Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 108, Ayat: 1-3)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ الجمهور { إنا أعطيناك } وقرأ الحسن ، وابن محيصن ، وطلحة ، والزعفراني أنطيناك بالنون . قيل هي لغة العرب العاربة . قال الأعشى @ حباؤك خير حبا الملوك يصان الحلال وتنطى الحلولا @@ و { ٱلْكَوْثَرَ } فوعل من الكثرة وصف به للمبالغة في الكثرة ، مثل النوفل من النفل ، والجوهر من الجهر . العرب تسمي كلّ شيء كثير في العدد ، أو القدر ، أو الخطر كوثراً ، ومنه قول الشاعر @ وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا @@ فالمعنى على هذا إنا أعطيناك يا محمد الخير الكثير البالغ في الكثرة إلى الغاية . وذهب أكثر المفسرين ، كما حكاه الواحدي إلى أن الكوثر نهر في الجنة . وقيل هو حوض النبيّ صلى الله عليه وسلم في الموقف قاله عطاء . وقال عكرمة الكوثر النبوّة . وقال الحسن هو القرآن . وقال الحسن بن الفضل هو تفسير القرآن ، وتخفيف الشرائع . وقال أبو بكر بن عياش هو كثرة الأصحاب والأمة . وقال ابن كيسان هو الإيثار . وقيل هو الإسلام . وقيل رفعة الذكر . وقيل نور القلب . وقيل الشفاعة . وقيل المعجزات . وقيل إجابة الدعوة . وقيل لا إلٰه إلاّ الله . وقيل الفقه في الدين . وقيل الصلوات الخمس ، وسيأتي بيان ما هو الحق { فَصَلّ لِرَبّكَ } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، والمراد الأمر له صلى الله عليه وسلم بالدوام على إقامة الصلوات المفروضة . { وَٱنْحَرْ } البدن التي هي خيار أموال العرب . قال محمد بن كعب إن ناساً كانوا يصلون لغير الله ، وينحرون لغير الله ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاته ونحره له . وقال قتادة ، وعطاء ، وعكرمة المراد صلاة العيد ، ونحر الأضحية . وقال سعيد بن جبير صلّ لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع . وانحر البدن في منى . وقيل النحر وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة حذاء النحر قاله محمد بن كعب . وقيل هو أن يرفع يديه في الصلاة عند التكبيرة إلى حذاء نحره . وقيل هو أن يستقبل القبلة بنحره قاله الفراء ، والكلبي ، وأبو الأحوص . قال الفراء سمعت بعض العرب يقول نتناحر ، أي نتقابل نحر هذا ، إلى نحر هذا أي قبالته ، ومنه قول الشاعر @ أبا حكم ما أنت عمّ مجالد وسيد أهل الأبطح المتناحر @@ أي المتقابل . وقال ابن الأعرابي هو انتصاب الرجل في الصلاة بازاء المحراب . من قولهم منازلهم تتناحر تتقابل . وروي عن عطاء أنه قال أمره أن يستوي بين السجدتين جالساً حتى يبدو نحره . وقال سليمان التيمي المعنى وارفع يديك بالدعاء إلى نحرك ، وظاهر الآية الأمر له صلى الله عليه وسلم بمطلق الصلاة ، ومطلق النحر ، وأن يجعلهما لله عزّ وجلّ لا لغيره ، وما ورد في السنة من بيان هذا المطلق بنوع خاص ، فهو في حكم التقييد له ، وسيأتي إن شاء الله . { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأبْتَرُ } أي إن مبغضك هو المنقطع عن الخير على العموم . فيعمّ خيري الدنيا والآخرة ، أو الذي لا عقب له ، أو الذي لا يبقى ذكره بعد موته ، وظاهر الآية العموم ، وأن هذا شأن كل من يبغض النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولا ينافي ذلك كون سبب النزول هو العاص بن وائل ، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، كما مرّ غير مرّة . قيل كان أهل الجاهلية إذا مات الذكور من أولاد الرجل قالوا قد بتر فلان ، فلما مات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال بتر محمد ، فنزلت الآية . وقيل القائل بذلك عقبة بن أبي معيط . قال أهل اللغة الأبتر من الرجال الذي لا ولد له ، ومن الدوابّ الذي لا ذنب له ، وكل أمر انقطع من الخير أثره فهو أبتر ، وأصل البتر القطع ، يقال بترت الشيء بتراً قطعته . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن أنس قال أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة ، فرفع رأسه مبتسماً فقال " إنه أنزل عليّ آنفاً سورة " فقرأ { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } حتى ختمها قال " هل تدرون ما الكوثر ؟ " قالوا الله ورسوله أعلم ، قال " هو نهر أعطانيه ربي في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته كعدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول يا ربّ إنه من أمتي ، فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك " وأخرجه أيضاً مسلم في صحيحه . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دخلت الجنة ، فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء ، فإذا مسك أذفر ، قلت ما هذا يا جبريل ؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله " وقد روي عن أنس من طرق كلها مصرحة بأن الكوثر هو النهر الذي في الجنة . وأخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري ، وابن جرير ، وابن مردويه عن عائشة أنها سئلت عن قوله { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } قالت هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم في بطنان الجنة . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه نهر في الجنة . وأخرج الطبراني في الأوسط عن حذيفة في قوله { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } قال نهر في الجنة . وحسن السيوطي إسناده . