Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 62-64)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جملة { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } مستأنفة مسوقة لتقدير ما تقدّمها من الأحكام ، و { إِنَّمَا } من صيغ الحصر . والمعنى لا يتم إيمان ولا يكمل حتى يكون { بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، وجملة { وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ } معطوفة على آمنوا داخلة معه في حيز الصلة أي إذا كانوا مع رسول الله على أمر جامع ، أي على أمر طاعة يجتمعون عليها ، نحو الجمعة والنحر والفطر والجهاد وأشباه ذلك ، وسمي الأمر جامعاً مبالغة { لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ } قال المفسرون كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة ، وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر ، لم يخرج حتى يقوم بحيال النبيّ صلى الله عليه وسلم حيث يراه ، فيعرف أنه إنما قام ليستأذن ، فيأذن لمن يشاء منهم . قال مجاهد وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده . قال الزجاج أعلم الله أن المؤمنين إذا كانوا مع نبيه فيما يحتاج فيه إلى الجماعة لم يذهبوا حتى يستأذنوه ، وكذلك ينبغي أن يكونوا مع الإمام لا يخالفونه ، ولا يرجعون عنه في جمع من جموعهم إلاّ بإذنه ، وللإمام أن يأذن ، وله أن لا يأذن على ما يرى لقوله تعالى { فَأْذَن لّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } ، وقرأ اليماني " على أمر جميع " . والحاصل أن الأمر الجامع ، أو الجميع هو الذي يعمّ نفعه ، أو ضرره ، وهو الأمر الجليل الذي يحتاج إلى اجتماع أهل الرأي ، والتجارب . قال العلماء كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه ، ولا يرجعون عنه إلاّ بإذنه . ثم قال سبحانه { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكََ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } فبيّن سبحانه أن المستأذنين هم المؤمنون بالله ورسوله كما حكم أوّلاً بأن المؤمنين الكاملين الإيمان هم الجامعون بين الإيمان بهما وبين الاستئذان { فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ } أي إذا استأذن المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض الأمور التي تهمهم ، فإنه يأذن لمن شاء منهم ، ويمنع من شاء على حسب ما تقتضيه المصلحة التي يراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أرشده الله سبحانه إلى الاستغفار لهم ، وفيه إشارة إلى أن الاستئذان إن كان لعذر مسوّغ ، فلا يخلو عن شائبة تأثير أمر الدنيا على الآخرة { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي كثير المغفرة والرحمة بالغ فيهما إلى الغاية التي ليس وراءها غاية . { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً } وهذه الجملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها أي لا تجعلوا دعوته إياكم كالدعاء من بعضكم لبعض في التساهل في بعض الأحوال عن الإجابة ، أو الرجوع بغير استئذان ، أو رفع الصوت . وقال سعيد بن جبير ومجاهد المعنى قولوا يا رسول الله في رفق ولين ، ولا تقولوا يا محمد بتجهم . وقال قتادة أمرهم أن يشرّفوه ، ويفخموه . وقيل المعنى لا تتعرّضوا لدعاء الرسول عليكم بإسخاطه ، فإن دعوته موجبة { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } التسلل الخروج في خفية ، يقال تسلل فلان من بين أصحابه إذا خرج من بينهم ، واللواذ من الملاوذة ، وهو أن تستتر بشيء مخافة من يراك ، وأصله أن يلوذ هذا بذاك ، وذاك بهذا ، واللوذ ما يطيف بالجبل ، وقيل اللواذ الزوغان من شيء إلى شيء في خفية . وانتصاب لواذاً على الحال أي متلاوذين يلوذ بعضهم ببعض ، وينضمّ إليه ، وقيل هو منتصب على المصدرية لفعل مضمر هو الحال في الحقيقة أي يلوذون لواذاً . وقرأ زيد بن قطيب " لواذاً " بفتح اللام . وفي الآية بيان ما كان يقع من المنافقين ، فإنهم كانوا يتسللون عن صلاة الجمعة متلاوذين ينضم بعضهم إلى بعض استتاراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان يوم الجمعة أثقل يوم على المنافقين لما يرون من الاجتماع للصلاة ، والخطبة ، فكانوا يفرّون عن الحضور ، ويتسللون في خفية ، ويستتر بعضهم ببعض ، وينضم إليه . وقيل اللواذ الفرار من الجهاد ، وبه قال الحسن ، ومنه قول حسان @ وقريش تلوذ منكم لواذا لم تحافظ وخفّ منها الحلوم @@ { فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها أي يخالفون أمر النبي صلى الله عليه وسلم بترك العمل بمقتضاه ، وعديّ فعل