Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 42-51)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَإِن يُكَذّبُوكَ } إلخ هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزية له متضمنة للوعد له بإهلاك المكذبين له كما أهلك سبحانه المكذبين لمن كان قبله . وفيه إرشاد له صلى الله عليه وسلم إلى الصبر على قومه والاقتداء بمن قبله من الأنبياء في ذلك ، وقد تقدّم ذكر هذه الأمم وما كان منهم ومن أنبيائهم وكيف كانت عاقبتهم . وإنما غير النظم في قوله { وَكُذّبَ مُوسَىٰ } فجاء بالفعل مبنياً للمفعول لأن قوم موسى لم يكذبوه وإنما كذّبه غيرهم من القبط { فَأمْلَيْتُ لِلْكَـٰفِرِينَ } أي أخرت عنهم العقوبة وأمهلتهم والفاء لترتيب الإمهال على التكذيب { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } أي أخذت كلّ فريق من المكذبين بالعذاب بعد انقضاء مدّة الإمهال { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } هذا الاستفهام للتقرير ، أي فانظر كيف كان إنكاري عليهم وتغيير ما كانوا فيه من النعم وإهلاكهم ، والنكير اسم من الإنكار . قال الزجاج أي ثم أخذتهم فأنكرت أبلغ إنكار . قال الجوهري النكير والإنكار تغيير المنكر . ثم ذكر سبحانه كيف عذّب أهل القرى المكذبة فقال { وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا } أي أهلكنا أهلها ، وقد تقدّم الكلام على هذا التركيب في آل عمران ، وقرىء " أهلكتها " ، وجملة { وَهِيَ ظَـٰلِمَةٌ } حالية ، وجملة { فَهِيَ خَاوِيَةٌ } عطف على { أهلكناها } ، لا على { ظالمة } لأنها حالية ، والعذاب ليس في حال الظلم ، والمراد بنسبة الظلم إليها نسبته إلى أهلها . والخواء بمعنى السقوط فهي ساقطة { عَلَىٰ عُرُوشِهَا } أي على سقوفها ، وذلك بسبب تعطل سكانها حتى تهدّمت فسقطت حيطانها فوق سقوفها ، وقد تقدّم تفسير هذه الآية في البقرة { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ } معطوف على قرية ، والمعنى وكم من أهل قرية ، ومن أهل بئر معطلة ، هكذا قال الزجاج . وقال الفراء إنه معطوف على عروشها . والمراد بالمعطلة المتروكة ، وقيل الخالية عن أهلها لهلاكهم . وقيل الغائرة . وقيل معطلة من الدلاء والأرشية ، والقصر المشيد هو المرفوع البنيان ، كذا قال قتادة والضحاك ، ويدلّ عليه قول عديّ بن زيد @ شاده مرمرا وجلله كِلْـ ساً فللطير في ذراه وكور @@ شاده أي رفعه . وقال سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومجاهد المراد بالمشيد المجصص ، مأخوذ من الشيد ، وهو الجص ، ومنه قول الراجز @ لا تحسبني وإن كنت أمرأ غمرا كحية الماء بين الطين والشيد @@ وقيل المشيد الحصين قاله الكلبيّ . قال الجوهري المشيد المعمول بالشيد ، والشيد بالكسر كلّ شيء طليت به الحائط من جصّ أو بلاط ، وبالفتح المصدر ، تقول شاده يشيده جصصه ، والمشيد بالتشديد المطوّل . قال الكسائي المشِيد للواحد من قوله تعالى { وقصر مشيد } والمُشيِّد للجمع ، من قوله تعالى { فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } النساء 78 والمعنى المعنيّ وكم من قصر مشيد معطل مثل البئر المعطلة ؟ ومعنى التعطيل في القصر هو أنه معطل من أهله ، أو من آلاته ، أو نحو ذلك . قال القرطبي في تفسيره ويقال إن هذه البئر والقصر بحضر موت معروفان ، فالقصر مشرف على قلة جبل لا يرتقى إليه بحال ، والبئر في سفحه لا تقرّ الريح شيئاً سقط فيها إلا أخرجته ، وأصحاب القصر ملوك الحضر ، وأصحاب البئر ملوك البدو . حكى الثعلبيّ وغيره أن البئر كان بعدن من اليمن في بلد يقال لها حضوراء ، نزل بها أربعة آلاف ممن آمن بصالح ونجوا من العذاب ومعهم صالح فمات صالح ، فسمي المكان حضر موت لأن صالحاً لما حضره مات فبنوا حضوراء وقعدوا على هذه البئر وأمروا عليهم رجلاً ، ثم ذكر قصة طويلة ، وقال بعد ذلك وأما القصر المشيد فقصر بناه شدّاد بن عاد بن إرم ، لم يبن في الأرض مثله فيما ذكروا وزعموا ، وحاله أيضاً كحال هذه البئر المذكورة في إيحاشه بعد الأنس ، وإقفاره بعد العمران ، وإن أحداً لا يستطيع أن يدنو منه على أميال ، لما يسمع فيه من عزيف الجنّ والأصوات المنكرة بعد النعيم والعيش الرغد وبهاء الملك ، وانتظام الأهل كالسلك فبادوا وما عادوا ، فذكرهم الله سبحانه في هذه الآية موعظة وعبرة . قال وقيل إنهم الذين أهلكهم بختنصر على ما تقدّم في سورة الأنبياء في قوله { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ } الأنبياء 11 . فتعطلت بئرهم وخربت قصورهم . انتهى . ثم أنكر سبحانه على أهل مكة عدم اعتبارهم بهذه الآثار قائلاً { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } حثاً لهم على السفر ليروا مصارع تلك الأمم فيعتبروا ، ويحتمل أن يكونوا قد سافروا ولم يعتبروا ، فلهذا أنكر عليهم ، كما في قوله { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } الصافات 137 ، 138 . ومعنى { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } أنهم بسبب ما شاهدوا من العبر تكون لهم قلوب يعقلون بها ما يجب أن يتعقلوه وأسند التعقل إلى القلوب لأنها محل العقل . كما أن الآذان محل السمع . وقيل إن العقل محله الدماغ ولا مانع من ذلك ، فإن القلب هو الذي يبعث على إدراك العقل وإن كان محله خارجاً عنه . وقد اختلف علماء المعقول في محل العقل وماهيته اختلافاً كثيراً لا حاجة إلى التطويل بذكره { أو آذان يسمعون بها } أي ما يجب أن يسمعوه مما