Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 14-15)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَقُواْ } أصله لقيوا ، نقلت الضمة إلى القاف ، وحذفت الياء ، لالتقاء الساكنين . ومعنى لقيته ولاقيته استقبلته قريباً . وقرأ محمد بن السميفع اليماني ، وأبو حنيفة " لاقوا " ، وأصله لاقيوا تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا ، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين . وخلوت بفلان وإليه إذا انفردت به . وإنما عدي بإلى ، وهو يتعدى بالباء فيقال خلوت به لا خلوت إليه لتضمنه معنى ذهبوا وانصرفوا . والشياطين جمع شيطان على التكسير . وقد اختلف كلام سيبويه في نون الشيطان ، فجعلها في موضع من كتابه أصلية ، وفي آخر زائدة ، فعلى الأوّل هو من شطن ، أي بعد عن الحق ، وعلى الثاني من شطّ ، أي بعد أو شاط أي بطل ، وشاط ، أي احترق ، وأشاط إذا هلك قال الشاعر @ وقد يَشِيطُ علىَ أرمَاحِنا البَطَلُ @@ أي يهلك . وقال آخر @ وأبْيَضِ ذي تاجٍ أشَاطَت رِمَاحنُا لمَعْتَركٍ بين الفوَارِس أقتمَا @@ أي أهلكت . وحكي سيبويه أن العرب تقول تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشياطين . ولو كان من شاط لقالوا تشيط ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت @ أيما شاطن عصاه عكا ه ورماه في السجن والأغلال @@ وقوله { إِنَّا مَعَكُمْ } معناه مصاحبوكم في دينكم ، وموافقوكم عليه . والهزؤ السخرية واللعب . قال الراجز @ قد هَزِئَتْ مني أُم طيْسلَه قَالَت أرَاهُ مُعْدمَاً لا مَال لَهُ @@ قال في الكشاف وأصل الباب الخفة ، من الهزء ، وهو القتل السريع ، وهزأ يهزأ مات على المكان . عن بعض العرب مشيت فلغبت فظننت لأهزأنّ على مكاني . وناقته تهزأ به ، أي تسرع وتخفّ . انتهى . وقيل أصله الانتقام . قال الشاعر @ قد استهزءوا منهم بألفي مدجج سراتهم وسط الصحاصح جثم @@ فأفاد قولهم { إِنَّا مَعَكُمْ } أنهم ثابتون على الكفر ، وأفاد قولهم { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ } ردّهم للإسلام ورفعهم للحق ، وكأنه جواب سؤال مقدّر ناشىء من قولهم { إنا معكم } أي إذا كنتم معنا فما بالكم إذا لقيتم المسلمين وافقتموهم ؟ فقالوا إنما نحن مستهزءون بهم في تلك الموافقة ، ولم تكن بواطننا موافقة لهم ولا مائلة إليهم ، فردّ الله ذلك عليهم بقوله { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىء بِهِمْ } أي ينزل بهم الهوان والحقارة وينتقم منهم ويستخفّ بهم انتصافاً منهم لعباده المؤمنين ، وإنما جعل سبحانه ما وقع منه استهزاء مع كونه عقوبة ومكافأة مشاكلة . وقد كانت العرب إذا وضعت لفظاً بإزاء لفظ جواباً له وجزاء ذكرته بمثل ذلك اللفظ وإن كان مخالفاً له في معناه . وورد ذلك في القرآن كثيراً ، ومنه { وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } الشورى 40 { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } البقرة 194 والجزاء لا يكون سيئة . والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق ، ومنه { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ } آل عمران 54 و { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً } الطارق 15 ــ 16 { يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءامَنُوا } البقرة 9 { يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } النساء 142 { تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ } المائدة 116 . وهو في السنة كثير كقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يملّ حتى تملوا " وإنما قال { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىء بِهِمْ } لأنه يفيد التجدّد وقتاً بعد وقت ، وهو أشدّ عليهم وأنكأ لقلوبهم ، وأوجع لهم من الاستهزاء الدائم الثابت ، المستفاد من الجملة الإسمية ، لما هو محسوس من أن العقوبة الحادثة وقتاً بعد وقت ، والمتجددة حيناً بعد حين ، أشدّ على من وقعت عليه من العذاب الدائم المستمرّ لأنه يألفه ، ويوطن نفسه عليه . والمدّ الزيادة . قال يونس بن حبيب يقال مدّ في الشر ، وأمدّ في الخير ، ومنه { وَأَمْدَدْنَـٰكُم بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ } الإسراء 6 { وَأَمْدَدْنَـٰهُم بِفَـٰكِهَةٍ وَلَحْمٍ } الطور 22 . وقال الأخفش مددت له إذا تركته ، وأمددته إذا أعطيته . وقال الفراء واللحياني مددت فيما كانت زيادته من مثله ، يقال مدّ النهر ، ومنه { وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } لقمان 27 وأمددت فيما كانت زيادته من غيره ، ومنه { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءالافٍ مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ } آل عمران 125 والطغيان مجاوزة الحدّ ، والغلوّ في الكفر ، ومنه { إِنَّا لَمَّا طَغَىٰ ٱلْمَاء } الحاقة 11 أي تجاوز المقدار الذي قدّرته الخُزَّان . وقوله في فرعون { إِنَّهُ طَغَىٰ } طه 24 ، 43 أي أسرف في الدعوى حيث قال { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأعْلَىٰ } النازعات 24 . والعمه والعامه الحائر المتردد ، وذهبت إبله لعمهى إذا لم يدر أين ذهبت ، والعمه في القلب كالعمى في العين . قال في الكشاف العمه مثل العمى ، إلا أن العمى في البصر والرأي ، والعمه في الرأي خاصة انتهى . والمراد أن الله سبحانه يطيل لهم المدّة ويمهلهم كما قال { إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً } آل عمران 178 . قال ابن جرير { فِي طُغْيَـٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ } في ضلالهم وكفرهم الذي قد غمرهم يترددون حيارى ضلالاً يجدون إلى المخرج منه سبيلاً ، لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها ، وأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها ، فلا يبصرون رشداً ولا يهتدون سبيلاً . وقد أخرج الواحدي والثعلبي بسند واه ، لأن فيه محمد بن مروان وهو متروك ، عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ وأصحابه ، وذكر قصة وقعت لهم مع أبي بكر وعمر وعليّ رضي الله عنهم . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال كان رجال من اليهود إذا لقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو بعضهم قالوا إنا على دينكم { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَـٰطِينِهِمْ } وهم إخوانهم قالوا { إِنَّا مَعَكُمْ } على مثل ما أنتم عليه { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ } بأصحاب محمد { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىء بِهِمْ } قال يسخر بهم للنقمة منهم { وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَـٰنِهِمْ } قال في كفرهم { يَعْمَهُونَ } قال يتردّدون . وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عنه بمعناه وأطول منه . وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه بنحو الأوّل . وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود في قوله { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَـٰطِينِهِمْ } قال رؤسائهم في الكفر . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مالك قال { وَإِذَا خَلَوْاْ } أي مضوا . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحو ما قاله ابن مسعود ، وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { وَيَمُدُّهُمْ } قال يملي لهم { فِي طُغْيَـٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ } قال في كفرهم يتمادون . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحو ما قاله ابن مسعود في تفسير يعمهون . وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { يمدهم } يزيدهم { فِي طُغْيَـٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ } قال يلعبون ويتردّدون في الضلالة . وأخرج أحمد في المسند عن أبي ذرّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعوذ بالله من شياطين الإنس والجنّ " فقلت يا رسول الله وللإنس شياطين ؟ قال " نعم " .