المخالفة بعن مع كونه متعدّياً بنفسه لتضمينه معنى الإعراض ، أو الصدّ ، وقيل الضمير لله سبحانه لأنه الآمر بالحقيقة ، و { أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } مفعول يحذر ، وفاعله الموصول . والمعنى فليحذر المخالفون عن أمر الله ، أو أمر رسوله ، أو أمرهما جميعاً إصابة فتنة لهم { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي في الآخرة كما أن الفتنة التي حذرهم من إصابتها لهم هي في الدنيا ، وكلمة « أو » لمنع الخلوّ . قال القرطبي احتجّ الفقهاء على أن الأمر للوجوب بهذه الآية ، ووجه ذلك أن الله سبحانه قد حذر من مخالفة أمره ، وتوعد بالعقاب عليها بقوله { أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } الآية ، فيجب امتثال أمره ، وتحرم مخالفته ، والفتنة هنا غير مقيدة بنوع من أنواع الفتن ، وقيل هي القتل ، وقيل الزلازل ، وقيل تسلط سلطان جائر عليهم ، وقيل الطبع على قلوبهم . قال أبو عبيدة ، والأخفش « عن » في هذا الموضع زائدة . وقال الخليل ، وسيبويه ليست بزائدة ، بل هي بمعنى بعد ، كقوله { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ } الكهف 50 أي بعد أمر ربه ، والأولى ما ذكرناه من التضمين . { أَلا إِنَّ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } من المخلوقات بأسرها ، فهي ملكه { قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ } أيها العباد من الأحوال التي أنتم عليها ، فيجازيكم بحسب ذلك ، ويعلم ها هنا بمعنى علم { وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ } معطوف على ما أنتم عليه أي يعلم ما أنتم عليه ، ويعلم يوم يرجعون إليه ، فيجازيكم فيه بما عملتم ، وتعليق علمه سبحانه بيوم يرجعون لا بنفس رجعهم لزيادة تحقيق علمه ، لأن العمل بوقت وقوع الشيء يستلزم العلم بوقوعه على أبلغ وجه { فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ } أي يخبرهم بما عملوا من الأعمال التي من جملتها مخالفة الأمر ، والظاهر من السياق أن هذا الوعيد للمنافقين { وَٱللَّهُ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } لا يخفى عليه شيء من أعمالهم . وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل ، عن عروة ، ومحمد بن كعب القرظي قالا لما أقبلت قريش عام الأحزاب نزلوا بمجمع الأسيال من رومة بئر بالمدينة ، قائدها أبو سفيان ، وأقبلت غطفان حتى نزلوا بنقمى إلى جانب أحد ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ، فضرب الخندق على المدينة ، وعمل فيه المسلمون ، وأبطأ رجال من المنافقين ، وجعلوا يورّون بالضعيف من العمل ، فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إذن ، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق لحاجته فيأذن له ، فإذا قضى حاجته رجع ، فأنزل الله في أولئك { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ } الآية . وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال هي في الجهاد والجمعة والعيدين . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله { عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ } قال من طاعة الله عامّ . وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل عنه في قوله { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء ٱلرَّسُولِ } الآية قال يعني كدعاء أحدكم إذا دعا أخاه باسمه ، ولكن وقروه وقولوا له يا رسول الله يا نبيّ الله . وأخرج عبد الغني بن سعيد في تفسيره ، وأبو نعيم في الدلائل عنه أيضاً في الآية قال لا تصيحوا به من بعيدٍ يا أبا القاسم ، ولكن كما قال الله في الحجرات { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوٰتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } الحجرات 3 . وأخرج أبو داود في مراسيله ، عن مقاتل ، قال كان لا يخرج أحد لرعاف ، أو إحداث حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بإصبعه التي تلي الإبهام ، فيأذن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بيده ، وكان من المنافقين من يثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد ، فكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه يستتر به حتى يخرج . فأنزل الله { ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } الآية . وأخرج أبو عبيد في فضائله ، والطبراني ، قال السيوطي بسندٍ حسن ، عن عقبة بن عامر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يقرأ هذه الآية في خاتمة سورة النور ، وهو جاعل على أصبعيه تحت عينيه يقول " بكل شيء بصير " .