور فيه { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } يحتمل أن يكون الموصول الآخر معطوفاً على الموصول الأوّل أي ليجزي الذين آمنوا ، ويجزي الذين كفروا ، وتكون جملة { لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ } في محل نصب على الحال ، هي وما عطف عليها أي وعذاب أليم ، ويكون التقدير هكذا ، ويجزي الذين كفروا حال كون لهم هذا الشراب وهذا العذاب ، ولكن يشكل على ذلك أن هذا الشراب وهذا العذاب الأليم هما من الجزاء ، ويمكن أن يقال إن الموصول في { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } مبتدأ وما بعده خبره ، فلا يكون معطوفاً على الموصول الأوّل ، والباء في { بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } للسببية أي بسبب كفرهم ، والحميم الماء الحار ، وكل مسخن عند العرب ، فهو حميم . وقد أخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس ، في قوله { الر } قال فواتح السور أسماء من أسماء الله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، وابن النجار في تاريخه ، عنه ، قال في قوله { الر } أنا الله أرى . وأخرج ابن المنذر ، عن سعيد بن جبير ، مثله . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك ، مثله أيضاً . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مالك ، في قوله { تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ } قال يعني هذه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة ، في قوله { تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ } قال الكتب التي خلت قبل القرآن . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، قال لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً أنكرت العرب ذلك ، أو من أنكر منهم ، فقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً مثل محمد ، فأنزل الله { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مّنْهُمْ } الآية { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ } الآية النحل 43 ، فلما كرّر الله سبحانه عليهم الحجج قالوا وإذا كان بشراً ، فغير محمد كان أحق بالرسالة . { لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } الزخرف 31 يقول أشرف من محمد ، يعنون الوليد بن المغيرة من مكة ، ومسعود بن عمرو الثقفي من الطائف ، فأنزل الله ردّاً عليهم { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ } الزخرف 32 الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عنه ، في قوله { وَبَشّرِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبّهِمْ } قال ما سبق لهم من السعادة في الذكر الأوّل . وأخرج ابن جرير ، عنه ، أيضاً قال أجراً حسناً بما قدّموا من أعمالهم . وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن ابن مسعود ، قال القدم هو العمل الذي قدموا . قال الله سبحانه { وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَءاثَارَهُمْ } يۤس 12 . والآثار ممشاهم . قال مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أسطوانتين من مسجدهم ثم قال هذا أثر مكتوب . وأخرج ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، في قوله { قَدَمَ صِدْقٍ } قال محمد صلى الله عليه وسلم يشفع لهم . وأخرج ابن مردويه ، عن عليّ بن أبي طالب مثله . وأخرج الحاكم ، وصححه ، عن أبيّ بن كعب ، قال سلف صدق . والروايات عن التابعين وغيرهم في هذا كثيرة ، وقد قدّمنا أكثرها . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد ، في قوله { يُدَبّرُ ٱلأَمْرَ } قال يقضيه وحده ، وفي قوله { إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } قال يحييه ثم يميته ثم يحييه .