Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 40-43)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ } " ما " زائدة وأصله وإن نرك { بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ } من العذاب كما وعدناهم بذلك بقولنا { لَّهُمْ عَذَابٌ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } وبقولنا { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ } والمراد أريناك بعض ما نعدهم قبل موتك ، أو توفيناك قبل إراءتك لذلك { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ } أي فليس عليك إلاّ تبليغ أحكام الرسالة ، ولا يلزمك حصول الإجابة منهم لما بلغته إليهم { وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } أي محاسبتهم بأعمالهم ومجازاتهم عليها ، وليس ذلك عليك . وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم وإخبار له أنه قد فعل ما أمره الله به ، وليس عليه غيره ، وأن من لم يجب دعوته ، ويصدّق نبوّته فالله سبحانه محاسبه على ما اجترم واجترأ عليه من ذلك . { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } يعني أهل مكة ، والاستفهام للإنكار ، أي أولم ينظروا { أَنَّا نَأْتِى ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } أي نأتي أرض الكفر كمكة ننقصها من أطرافها بالفتوح على المسلمين منها شيئاً فشيئاً . قال الزجاج أعلم الله أن بيان ما وعد المشركين من قهرهم قد ظهر ، يقول أولم يروا أنا فتحنا على المسلمين من الأرض ما قد تبين لهم ، فكيف لا يعتبرون ؟ وقيل إن معنى الآية موت العلماء والصلحاء . قال القشيري وعلى هذا فالأطراف الأشراف . وقد قال ابن الأعرابي الطرف الرجل الكريم . قال القرطبي وهذا القول بعيد لأن مقصود الآية أنا أريناهم النقصان في أمرهم ليعلموا أن تأخير العقاب عنهم ليس عن عجز إلاّ أن يحمل على موت أحبار اليهود والنصارى . وقيل المراد من الآية خراب الأرض المعمورة حتى يكون العمران في ناحية منها . وقيل المراد بالآية هلاك من هلك من الأمم . وقيل المراد نقص ثمرات الأرض . وقيل المراد جور ولاتها حتى تنقص . { وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ } أي يحكم ما يشاء في خلقه ، فيرفع هذا ويضع هذا ، ويحيـي وهذا ويميت هذا ، ويغني هذا ، ويفقر هذا ، وقد حكم بعزّة الإسلام وعلوّه على الأديان . وجملة { لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ } في محل نصب على الحال . وقيل معترضة . والمعقب الذي يكرّ على الشيء فيبطله ، وحقيقته الذي يقفيه بالردّ والإبطال . قال الفراء معناه لا رادّ لحكمه ، قال والمعقب الذي يتبع الشيء فيستدركه ، ولا يستدرك أحد عليه ، والمراد من الآية أنه لا يتعقب أحد حكم الله سبحانه بنقص ولا تغيير . { وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته على السرعة { وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعًا } أي قد مكر الكفار الذين من قبل كفار مكة بمن أرسله الله إليهم من الرسل فكادوهم وكفروا بهم ، وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم حيث أخبره أن هذا ديدن الكفار من قديم الزمان مع رسل الله سبحانه ، ثم أخبره بأن مكرهم هذا كالعدم ، وأن المكر كله لله ، فقال { فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعًا } لا اعتداد بمكر غيره ، ثم فسر سبحانه هذا المكر الثابت له دون غيره ، فقال { يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } من خير وشرّ فيجازيها على ذلك . ومن علم ما تكسب كل نفس وأعد لها جزاءها كان المكر كله له لأنه يأتيهم من حيث لا يشعرون . وقال الواحدي إن مكر الماكرين مخلوق فلا يضرّ إلاّ بإرادته . وقيل المعنى فللّه جزاء مكر الماكرين { وَسَيَعْلَمْ * ٱلْكَـٰفِرُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ } . قرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو " الكافر " بالإفراد ، وقرأ الباقون { الكفار } بالجمع ، أي سيعلم جنس الكافر لمن العاقبة المحمودة من الفريقين في دار الدنيا ، أو في الدار الآخرة ، أو فيهما . وقيل المراد بالكافر ، أبو جهل . { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً } أي يقول المشركون أو جميع الكفار لست يا محمد مرسلاً إلى الناس من الله ، فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم ، فقال { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } فهو يعلم صحة رسالتي ، وصدق دعواتي ، ويعلم كذبكم { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَـٰبِ } أي علم جنس الكتاب كالتوراة والإنجيل ، فإن أهلهما العالمين بهما يعلمون صحة رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أخبر بذلك من أسلم منهم كعبد الله بن سلام ، وسلمان الفارسي ، وتميم الداري ونحوهم ، وقد كان المشركون من العرب يسألون أهل الكتاب ويرجعون إليهم ، فأرشدهم الله سبحانه في هذه الآية إلى أن أهل الكتاب يعلمون ذلك . وقيل المراد بالكتاب القرآن ، ومن عنده علم منه هم المسلمون . وقيل المراد من عنده علم اللوح المحفوظ ، وهو الله سبحانه ، واختار هذا الزجاج وقال لأن الأشبه أن الله لا يستشهد على خلقه بغيره . وقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله " { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } قال " ذهاب العلماء " وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، ونعيم بن حماد في الفتن ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } قال موت علمائها وفقهائها وذهاب خيار أهلها . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير عن مجاهد في تفسير الآية قال موت العلماء . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال أولم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه من طريق أخرى عنه نحوه . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال يعني أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان ينتقص له ما حوله من الأرضين ينظرون إلى ذلك فلا يعتبرون . وقال الله في سورة الأنبياء { نَأْتِى ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } الأنبياء 44 . بل نبي الله وأصحابه هم الغالبون . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال نقصان أهلها وبركتها . وأخرج ابن المنذر عنه قال إنما ننقص الأنفس والثمرات وأما الأرض فلا تنقص . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال أولم يروا إلى القرية تخرب حتى يكون العمران في ناحية منها . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد { وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ } ليس أحد يتعقب حكمه فيردّه كما يتعقب أهل الدنيا بعضهم حكم بعض فيرده . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقف من اليمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل تجدني في الإنجيل ؟ قال لا ، فأنزل الله { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَـٰبِ } " يقول عبد الله بن سلام . وأخرج ابن مردويه من طريق عبد الملك بن عمير عن جندب قال جاء عبد الله بن سلام حتى أخذ بعضاضتي باب المسجد ، ثم قال أنشدكم بالله أتعلمون أني الذي أنزلت فيّ { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَـٰبِ } ؟ قالوا اللهم نعم . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه من طريق أخرى عنه نحوه . وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَـٰبِ } قال هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم في الآية قال كان قوم من أهل الكتاب يشهدون بالحق ويعرفونه ، منهم عبد الله بن سلام ، والجارود ، وتميم الداري ، وسلمان الفارسي . وأخرج أبو يعلى ، وابن جرير ، وابن مردويه ، وابن عديّ بسندٍ ضعيف عن ابن عمر ، أن النبيّ قرأ { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَـٰبِ } قال " ومن عند الله علم الكتاب " . وأخرج أبو عبيد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَـٰبِ } يقول ومن عند الله علم الكتاب . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس في ناسخه عن سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَـٰبِ } أهو عبد الله بن سلام ؟ قال كيف ؟ وهذه السورة مكية … وأخرج ابن المنذر عن الشعبي قال ما نزل في عبد الله بن سلام شيء من القرآن . وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَـٰبِ } قال جبريل . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال هو الله .