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن أسامة بن زيد مرفوعاً أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنك أعطيت نهراً في الجنة يدعى الكوثر ، فقال " أجل ، وأرضه ياقوت ، ومرجان ، وزبرجد ، ولؤلؤ " وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن رجلاً قال يا رسول الله ما الكوثر ؟ قال " هو نهر من أنهار الجنة أعطانيه الله " فهذه الأحاديث تدلّ على أن الكوثر هو النهر الذي في الجنة ، فيتعين المصير إليها ، وعدم التعويل على غيرها ، وإن كان معنى الكوثر هو الخير الكثير في لغة العرب ، فمن فسره بما هو أعمّ مما ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فهو تفسير ناظر إلى المعنى اللغويّ . كما أخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي وصححه ، وابن ماجه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه عن عطاء بن السائب قال قال محارب بن دثار قال سعيد بن جبير في الكوثر قلت حدّثنا عن ابن عباس أنه قال هو الخير الكثير ، فقال صدق إنه للخير الكثير ، ولكن حدّثنا ابن عمر قال نزلت { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدرّ ، والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل " وأخرج البخاري ، وابن جرير ، والحاكم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في الكوثر هو الخير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير ، فإن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة ، قال النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه . وهذا التفسير من حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه ناظر إلى المعنى اللغويّ كما عرّفناك ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فسّره فيما صح عنه أنه النهر الذي في الجنة ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل . وأخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن عليّ بن أبي طالب قال لما نزلت هذه السورة على النبيّ صلى الله عليه وسلم { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ * فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل " ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ " فقال إنها ليست بنحيرة ، ولكن يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت ، وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، فإنها صلاتنا ، وصلاة الملائكة الذين هم في السماوات السبع ، وإن لكل شيء زينة ، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم " رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله { فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } " المؤمنون 76 هو من طريق مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن عليّ . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال « إن الله أوحى إلى رسوله أن ارفع يديك حذاء نحرك إذا كبرت للصلاة ، فذاك النحر » . وأخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري في تاريخه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والدارقطني في الأفراد ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن عليّ بن أبي طالب في قوله { فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ } قال وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى ، ثم وضعهما على صدره في الصلاة . وأخرج أبو الشيخ ، والبيهقي في سننه عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن شاهين في سننه ، وابن مردويه ، والبيهقي عن ابن عباس { فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ } قال إذا صليت ، فرفعت رأسك من الركوع ، فاستو قائماً . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال الصلاة المكتوبة ، والذبح يوم الأضحى . وأخرج البيهقي في سننه عنه { وَٱنْحَرْ } قال يقول واذبح يوم النحر . وأخرج البزار ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس قال قدم كعب بن الأشرف مكة . فقالت له قريش أنت خير أهل المدينة وسيدهم ، ألا ترى إلى هذا الصابىء المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج ، وأهل السقاية ، وأهل السدانة ، قال أنتم خير منه ، فنزلت { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأبْتَرُ } ونزلت { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } النساء 51 إلى قوله { فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } النساء 52 . قال ابن كثير وإسناده صحيح . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عن أبي أيوب قال لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى المشركون بعضهم إلى بعض فقالوا إن هذا الصابىء قد بتر الليلة ، فأنزل الله { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } إلى آخر السورة . وأخرج ابن سعد ، وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم ، ثم زينب ، ثم عبد الله ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية ، فمات القاسم ، وهو أوّل ميت من أهله ، وولده بمكة ، ثم مات عبد الله ، فقال العاص بن وائل السهمي قد انقطع نسله فهو أبتر ، فأنزل الله { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأبْتَرُ } . وفي إسناده الكلبي . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأبْتَرُ } قال أبو جهل . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه { إِنَّ شَانِئَكَ } يقول عدوّك .