Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 30-35)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
محل { ذٰلِكَ } الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي الأمر ذلك ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أو في محل نصب بفعل محذوف ، أي افعلوا ذلك . والمشار إليه هو ما سبق من أعمال الحجّ ، وهذا وأمثاله يطلق للفصل بين الكلامين أو بين طرفي كلام واحد ، والحرمات جمع حرمة . قال الزجاج الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه ، وهي في هذه الآية ما نهي عنها ، ومنع من الوقوع فيها . والظاهر من الآية عموم كل حرمة في الحج وغيره كما يفيده اللفظ وإن كان السبب خاصاً ، وتعظيمها ترك ملابستها { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } أي فالتعظيم خير له { عِندَ رَبّهِ } يعني في الآخرة من التهاون بشيء منها . وقيل إن صيغة التفضيل هنا لا يراد بها معناها الحقيقي ، بل المراد أن ذلك التعظيم خير ينتفع به ، فهي عدة بخير { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَـٰمُ } وهي الإبل والبقر والغنم { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي في الكتاب العزيز من المحرّمات ، وهي الميتة وما ذكر معها في سورة المائدة . وقيل في قوله { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلّى ٱلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } المائدة 1 . { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ } الرجس القذر ، والوثن التمثال ، وأصله من وثن الشيء ، أي أقام في مقامه ، وسمي الصليب وثناً ، لأنه ينصب ويركز في مقامه ، فلا يبرح عنه . والمراد اجتناب عبادة الأوثان ، وسماها رجساً لأنها سبب الرجس وهو العذاب . وقيل جعلها سبحانه رجساً حكماً ، والرجس النجس ، وليست النجاسة وصفاً ذاتياً لها ولكنها وصف شرعي ، فلا تزول إلا بالإيمان كما أنها لا تزول النجاسة الحسية إلا بالماء . قال الزجاج " من " هنا لتخليص جنس من أجناس ، أي فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } الذي هو الباطل ، وسمي زوراً لأنه مائل عن الحق ، ومنه قوله تعالى { تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ } الكهف 17 . وقولهم مدينة زوراء ، أي مائلة ، والمراد هنا قول الزور على العموم ، وأعظمه الشرك بالله بأيّ لفظ كان . وقال الزجاج المراد بقول الزور ها هنا تحليلهم بعض الأنعام وتحريمهم بعضها ، وقولهم { هَـٰذَا حَلَـٰلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } النحل 116 . وقيل المراد به شهادة الزور . وانتصاب { حُنَفَاء } على الحال ، أي مستقيمين على الحق ، أو مائلين إلى الحق . ولفظ حنفاء من الأضداد يقع على الاستقامة ، ويقع على الميل . وقيل معناه حجاجاً ، ولا وجه لهذا . { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } هو حال كالأوّل ، أي غير مشركين به شيئاً من الأشياء كما يفيده الحذف من العموم ، وجملة { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَاء } مبتدأة مؤكدة لما قبلها من الأمر بالاجتناب . ومعنى خرّ من السماء سقط إلى الأرض ، أي انحط من رفيع الإيمان إلى حضيض الكفر { فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ } ، يقال خطفه إذا سلبه ، ومنه قوله { يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ } البقرة 20 . أي تخطف لحمه وتقطعه بمخالبها . قرأ أبو جعفر ونافع بتشديد الطاء وفتح الخاء ، وقرىء بكسر الخاء والطاء وبكسر التاء مع كسرهما { أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرّيحُ } أي تقذفه وترمي به { فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } أي بعيد ، يقال سحق يسحق سحقاً فهو سحيق إذا بعد قال الزجاج أعلم الله أن بعد من أشرك به من الحقّ ، كبعد ما خرّ من السماء ، فتذهب به الطير أو هوت به الريح في مكان بعيد . { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ } الكلام في هذه الإشارة قد تقدّم قريباً ، والشعائر جمع الشعيرة ، وهي كل شيء فيه لله تعالى شعار ، ومنه شعار القوم في الحرب ، وهو علامتهم التي يتعارفون بها ، ومنه إشعار البدن ، وهو الطعن في جانبها الأيمن ، فشعائر الله أعلام دينه ، وتدخل الهدايا في الحجّ دخولاً أوّلياً ، والضمير في قوله { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } راجع إلى الشعائر بتقدير مضاف محذوف ، أي فإن تعظيمها من تقوى القلوب أي من أفعال القلوب التي هي من التقوى ، فإن هذا التعظيم ناشىء من التقوى . { لَكُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ } أي في الشعائر على العموم ، أو على الخصوص ، وهي البدن كما يدلّ عليه السياق . ومن منافعها الركوب والدرّ والنسل والصوف وغير ذلك { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } وهو وقت نحرها { ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } أي حيث يحلّ نحرها ، والمعنى أنها تنتهي إلى البيت وما يليه من الحرم ، فمنافعهم الدنيوية المستفادة منها مستمرّة إلى وقت نحرها ، ثم تكون منافعها بعد ذلك دينية . وقيل إن محلها ها هنا مأخوذ من إحلال الحرام ، والمعنى أن شعائر الحجّ كلها من الوقوف بعرفة ورمي الجمار والسعي تنتهي إلى طواف الإفاضة بالبيت ، فالبيت على هذا مراد بنفسه . { وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا } المنسك ها هنا المصدر من نسك ينسك إذا ذبح القربان ، والذبيحة نسيكة ، وجمعها نسك . وقال الأزهري إن المراد بالمنسك في الآية موضع النحر ، ويقال منسك بكسر السين وفتحها لغتان ، قرأ بالكسر الكوفيون إلا عاصماً وقرأ الباقون بالفتح . وقال الفرّاء المنسك في كلام العرب الموضع المعتاد في خير