تلاه عليهم أنبياؤهم من كلام الله ، وما نقله أهل الأخبار إليهم من أخبار الأمم المهلكة { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَـٰرُ } قال الفراء الهاء عماد يجوز أن يقال فإنه ، وهي قراءة عبد الله بن مسعود ، والمعنى واحد ، التذكير على الخبر ، والتأنيث على الأبصار أو القصة ، أي فإن الأبصار لا تعمى ، أو فإن القصة { لا تعمي الأبصار } أي أبصار العيون { وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ التي فِي ٱلصُّدُورِ } أي ليس الخلل في مشاعرهم ، وإنما هو في عقولهم أي لا تدرك عقولهم مواطن الحق ومواضع الاعتبار . قال الفراء والزجاج إن قوله { التي في الصدور } من التوكيد الذي تزيده العرب في الكلام كقوله { عشرة كاملة } البقرة 196 ، { يقولون بأفواههم } المائدة 41 ، { يطير بجناحيه } الأنعام 38 . ثم حكى سبحانه عن هؤلاء ما كانوا عليه من التكذيب والاستهزاء فقال { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } لأنهم كانوا منكرين لمجيئه أشدّ إنكار ، فاستعجالهم له ، هو على طريقة الاستهزاء والسخرية ، وكأنهم كانوا يقولون ذلك عند سماعهم لما تقوله الأنبياء عن الله سبحانه من الوعد منه عزّ وجلّ بوقوعه عليهم وحلوله بهم ، ولهذا قال { وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } قال الفراء في هذه الآية وعيد لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة . وذكر الزجاج وجهاً آخر فقال أعلم أن الله لا يفوته شيء ، وإن يوماً عنده وألف سنة في قدرته واحد ، ولا فرق بين وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره في القدرة ، إلا أن الله تفضل بالإمهال انتهى . ومحل جملة { ولن يخلف الله وعده } النصب على الحال ، أي والحال أنه لا يخلف وعده أبداً ، وقد سبق الوعد فلا بدّ من مجيئه حتماً ، أو هي اعتراضية مبينة لما قبلها ، وعلى الأوّل تكون جملة { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ } مستأنفة ، وعلى الثاني تكون معطوفة على الجملة التي قبلها مسوقة لبيان حالهم في الاستعجال ، وخطابهم في ذلك ببيان كمال حلمه ، لكون المدة القصيرة عنده كالمدة الطويلة عندهم كما في قوله { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً } المعارج 6 ، 7 . قال الفرّاء هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم في الآخرة أي يوم من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة . وقيل المعنى وإن يوماً من الخوف والشدّة في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا فيها خوف وشدة ، وكذلك يوم النعيم قياساً . قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي " مما يعدون " بالتحتية ، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ } وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب ، واختارها أبو حاتم . { وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَـٰلِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِليَّ ٱلْمَصِيرُ } هذا إعلام منه سبحانه أنه أخذ قوماً بعد الإملاء والتأخير . قيل وتكرير هذا مع ذكره قبله للتأكيد ، وليس بتكرار في الحقيقة لأن الأوّل سيق لبيان الإهلاك مناسباً لقوله { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } ولهذا عطف بالفاء بدلاً عن ذلك والثاني سيق لبيان الإملاء مناسباً لقوله { وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ } فكأنه قيل وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أمهلتهم حيناً ، ثم أخذتهم بالعذاب ، ومرجع الكل إلى حكمي . فجملة { وإليّ المصير } تذييل لتقرير ما قبلها . ثم أمره الله سبحانه أن يخبر الناس بأنه نذير لهم بين يدي الساعة مبين لهم ما نزل إليهم ، فمن آمن وعمل صالحاً فاز بالمغفرة والرزق الكريم وهو الجنة ، ومن كان على خلاف ذلك فهو في النار ، وهم { الذين سعوا في آيات الله معاجزين } يقال عاجزه سابقه ، لأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر ، فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزه ، قاله الأخفش . وقيل معنى { معاجزين } ظانين ومقدّرين أن يعجزوا الله سبحانه ويفوتوه فلا يعذبهم ، قاله الزجاج وقيل معاندين ، قاله الفرّاء . وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن قتادة في قوله { فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } قال خربة ليس فيها أحد { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ } عطلها أهلها وتركوها { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } قال شيدوه وحصنوه فهلكوا وتركوه . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ } قال التي تركت لا أهل لها . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } قال هو المجصص . وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد عن عطاء نحوه أيضاً . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ } قال من الأيام الستة التي خلق الله فيها السمٰوات والأرض . وأخرج ابن المنذر عن عكرمة ، قال في الآية هو يوم القيامة . وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة ، فقد مضى منها ستة آلاف . وأخرج ابن عدّي والديلمي عن أنس مرفوعاً نحوه . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { مُعَـٰجِزِينَ } قال مراغمين . وأخرج ابن جرير عنه أنه قال مشاقين .