Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 103, Ayat: 1-3)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أقسم سبحانه بالعصر ، وهو الدهر ، لما فيه من العبر من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار ، وتعاقب الظلام والضياء ، فإن في ذلك دلالة بينة على الصانع عزّ وجلّ ، وعلى توحيده ، ويقال لليل عصر ، وللنهار عصر ، ومنه قول حميد بن ثور @ ولم ينته العصران يوم وليلة إذا طلبا أن يدركا ما تمنيا @@ ويقال للغداة والعشيّ عصران ، ومنه قول الشاعر @ وأمطله العصرين حتى يملني ويرضى بنصف الدين والأنف راغم @@ وقال قتادة والحسن المراد به في الآية العشيّ ، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها ، ومنه قول الشاعر @ يروح بنا عمرو وقد قصر العصر وفي الروحة الأولى الغنيمة والأجر @@ وروي عن قتادة أيضاً أنه آخر ساعة من ساعات النهار . وقال مقاتل إن المراد به صلاة العصر ، وهي الصلاة الوسطى التي أمر الله سبحانه بالمحافظة عليها . وقيل هو قسماً بعصر النبيّ صلى الله عليه وسلم . قال الزجاج قال بعضهم معناه ، ورب العصر . والأوّل أولى . { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ } هذا جواب القسم . الخسر ، والخسران النقصان ، وذهاب رأس المال ، والمعنى أن كل إنسان في المتاجر والمساعي وصرف الأعمار في أعمال الدنيا لفي نقص ، وضلال عن الحق حتى يموت . وقيل المراد بالإنسان الكافر . وقيل جماعة من الكفار وهم الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد المطلب بن أسد ، والأوّل أولى لما في لفظ الإنسان من العموم ، ولدلالة الاستثناء عليه . قال الأخفش { فِى خُسْرٍ } في هلكة . وقال الفراء عقوبة . وقال ابن زيد لفي شرّ . قرأ الجمهور { والعصر } بسكون الصاد . وقرءوا أيضاً { خسر } بضم الخاء ، وسكون السين . وقرأ يحيى بن سلام والعصر بكسر الصاد . وقرأ الأعرج ، وطلحة ، وعيسى خسر بضم الخاء والسين ، ورويت هذه القراءة عن عاصم . { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } أي جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح ، فإنهم في ربح لا في خسر لأنهم عملوا للآخرة ، ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها ، والاستثناء متصل ، ومن قال إن المراد بالإنسان الكافر فقط ، فيكون منقطعاً ، ويدخل تحت هذا الاستثناء كل مؤمن ومؤمنة ، ولا وجه لما قيل من أن المراد الصحابة أو بعضهم ، فإن اللفظ عام لا يخرج عنه أحد ممن يتصف بالإيمان ، والعمل الصالح { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ } أي وصى بعضهم بعضاً بالحق الذي يحق القيام به ، وهو الإيمان بالله ، والتوحيد ، والقيام بما شرعه الله ، واجتناب ما نهى عنه . قال قتادة { بالحق } ، أي بالقرآن ، وقيل بالتوحيد ، والحمل على العموم أولى . { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } أي بالصبر عن معاصي الله سبحانه ، والصبر على فرائضه . وفي جعل التواصي بالصبر قريناً للتواصي بالحق دليل على عظيم قدره ، وفخامة شرفه ، ومزيد ثواب الصابرين على ما يحق الصبر عليه { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } الأنفال 46 وأيضاً التواصي بالصبر مما يندرج تحت التواصي بالحق ، فإفراده بالذكر ، وتخصيصه بالنص عليه من أعظم الأدلة الدالة على إنافته على خصال الحق ، ومزيد شرفه عليها ، وارتفاع طبقته عنها . وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وَٱلْعَصْرِ } قال الدهر . وأخرج ابن جرير عنه قال هو ساعة من ساعات النهار . وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً قال هو ما قبل مغيب الشمس من العشيّ . وأخرج الفريابي ، وأبو عبيد في فضائله ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن الأنباري في المصاحف عن عليّ بن أبي طالب أنه كان يقرأ والعصر ونوائب الدهر ، إن الإنسان لفي خسر ، وإنه فيه إلى آخر الدهر . وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود أنه كان يقرأ والعصر إن الإنسان لفي خسر ، وإنه لفيه إلى آخر الدهر .