Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 101, Ayat: 1-11)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلْقَارِعَةُ } من أسماء القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع ، وتقرع أعداء الله بالعذاب . والعرب تقول قرعتهم القارعة إذا وقع بهم أمر فظيع . قال ابن أحمر @ وقارعة من الأيام لولا سبيلهم لراحت عنك حينا @@ وقال آخر @ متى نقرع بمروتكم نسؤكم ولما يوقد لنا في القدر نار @@ { والقارعة } مبتدأ ، وخبرها قوله { مَا ٱلْقَارِعَةُ } . وبالرفع قرأ الجمهور ، وقرأ عيسى بنصبها على تقدير احذروا القارعة . والاستفهام للتعظيم ، والتفخيم لشأنها ، كما تقدّم بيانه في قوله { ٱلْحَاقَّةُ * مَا ٱلْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } الحاقة 1 ــ 3 . وقيل معنى الكلام على التحذير . قال الزجاج والعرب تحذر وتغري بالرفع كالنصب ، وأنشد قول الشاعر @ لجديرون بالوفاء إذا قال أخو النجدة السلاح السلاح @@ والحمل على معنى التفخيم ، والتعظيم أولى ، ويؤيده وضع الظاهر موضع الضمير ، فإنه أدلّ على هذا المعنى . ويؤيده أيضاً قوله { وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } فإنه تأكيد لشدّة هولها ، ومزيد فظاعتها حتى كأنها خارجة عن دائرة علوم الخلق بحيث لا تنالها دراية أحد منهم ، وما الاستفهامية مبتدأ ، و { أدراك } خبرها . و { ما القارعة } مبتدأ وخبر . والجملة في محل نصب على أنها المفعول الثاني والمعنى وأيّ شيء أعلمك ما شأن القارعة ؟ ثم بيّن سبحانه متى تكون القارعة فقال { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } . وانتصاب الظرف بفعل محذوف تدلّ عليه القارعة ، أي تقرعهم يوم يكون الناس إلخ ، ويجوز أن يكون منصوباً بتقدير اذكر . وقال ابن عطية ، ومكي ، وأبو البقاء هو منصوب بنفس القارعة ، وقيل هو خبر مبتدأ محذوف ، وإنما نصب لإضافته إلى الفعل ، فالفتحة فتحة بناء لا فتحة إعراب ، أي هي يوم يكون إلخ . وقيل التقدير ستأتيكم القارعة يوم يكون . وقرأ زيد بن عليّ برفع يوم على الخبرية للمبتدأ المقدّر . والفراش الطير الذي تراه يتساقط في النار ، والسراج ، والواحدة فراشة ، كذا قال أبو عبيدة وغيره . قال الفراء الفراش هو الطائر من بعوض وغيره ، ومنه الجراد . قال وبه يضرب المثل في الطيش ، والهوج ، يقال أطيش من فراشة ، وأنشد @ فراشة الحلم فرعون العذاب وإن يطلب نداه فكلب دونه كلب @@ وقول آخر @ وقد كان أقوام رددت حلومهم عليهم وكانوا كالفراش من الجهل @@ والمراد بالمبثوث المتفرّق المنتشر . يقال بثه إذا فرقه . ومثل هذا قوله سبحانه في آية أخرى { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } القمر 7 وقال { المبثوث } ، ولم يقل المبثوثة لأن الكل جائز ، كما في قوله { أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } القمر 20 و { أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } الحاقة 7 وقد تقدّم بيان وجه ذلك . { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } أي كالصوف الملوّن بالألوان المختلفة الذي نفش بالندف . والعهن عند أهل اللغة الصوف المصبوغ بالألوان المختلفة ، وقد تقدّم بيان هذا في سورة سأل سائل ، وقد ورد في الكتاب العزيز أوصاف للجبال يوم القيامة . وقد قدّمنا بيان الجمع بينها . ثم ذكر سبحانه أحوال الناس ، وتفرّقهم فريقين على جهة الإجمال فقال { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوٰزِينُهُ * فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } قد تقدّم القول في الميزان في سورة الأعراف ، وسورة الكهف ، وسورة الأنبياء . وقد اختلف فيها هنا . فقيل هي جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله ، وبه قال الفرّاء وغيره . وقيل هي جمع ميزان . وهو الآلة التي توضع فيها صحائف الأعمال ، وعبر عنه بلفظ الجمع ، كما يقال لكلّ حادثة ميزان ، وقيل المراد بالموازين الحجج والدلائل ، كما في قول الشاعر @ لقد كنت قبل لقائكم ذا مرة عندي لكلّ مخاصم ميزانه @@ ومعنى عيشة راضية مرضية يرضاها صاحبها . قال الزجاج ، أي ذات رضى يرضاها صاحبها . وقيل عيشة راضية أي فاعلة للرضى ، وهو اللين ، والانقياد لأهلها . والعيشة كلمة تجمع النعم التي في الجنة { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوٰزِينُهُ } أي رجحت سيئاته على حسناته ، أو لم تكن له حسنات يعتدّ بها { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } أي فمسكنه جهنم . وسماها أمه لأنه يأوي إليه ، كما يأوي إلى أمه . والهاوية من أسماء جهنم . وسميت هاوية لأنه يهوي فيها مع بعد قعرها . ومنه قول أمية بن أبي الصلت @ فالأرض معقلنا وكانت أمنا فيها مقابرنا وفيها نولد @@ وقول الآخر @ يا عمرو لو نالتك أرماحنا كنت كمن تهوي به الهاوية @@ والمهوى ، والمهواة ما بين الجبلين ، وتهاوى القوم في المهواة إذا سقط بعضهم في إثر بعض . قال قتادة معنى { فَأُمُّهُ هاوية } فمصيره إلى النار . قال عكرمة لأنه يهوي فيها على أمّ رأسه . قال الأخفش أمه مستقرّه . { وَمَا أَدْرَاكَ ماهية } هذا الاستفهام للتهويل ، والتفظيع ببيان أنها خارجة عن المعهود بحيث لا تحيط بها علوم البشر ، ولا تدري كنهها . ثم بيّنها سبحانه فقال { نَارٌ حَامِيَةٌ } أي قد انتهى حرّها ، وبلغ في الشدّة إلى الغاية ، وارتفاع نار على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي هي نار حامية . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال { ٱلْقَارِعَةُ } من أسماء يوم القيامة . وأخرج ابن المنذر عنه في قوله { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } قال كقوله هوت أمه . وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } قال أمّ رأسه هاوية في جهنم . وأخرج ابن مردويه عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مات المؤمن تلقته أرواح المؤمنين يسألونه ما فعل فلان ما فعلت فلانة ؟ فإذا كان مات ، ولم يأتهم قالوا خولف به إلى أمه الهاوية ، فبئست الأمّ ، وبئست المربية " وأخرج ابن مردويه من حديث أبي أيوب الأنصاري نحوه . وأخرج ابن المبارك من حديث أبي أيوب نحوه أيضاً .