أو شرّ ، وقال ابن عرفة { وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا } أي مذهباً من طاعة الله . وروي عن الفراء أن المنسك العيد . وقيل الحجّ ، والأوّل أولى لقوله { لّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } إلى آخره ، والأمة الجماعة المجتمعة على مذهب واحد ، والمعنى وجعلنا لكل أهل دين من الأديان ذبحاً يذبحونه ، ودما يريقونه ، أو متعبداً أو طاعة أو عيداً أو حجاً يحجونه ، ليذكروا اسم الله وحده ، ويجعلوا نسكهم خاصاً به { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } أي على ذبح ما رزقهم منها . وفيه إشارة إلى أن القربان لا يكون إلا من الأنعام دون غيرها ، وفي الآية دليل على أن المقصود من الذبح المذكور هو ذكر اسم الله عليه . ثم أخبرهم سبحانه بتفرّده بالإلٰهية وأنه لا شريك له ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، ثم أمرهم بالإسلام له ، والانقياد لطاعته وعبادته ، وتقديم الجار والمجرور على الفعل للقصر ، والفاء هنا كالفاء التي قبلها ، ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبشر { ٱلْمُخْبِتِينَ } من عباده ، أي المتواضعين الخاشعين المخلصين ، وهو مأخوذ من الخبت ، وهو المنخفض من الأرض ، والمعنى بشرهم يا محمد بما أعدّ الله لهم من جزيل ثوابه وجليل عطائه . وقيل إن المخبتين هم الذين لا يظلمون غيرهم ، وإذا ظلمهم غيرهم لم ينتصروا . ثم وصف سبحانه هؤلاء المخبتين بقوله { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } أي خافت وحذرت مخالفته ، وحصول الوجل منهم عند الذكر له سبحانه دليل على كمال يقينهم وقوّة إيمانهم ، ووصفهم بالصبر { عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ } من البلايا والمحن في طاعة الله ثم وصفهم بإقامة { ٱلصَّلَوٰةِ } أي الإتيان بها في أوقاتها على وجه الكمال . قرأ الجمهور { والمقيمي الصلاة } بالجرّ على ما هو الظاهر ، وقرأ أبو عَمْرو بالنصب على توهم بقاء النون ، وأنشد سيبويه على ذلك قول الشاعر @ الحافظو عورة العشيرة @@ البيت بنصب عورة ، وقيل لم يقرأ بهذه القراءة أبو عمرو ، وقرأ ابن محيصن " والمقيمين " بإثبات النون على الأصل ، ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود ، ثم وصفهم سبحانه بقوله { وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ } أي يتصدّقون به وينفقونه في وجوه البرّ ، ويضعونه في مواضع الخير ، ومثل هذه الآية قوله سبحانه { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } الأنفال 2 . وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { حُرُمَـٰتِ ٱللَّهِ } قال الحرمة مكة والحجّ والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلها . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ } يقول اجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } يعني الافتراء على الله والتكذيب به . وأخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أيمن بن خريم قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال " يا أيها الناس ، عدلت شهادة الزور شركاً بالله " " ثلاثاً ، ثم قرأ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ ، قال أحمد غريب ، إنما نعرفه من حديث سفيان بن زياد . وقد اختلف عنه في رواية هذا الحديث ، ولا نعرف لأيمن بن خريم سماعاً من النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقد أخرجه أحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب من حديث خريم . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر " ثلاثاً ، قلنا بلى يا رسول الله ، قال " الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين " ، وكان متكئاً ، فجلس فقال " ألا وقول الزور ، ألا وشهادة الزور " ، فما زال يكرّرها حتى قلنا ليته سكت . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { حُنَفَاء للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } قال حجاجاً لله غير مشركين به ، وذلك أن الجاهلية كانوا يحجون مشركين ، فلما أظهر الله الإسلام ، قال الله للمسلمين حجوا الآن غير مشركين بالله . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر الصدّيق نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ } قال البدن . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ } قال الاستسمان والاستحسان والاستعظام ، وفي قوله { لَكُمْ فِيهَا مَنَـٰفِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } قال إلى أن تسمى بدناً . وأخرج هؤلاء عن مجاهد نحوه ، وفيه قال ولكم فيها منافع إلى أجل مسمى ، في ظهورها وألبانها وأوبارها وأشعارها وأصوافها إلى أن تسمى هدياً ، فإذا سميت هدياً ذهبت المنافع { ثُمَّ مَحِلُّهَا } يقول حين تسمى { إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال إذا دخلت الحرم فقد بلغت محلها . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا } قال عيداً . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال إهراق الدماء . وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال ذبحاً . وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال مكة لم يجعل الله لأمة قط منسكاً غيرها . وقد وردت أحاديث في الأضحية ليس هذا موضع ذكرها . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وَبَشّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } قال المطمئنين . وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا في ذم الغضب ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في شعب الإيمان عن عمرو بن أوس قال المخبتون في الآية الذين لا يظلمون الناس ، وإذا ظلموا لم ينتصروا .