Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 110, Ayat: 1-3)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
النصر العون ، مأخوذ من قولهم قد نصر الغيث الأرض إذا أعان على نباتها ، ومنع من قحطها ، ومنه قول الشاعر @ إذا انصرف الشهر الحرام فودّعي بلاد تميم وانصري أرض عامر @@ يقال نصره على عدوّه ينصره نصراً إذا أعانه . والاسم النصرة . واستنصره على عدوّه إذا سأله أن ينصره عليه . قال الواحدي قال المفسرون { إِذَا جَاء } ك يا محمد { نَصْرُ ٱللَّهِ } على من عاداك ، وهم قريش { وَٱلْفَتْحُ } فتح مكة . وقيل المراد نصره صلى الله عليه وسلم على قريش من غير تعيين . وقيل نصره على من قاتله من الكفار . وقيل هو فتح سائر البلاد . وقيل هو ما فتحه الله عليه من العلوم ، وعبر عن حصول النصر ، والفتح بالمجيء للإيذان بأنهما متوجهان إليه صلى الله عليه وسلم . وقيل " إذا " بمعنى قد . وقيل بمعنى " إذ " . قال الرازي الفرق بين النصر والفتح أن الفتح هو تحصيل المطلوب الذي كان منغلقاً ، والنصر كالسبب للفتح ، فلهذا بدأ بذكر النصر ، وعطف عليه الفتح . أو يقال النصر كمال الدين ، والفتح إقبال الدنيا الذي هو تمام النعمة . أو يقال النصر الظفر ، والفتح الجنة ، هذا معنى كلامه . ويقال الأمر أوضح من هذا وأظهر ، فإن النصر هو التأييد الذي يكون به قهر الأعداء وغلبهم ، والاستعلاء عليهم ، والفتح هو فتح مساكن الأعداء ، ودخول منازلهم . { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ ٱللَّهِ أَفْوٰجاً } أي أبصرت الناس من العرب ، وغيرهم يدخلون في دين الله الذي بعثك به جماعات فوجاً بعد فوج . قال الحسن لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال العرب أما إذ ظفر محمد بأهل الحرم ، وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل ، فليس لكم به يدان ، فكانوا يدخلون في دين الله أفواجاً ، أي جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون واحداً واحداً ، واثنين اثنين ، فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام . قال عكرمة ، ومقاتل أراد بالناس أهل اليمن ، وذلك أنه ورد من اليمن سبعمائة إنسان مؤمنين . وانتصاب { أفواجاً } على الحال من فاعل يدخلون ، ومحل قوله يدخلون في دين الله النصب على الحال إن كانت الرؤية بصرية ، وإن كانت بمعنى العلم ، فهو في محل نصب عى أنه المفعول الثاني . { فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ } هذا جواب الشرط ، وهو العامل فيه ، والتقدير فسبح بحمد ربك إذا جاء نصر الله . وقال مكي العامل في " إذا " هو { جاء } . ورجحه أبو حيان ، وضعف الأوّل بأن ما جاء بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبلها ، وقوله { بِحَمْدِ رَبّكَ } في محل نصب على الحال ، أي فقل سبحان الله ملتبساً بحمده ، أو حامداً له . وفيه الجمع بين تسبيح الله المؤذن بالتعجب مما يسره الله له مما لم يكن يخطر بباله ولا بال أحد من الناس ، وبين الحمد له على جميل صنعه له ، وعظيم منته عليه بهذه النعمة التي هي النصر ، والفتح لأمّ القرى التي كان أهلها قد بلغوا في عداوته إلى أعلى المبالغ حتى أخرجوه منها بعد أن افتروا عليه من الأقوال الباطلة ، والأكاذيب المختلفة ما هو معروف من قولهم هو مجنون ، هو ساحر ، هو شاعر ، هو كاهن . ونحو ذلك . ثم ضم سبحانه إلى ذلك أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار ، أي اطلب منه المغفرة لذنبك هضماً لنفسك ، واستقصاراً لعملك ، واستدراكاً لما فرط منك من ترك ما هو الأولى . وقد كان صلى الله عليه وسلم يرى قصوره عن القيام بحق الله ، ويكثر من الاستغفار والتضرّع ، وإن كان قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر . وقيل إن الاستغفار منه صلى الله عليه وسلم ومن سائر الأنبياء هو تعبد تعبدهم الله به ، لا لطلب المغفرة لذنب كائن منهم . وقيل إنما أمره الله سبحانه بالاستغفار تنبيهاً لأمته ، وتعريضاً بهم فكأنهم هم المأمورون بالاستغفار . وقيل إن الله سبحانه أمره بالاستغفار لأمته لا لذنبه . وقيل المراد بالتسبيح هنا الصلاة . والأولى حمله على