Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 111, Ayat: 1-5)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى { تَبَّت } هلكت . وقال مقاتل خسرت . وقيل خابت . وقال عطاء ضلت . وقيل صفرت من كل خير ، وخصّ اليدين بالتباب ، لأن أكثر العمل يكون بهما . وقيل المراد باليدين نفسه ، وقد يعبر باليد عن النفس ، كما في قوله { بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } الحج 10 أي نفسك . والعرب تعبر كثيراً ببعض الشيء عن كله ، كقولهم أصابته يد الدهر ، وأصابته يد المنايا ، كما في قول الشاعر @ لما أكبت يد الرزايا عليه نادى ألا مخبر @@ وأبو لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم . وقوله { وَتَبَّ } أي هلك . قال الفراء الأوّل دعاء عليه ، والثاني خبر ، كما تقول أهلكه الله وقد هلك . والمعنى أنه قد وقع ما دعا به عليه ، ويؤيده قراءة ابن مسعود وقد تبّ . وقيل كلاهما إخبار ، أراد بالأوّل هلاك عمله ، وبالثاني هلاك نفسه . وقيل كلاهما دعاء عليه ، ويكون في هذا شبه من مجيء العامّ بعد الخاص ، وإن كان حقيقة اليدين غير مرادة ، وذكره سبحانه بكنيته لاشتهاره بها ، ولكون اسمه ، كما تقدّم عبد العزى ، والعزّى اسم صنم ، ولكون في هذه الكنية ما يدلّ على أنه ملابس للنار لأن اللهب هي لهب النار ، وإن كان إطلاق ذلك عليه في الأصل لكونه كان جميلاً ، وأن وجهه يتلهب لمزيد حسنه ، كما تتلهب النار . قرأ الجمهور { لهب } بفتح اللام ، والهاء . وقرأ مجاهد ، وحميد ، وابن كثير وابن محيصن بإسكان الهاء ، واتفقوا على فتح الهاء في قوله { ذَاتَ لَهَبٍ } . وروى صاحب الكشاف أنه قرىء " تبت يدا أبو لهب " وذكر وجه ذلك . { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } أي ما دفع عنه ما حلّ به من التباب ، وما نزل به من عذاب الله ما جمع من المال ، ولا ما كسب من الأرباح والجاه أو المراد بقوله { ماله } ما ورثه من أبيه ، وبقوله { وَمَا كَسَبَ } الذي كسبه بنفسه . قال مجاهد وما كسب من ولد ، وولد الرجل من كسبه ، ويجوز أن تكون « ما » في قوله { مَا أَغْنَىٰ } استفهامية ، أي أيّ شيء أغنى عنه ؟ وكذا يجوز في قوله { وَمَا كَسَبَ } أن تكون استفهامية ، أي وأيّ شيء كسب ؟ ويجوز أن تكون مصدرية ، أي وكسبه . والظاهر أن « ما » الأولى نافية ، والثانية موصولة . ثم أوعده سبحانه بالنار فقال { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } . قرأ الجمهور { سيصلى } بفتح الياء ، وإسكان الصاد ، وتخفيف اللام ، أي سيصلى هو بنفسه ، وقرأ أبو رجاء ، وأبو حيوة ، وابن مقسم ، والأشهب العقيلي ، وأبو السماك ، والأعمش ، ومحمد بن السميفع بضم الياء ، وفتح الصاد ، وتشديد اللام ، ورويت هذه القراءة عن ابن كثير ، والمعنى سيصليه الله ، ومعنى { ذَاتَ لَهَبٍ } ذات اشتعال وتوقد ، وهي نار جهنم . { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } معطوف على الضمير في " يصلى " . وجاز ذلك للفصل . أي وتصلى امرأته ناراً ذات لهب . وهي أمّ جميل بنت حرب أخت أبي سفيان . وكانت تحمل الغضى والشوك ، فتطرحه بالليل على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم ، كذا قال ابن زيد ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، ومرّة الهمداني . وقال مجاهد ، وقتادة ، والسديّ إنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس . والعرب تقول فلان يحطب على فلان إذا نمّ به ، ومنه قول الشاعر @ إن بني الأدرم حمالوا الحطب هم الوشاة في الرضا والغضب عليهم اللعنة تترى والحرب @@ وقال آخر @ من البيض لم يصطد على ظهر لأمة ولم يمش بين الناس بالحطب الرطب @@ وجعل الحطب في هذا البيت رطباً لما فيه من التدخين الذي هو زيادة في الشرّ ، ومن الموافقة للمشي بالنميمة . وقال سعيد بن جبير معنى حمالة الحطب أنها حمالة الخطايا والذنوب ، من قولهم فلان يحتطب على ظهره ، كما في قوله { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } الأنعام 31 . وقيل المعنى حمالة الحطب