Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 104, Ayat: 1-9)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الويل هو مرتفع على الابتداء ، وسوّغ الابتداء به مع كونه نكرة كونه دعاء عليهم ، وخبره { لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } والمعنى خزي ، أو عذاب ، أو هلكة أو واد في جهنم لكل همزة لمزة . قال أبو عبيدة ، والزجاج الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس ، وعلى هذا هما بمعنى وقال أبو العالية ، والحسن ، ومجاهد ، وعطاء بن أبي رباح الهمزة الذي يغتاب الرجل في وجهه ، واللمزة الذي يغتابه من خلفه . وقال قتادة عكس هذا . وروي عن قتادة ، ومجاهد أيضاً أن الهمزة الذي يغتاب الناس في أنسابهم . وروي عن مجاهد أيضاً أن الهمزة الذي يهمز الناس بيده . واللمزة الذي يلمزهم بلسانه . وقال سفيان الثوري يهمزهم بلسانه ، ويلمزهم بعينه . وقال ابن كيسان الهمزة الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ ، واللمزة الذي يكسر عينه على جليسه ، ويشير بيده وبرأسه وبحاجبه ، والأوّل أولى ، ومنه قول زياد الأعجم @ تدلي بودّي إذا لاقيتني كذبا وإن أغيب فأنت الهامز اللمزه @@ وقول الآخر @ إذا لقيتك عن سخط تكاشرني وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه @@ وأصل الهمز الكسر . يقال همز رأسه كسره ، ومنه قول العجاج @ ومن همزنا رأسه تهشما @@ وقيل أصل الهمز واللمز الضرب والدفع . يقال همزه يهمزه همزاً ، ولمزه يلمزه لمزاً إذا دفعه وضربه ، ومنه قول الشاعر @ ومن همزنا عزه تبركعا على أسته زوبعة أو زوبعا @@ البركعة القيام على أربع . يقال بركعه ، فتبركع ، أي صرعه ، فوقع على أسته . كذا في الصحاح ، وبناء فعلة يدلّ على الكثرة ، ففيه دلالة على أنه يفعل ذلك كثيراً ، وأنه قد صار ذلك عادة له ، ومثله ضحكة ولعنة . قرأ الجمهور { همزة لمزة } بضم أوّلهما ، وفتح الميم فيهما . وقرأ الباقر ، والأعرج بسكون الميم فيهما . وقرأ أبو وائل ، والنخعي ، والأعمش ويل للهمزة اللمزة والآية تعمّ كلّ من كان متصفاً بذلك ، ولا ينافيه نزولها عل سبب خاص ، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } الموصول بدل من كلّ ، أو في محل نصب على الذمّ ، وهذا أرجح لأن البدل يستلزم أن يكون المبدل منه في حكم الطرح ، وإنما وصفه سبحانه بهذا الوصف لأنه يجري مجرى السبب ، والعلة في الهمز واللمز ، وهو إعجابه بما جمع من المال ، وظنه أنه الفضل ، فلأجل ذلك يستقصر غيره . قرأ الجمهور { جمع } مخففاً . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي بالتشديد . وقرأ الجمهور { وعدّده } بالتشديد . وقرأ الحسن ، والكلبي ، ونصر بن عاصم ، وأبو العالية بالتخفيف ، والتشديد في الكلمتين يدلّ على التكثير وهو جمع الشيء بعد الشيء ، وتعديده مرّة بعد أخرى . قال الفراء معنى { عدّده } أحصاه . وقال الزجاج وعدّده لنوائب الدّهور . يقال أعددت الشيء وعددته إذا أمسكته . قال السديّ أحصى عدده . وقال الضحاك أعدّ ماله لمن يرثه . وقيل المعنى فاخر بكثرته وعدده ، والمقصود ذمه على جمع المال ، وإمساكه ، وعدم إنفاقه في سبيل الخير . وقيل المعنى على قراءة التخفيف في " عدّده " أنه جمع عشيرته وأقاربه . قال المهدوي من خفف " وعدّده " ، فهو معطوف على المال ، أي وجمع عدده . وجملة { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } مستأنفة لتقرير ما قبلها ، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال ، أي يعمل عمل من يظنّ أن ماله يتركه حياً مخلداً لا يموت . وقال عكرمة يحسب أن ماله يزيد في عمره ، والإظهار في موضع الإضمار للتقريع والتوبيخ . وقيل هو تعريض بالعمل الصالح ، وأنه الذي يخلد صاحبه في الحياة الأبدية لا المال . وقوله { كَلاَّ } ردع له عن ذلك الحسبان أي ليس الأمر على ما يحسبه هذا الذي جمع المال وعدده ، واللام في { لَيُنبَذَنَّ فِى ٱلْحُطَمَةِ } جواب قسم محذوف ، أي ليطرحنّ في النار ، وليلقينّ فيها . قرأ الجمهور { لينبذنّ } وقرأ عليّ ، والحسن ، ومحمد بن كعب ، ونصر بن عاصم ، ومجاهد ، وحميد ، وابن محيصن لينبذانّ بالتثنية ، أي لينبذ هو وماله في النار . وقرأ الحسن أيضاً { لينبذنّ } أي لينبذن ماله في النار . { وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ } ؟ هذا الاستفهام للتهويل والتفظيع حتى كأنها ليست مما تدركه العقول ، وتبلغه الأفهام . ثم بيّنها سبحانه فقال { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ } أي هي نار الله الموقدة بأمر الله سبحانه ، وفي إضافتها إلى الاسم الشريف تعظيم لها وتفخيم ، وكذلك في وصفها بالإيقاد . وسميت " حطمة " لأنها تحطم كل ما يلقى فيها وتهشمه ، ومنه @ إنا حطمنا بالقضيب مصعبا يوم كسرنا أنفه ليغضبا @@ قيل هي الطبقة السادسة من طبقات جهنم . وقيل الطبقة الثانية منها . وقيل الطبقة الرابعة { ٱلَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأفْئِدَةِ } أي يخلص حرّها إلى القلوب فيعلوها ويغشاها ، وخصّ الأفئدة مع كونها تغشى جميع أبدانهم لأنها محلّ العقائد الزائغة ، أو لكون الألم إذا وصل إليها مات صاحبها ، أي إنهم في حال من يموت ، وهم لا يموتون . وقيل معنى { تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأفْئِدَةِ } أنها تعلم بمقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب ، وذلك بأمارات عرّفها الله بها . { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } أي مطبقة مغلقة ، كما تقدّم بيانه في سورة البلد ، يقال أصدت الباب إذا أغلقته ، ومنه قول قيس بن الرقيات @ إن في القصر لو دخلنا غزالا مصفقاً موصداً عليه الحجاب @@ { فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } في محل نصب على الحال من الضمير في { عليهم } ، أي كائنين في عمد ممدّدة موثقين فيها ، أو في محلّ رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هم في عمد ، أو صفة لمؤصدة ، أي مؤصدة بعمد ممدّدة . قال مقاتل أطبقت الأبواب عليهم ، ثم شدّت بأوتادٍ من حديد ، فلا يفتح عليهم باب ، ولا يدخل عليهم روح . ومعنى كون العمد ممدّدة أنها مطوّلة ، وهي أرسخ من القصيرة . وقيل العمد أغلال في جهنم ، وقيل القيود . قال قتادة المعنى هم في عمد يعذّبون بها ، واختار هذا ابن جرير . قرأ الجمهور { في عمد } بفتح العين ، والميم . وقيل هو اسم جمع لعمود . وقيل جمع له . قال الفرّاء هي جمع لعمود كأديم وأدم . وقال أبو عبيدة هي جمع عماد . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر بضم العين ، والميم جمع عمود . قال الفرّاء هما جمعان صحيحان لعمود . واختار أبو عبيد ، وأبو حاتم وقراءة الجمهور . قال الجوهري العمود عمود البيت ، وجمع القلة أعمدة ، وجمع الكثرة عمد وعمد ، وقرىء بهما . قال أبو عبيدة العمود كل مستطيل من خشب أو حديد . وقد أخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي الدنيا ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه سئل عن قوله { وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } قال هو المشاء بالنميمة ، المفرّق بين الجمع ، المغري بين الإخوان . وأخرج ابن جرير عنه { وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ } قال طعان . { لُّمَزَةٍ } قال مغتاب . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عنه أيضاً في قوله { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } قال مطبقة . { فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } قال عمد من نار . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال هي الأدهم . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الأبواب هي الممدّدة . وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال أدخلهم في عمد ، فمدّت عليهم في أعناقهم ، فشدّت بها الأبواب .