معنى التنزيه مع ما أشرنا إليه من كون فيه معنى التعجب سروراً بالنعمة ، وفرحاً بما هيأه الله من نصر الدين ، وكبت أعدائه ، ونزول الذلة بهم ، وحصول القهر لهم . قال الحسن أعلم الله رسوله صلى الله عليه وسلم أنه قد اقترب أجله ، فأمر بالتسبيح ، والتوبة ليختم له في آخر عمره بالزيادة في العمل الصالح ، فكان يكثر أن يقول " سبحانك اللَّهم وبحمدك اغفر لي إنك أنت التوّاب " قال قتادة ، ومقاتل وعاش صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين . وجملة { إِنَّهُ كَانَ تواباً } تعليل لأمره صلى الله عليه وسلم بالاستغفار ، أي من شأنه التوبة على المستغفرين له يتوب عليهم ، ويرحمهم بقبول توبتهم ، وتوّاب من صيغ المبالغة ، ففيه دلالة على أنه سبحانه مبالغ في قبول توبة التائبين . وقد حكى الرازي في تفسيره اتفاق الصحابة على أن هذه السورة دلت على نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن عمر سألهم عن قول الله { إِذَا جَاء نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } فقالوا فتح المدائن والقصور ، قال فأنت يا ابن عباس ما تقول ؟ قال قلت مثل ضرب لمحمد صلى الله عليه وسلم نعيت له نفسه . وأخرج البخاري ، وغيره عن ابن عباس قال كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد في نفسه ، فقال لم يدخل هذا معنا ، ولنا أبناء مثله ؟ فقال عمر إنه من قد علمتم ، فدعاهم ذات يوم ، فأدخله معهم ، فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلاّ ليريهم ، فقال ما تقولون في قول الله عزّ وجلّ { إِذَا جَاء نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } ؟ فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم ، فلم يقل شيئًا ، فقال لي أكذاك تقول يا ابن عباس ؟ فقلت لا ، فقال ما تقول ؟ فقلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له ، قال { إِذَا جَاء نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } فذلك علامة أجلك { فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوابَا } فقال عمر لا أعلم منها إلاّ ما تقول . وأخرج ابن النجار عن سهل بن سعد عن أبي بكر أن سورة { إِذَا جَاء نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } حين أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفسه نعيت إليه . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول " سبحان الله وبحمده ، وأستغفره وأتوب إليه " فقلت يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله وأتوب إليه فقال " خبرني ربي أني سأرى علامة من أمتي ، فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله وأتوب إليه ، فقد رأيتها { إِذَا جَاء نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } فتح مكة . { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ ٱللَّهِ أَفْوٰجاً * فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوبَا } " وأخرج البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وغيرهم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده " سبحانك اللهم وبحمدك ، اللَّهم اغفر لي " يتأوّل القرآن يعني { إذا جاء نصر الله والفتح } ، وفي الباب أحاديث . وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال لما نزلت { إِذَا جَاء نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " جاء أهل اليمن هم أرقّ قلوباً ، الإيمان يمان ، والفقه يمان ، والحكمة يمانية " وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عن ابن عباس قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة إذ قال " الله أكبر قد جاء نصر الله والفتح ، وجاء أهل اليمن ، قوم رقيقة قلوبهم لينة طاعتهم ، الإيمان يمان ، والفقه يمان ، والحكمة يمانية " وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً ، وسيخرجون منه أفواجاً " وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قالتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ ٱللَّهِ أَفْوٰجاً } قال " ليخرجنّ منه أفواجاً ، كما دخلوا فيه أفواجاً " .