في النار . قرأ الجمهور حمالة بالرفع على الخبرية على أنها جملة مسوقة للإخبار بأن امرأة أبي لهب حمالة الحطب ، وأما على ما قدّمنا من عطف ، { وامرأته } على الضمير في { تصلى } ، فيكون رفع حمالة على النعت لامرأته ، والإضافة حقيقية لأنها بمعنى المضيّ ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي حمالة . وقرأ عاصم بنصب { حمالة } على الذمّ ، أو على أنه حال من امرأته . وقرأ أبو قلابة حاملة الحطب . { فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } الجملة في محل نصب على الحال من { امرأته } . والجيد العنق ، والمسد الليف الذي تفتل منه الحبال ، ومنه قول النابغة @ مقذوفة بدخيس النحض بازلها له صريف صريف القعو بالمسد @@ وقول الآخر @ يا مسد الخوص تعوّذ مني إن كنت لدنا لينا فإني @@ وقال أبو عبيدة المسد هو الحبل يكون من صوف . وقال الحسن هي حبال تكون من شجر ينبت باليمن تسمى بالمسد . وقد تكون الحبال من جلود الإبل أو من أوبارها . قال الضحاك ، وغيره هذا في الدنيا ، كانت تعير النبيّ صلى الله عليه وسلم بالفقر ، وهي تحتطب في حبل تجعله في عنقها فخنقها الله به فأهلكها . وهو في الآخرة حبل من نار . وقال مجاهد ، وعروة بن الزبير هو سلسلة من نار تدخل في فيها وتخرج من أسفلها . وقال قتادة هو قلادة من ودع كانت لها . قال الحسن إنما كان خرزاً في عنقها . وقال سعيد بن المسيب كانت لها قلادة فاخرة من جوهر ، فقالت واللات والعزّى ، لأنفقنها في عداوة محمد ، فيكون ذلك عذاباً في جسدها يوم القيامة . والمسد الفتل يقال مسد حبله يمسده مسداً أجاد فتله . وقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن ابن عباس قال « لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأقْرَبِينَ } الشعراء 214 خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا ، فهتف " يا صباحاه " فاجتمعوا إليه ، فقال " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ ؟ " قالوا ما جربنا عليك كذباً ، قال " فإني نذير لكم بني يدي عذاب شديد " فقال أبو لهب تباً لك إنما جمعتنا لهذا ؟ ثم قام فنزلت هذه السورة { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ } » . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } . قال خسرت . وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ابنه من كسبه . ثم قرأت { مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } قالت وما كسب ولده . وأخرج عبد الرزاق ، والحاكم ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وَمَا كَسَبَ } قال كسبه ولده . وأخرج ابن جرير ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قال كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم ليعقره وأصحابه ، وقال { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } نقالة الحديث . { حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ } قال هي حبال تكون بمكة . ويقال المسد العصا التي تكون في البكرة . ويقال المسد قلادة من ودع . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت « لما نزلت { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ } أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة ، وفي يدها فهر ، وهي تقول @ مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا @@ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ، ومعه أبو بكر ، فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت ، وأنا أخاف أن تراك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنها لن تراني " وقرأ قرآناً اعتصم به ، كما قال تعالى { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا } الإسراء 45 فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني ، قال لا ، وربّ البيت ما هجاك فولت وهي تقول قد علمت قريش أني ابنة سيدها . وأخرجه البزار بمعناه ، وقال لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد .