Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 1-22)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { طسۤمۤ } قرأ الأعمش ويحيـى بن وثاب وأبو بكر والمفضل وحمزة والكسائي ، وخلف بإمالة الطاء ، وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة والزهري بين اللفظين ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم ، وقرأ الباقون بالفتح مشبعاً . وقرأ المدنيون وأبو عمرو وعاصم والكسائي بإدغام النون من « طسن » في الميم وقرأ الأعمش وحمزة بإظهارها . قال الثعلبي الإدغام اختيار أبي عبيد ، وأبي حاتم . قال النحاس وحكى الزجاج في كتابه " فيما يجري وما لا يجري " أنه يجوز أن يقال « طاسين ميم » بفتح النون وضم الميم كما يقال هذا معدى كرب . وقرأ عيسى ويروى عن نافع بكسر الميم على البناء . وفي مصحف عبد الله بن مسعود " ط س م " هكذا حروفاً مقطعة ، فيوقف على كل حرف وقفة يتميز بها عن غيره ، وكذلك قرأ أبو جعفر ، ومحله الرفع على الابتداء إن كان اسماً للسورة كما ذهب إليه الأكثر ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ، ويجوز أن يكون في محل نصب بتقدير اذكر ، أو اقرأ . وأما إذا كان مسروداً على نمط التعديد كما تقدّم في غير موضع من هذا التفسير ، فلا محلّ له من الإعراب . وقد قيل إنه اسم من أسماء الله سبحانه ، وقيل اسم من أسماء القرآن ، والإشارة بقوله { تِلْكَ ءَايَاتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ } إلى السورة ، ومحلها الرفع على أنها وما بعدها خبر للمبتدأ إن جعلنا { طسم } مبتدأ ، وإن جعلناه خبراً لمبتدأ محذوف ، فمحلها الرفع على أنه مبتدأ خبره ما بعده ، أو خبر مبتدأ محذوف أو بدل من { طسمۤ } والمراد بالكتاب هنا القرآن ، والمبين المبين المظهر ، أو البين الظاهر إن كان من أبان بمعنى بان . { لَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ } أي قاتل نفسك ومهلكها { أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } أي لعدم إيمانهم بما جئت به والبخع في الأصل أن يبلغ بالذبح النخاع بالنون قاموس ، وهو عرق في القفا ، وقد مضى تحقيق هذا في سورة الكهف ، وقرأ قتادة " باخع نفسك " بالإضافة . قرأ الباقون بالقطع قال الفراء " أن " في قوله { أن لاَ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } في موضع نصب لأنها جزاء قال النحاس وإنما يقال " إن " مكسورة لأنها جزء هكذا التعارف ، والقول في هذا ما قاله الزجاج في كتابه في القرآن إنها في موضع نصب مفعول لأجله ، والمعنى لعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان ، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان حريصاً على إيمان قومه شديد الأسف لما يراه من إعراضهم ، وجملة { إِن نَّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مّنَ ٱلسَّمَاء ءايَةً } مستأنفة مسوقة لتعليل ما سبق من التسلية ، والمعنى إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية تلجئهم إلى الإيمان ، ولكن قد سبق القضاء بأنا لا ننزل ذلك ، ومعنى { فَظَلَّتْ أَعْنَـٰقُهُمْ لَهَا خَـٰضِعِينَ } أنهم صاروا منقادين لها أي فتظلّ أعناقهم إلخ ، قيل وأصله ، فظلوا لها خاضعين ، فأقحمت الأعناق لزيادة التقرير والتصوير ، لأن الأعناق موضع الخضوع . وقيل إنها لما وضعت الأعناق بصفات العقلاء أجريت مجراهم ، ووصفت بما يوصفون به . قال عيسى بن عمر خاضعين ، وخاضعة هنا سواء ، واختاره المبرد ، والمعنى أنها إذا ذلت رقابهم ذلوا ، فالإخبار عن الرقاب إخبار عن أصحابها ، ويسوغ في كلام العرب أن يترك الخبر عن الأوّل ، ويخبر عن الثاني ، ومنه قول الراجز @ طول الليالي أسرعت في نقضي طوين طولي وطوين عرضي @@ فأخبر عن الليالي ، وترك الطول ، ومنه قول جرير @ أرى مرّ السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال @@ وقال أبو عبيد والكسائي إن المعنى خاضعيها هم ، وضعفه النحاس ، وقال مجاهد أعناقهم كبراؤهم ، قال النحاس وهذا معروف في اللغة ، يقال جاءني عنق من الناس أي رؤساء منهم . وقال أبو زيد والأخفش أعناقهم جماعاتهم ، يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة . { وَمَا يَأْتِيهِم مّن ذِكْرٍ مّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ } بيّن سبحانه أنه مع اقتداره على أن يجعلهم ملجئين إلى الإيمان يأتيهم بالقرآن حالاً بعد حال ، وأن لا يجدّد لهم موعظة وتذكيراً إلاّ جدّدوا ما هو نقيض المقصود ، وهو الإعراض والتكذيب والاستهزاء ، و « من » في { مّن ذِكْرِ } مزيدة لتأكيد العموم ، و " من " في { مّن رَّبّهِمُ } لابتداء الغاية ، والاستثناء مفرغ من أعمّ العامّ محله النصب على الحالية من مفعول يأتيهم ، وقد تقدّم تفسير مثل هذه الآية في سورة الأنبياء { فَقَدْ كَذَّبُواْ } أي بالذكر الذي يأتيهم تكذيباً صريحاً ، ولم يكتفوا بمجرّد الإعراض ، وقيل إن الإعراض بمعنى التكذيب ، لأن من أعرض عن شيء ولم يقبله ، فقد كذّبه ، وعلى هذا فيكون ذكر التكذيب للدلالة على صدور ذلك منهم على وجه التصريح ، والأوّل أولى ، فالإعراض عن الشيء عدم الالتفات إليه . ثم انتقلوا عن هذا إلى ما هو أشدّ منه ، وهو التصريح بالتكذيب ، ثم انتقلوا عن التكذيب إلى ما هو أشدّ منه ، وهو الاستهزاء كما يدلّ عليه قوله { فَقَدْ كَذَّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَـٰؤُا مَا كَانُواْ بِه يَسْتَهْزِءونَ } ، والأنباء هي ما يستحقونه من العقوبة آجلاً وعاجلاً . وسمّيت أنباء لكونها مما أنبأ عنه القرآن ، وقال { مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ } ، ولم يقل ما كانوا عنه معرضين ، أو ما كانوا به يكذّبون ، لأن الاستهزاء أشدّ منهما ، ومستلزم لهما ، وفي هذا وعيد شديد ، وقد مرّ تفسير مثل هذا في سورة الأنعام . ثم ذكر سبحانه ما يدلّ على كمال قدرته من الأمور الحسية التي يحصل بها للمتأمل فيها ، والناظر إليها ، والمستدلّ بها أعظم دليل ، وأوضح برهان ، فقال { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } الهمزة للتوبيخ ، والواو للعطف على مقدّر كما في نظائره ، فنبّه سبحانه على عظمته وقدرته ، وأن هؤلاء المكذبين المستهزئين لو نظروا حق النظر لعلموا أنه سبحانه الذي يستحق أن يعبد ، والمراد بالزوج هنا الصنف . وقال الفراء هو اللون ، وقال الزجاج معنى زوج نوع ، وكريم محمود ، والمعنى من كل زوج نافع لا يقدر على إنباته إلاّ ربّ العالمين ، والكريم في الأصل الحسن الشريف ، يقال نخلة كريمة أي كثيرة الثمرة ، ورجل كريم شريف فاضل ، وكتاب كريم إذا كان مرضياً في معانيه ، والنبات الكريم هو المرضي في منافعه ، قال الشعبي الناس مثل نبات الأرض ، فمن صار منهم إلى الجنة ، فهو كريم ، ومن صار منهم إلى النار ، فهو لئيم ، والإشارة بقوله { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } إلى المذكور قبله أي إن فيما ذكر من الإنبات في الأرض لدلالة بينة ، وعلامة واضحة على كمال قدرة الله سبحانه ، وبديع صنعته ، ثم أخبر سبحانه بأن أكثر هؤلاء مستمرّ على ضلالته مصمم على جحوده ، وتكذيبه ، واستهزائه ، فقال { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي سبق علمي فيهم أنهم سيكونون هكذا ، وقال سيبويه إن { كان } هنا صلة { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } أي الغالب القاهر لهؤلاء بالانتقام منهم مع كونه كثير الرحمة ، ولذلك أمهلهم ، ولم يعاجلهم بالعقوبة ، أو المعنى أنه منتقم من أعدائه رحيم بأوليائه . وجملة { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ } إلخ ، مستأنفة مسوقة لتقرير ما قبلها من الإعراض ، والتكذيب ، والاستهزاء ، والعامل في الظرف محذوف تقديره واتل إذ نادى أو اذكر ، والنداء الدعاء ، و « أن » في قوله { أَنِ ٱئْتَ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يجوز أن تكون مفسرة ، وأن تكون مصدرية ، ووصفهم بالظلم . لأنهم جمعوا بين الكفر الذي ظلموا به أنفسهم وبين المعاصي التي ظلموا بها غيرهم كاستعباد بني إسرائيل ، وذبح أبنائهم . وانتصاب { قَوْمِ فِرْعَونَ } على أنه بدل ، أو عطف بيان من القوم الظالمين ، ومعنى { أَلا يَتَّقُونَ } ألا يخافون عقاب الله سبحانه ، فيصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته وقيل المعنى قل لهم ألا تتقون ؟ وجاء بالياء التحتية لأنهم غيب وقت الخطاب ، وقرأ عبيد بن عمير ، وأبو حازم " ألا تتقون " بالفوقية أي قل لهم ذلك ، ومثله { قُلْ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ } آل عمران 12 بالتحتية والفوقية . { قَالَ رَبّ إِنّي أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ } أي قال موسى هذه المقالة ، والمعنى أخاف أن يكذبوني في الرسالة { وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي } معطوفان على { أخاف } أي يضيق صدري لتكذيبهم إياي ، ولا ينطلق لساني بتأدية الرسالة ، قرأ الجمهور برفع { يَضِيقُ } ، { ولا ينطلق } بالعطف على { أخاف } كما ذكرنا ، أو على الاستئناف ، وقرأ يعقوب وعيسى بن عمر وأبو حيوة بنصبهما عطفاً على { يكذبون } . قال الفراء كلا القراءتين له وجه ، قال النحاس الوجه . الرفع ، لأن النصب عطف على { يكذبون } وهذا بعيد { فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَـٰرُونَ } أي أرسل إليه جبريل بالوحي ليكون معي رسولاً موازراً مظاهراً معاوناً ، ولم يذكر الموازرة هنا ، لأنها معلومة من غير هذا الموضع ، كقوله في طه { وَٱجْعَل لّي وَزِيراً } طه 29 ، وفي القصص { أُرْسِلَهُ مَعِىَ رِدْءاً يُصَدّقُنِي } القصص 34 . وهذا من موسى عليه السلام من باب طلب المعاونة له بإرسال أخيه ، لا من باب الاستعفاء من الرسالة ، ولا من التوقف عن المسارعة بالامتثال { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } الذنب هو قتله للقبطي ، وسماه ذنباً بحسب زعمهم ، فخاف موسى أن يقتلوه به . وفيه دليل على أن الخوف قد يحصل مع الأنبياء فضلاً عن الفضلاء . ثم أجابه سبحانه بما يشتمل على نوع من الردع وطرف من الزجر { قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِـئَايَـٰتِنَا } وفي ضمن هذا الجواب إجابة موسى إلى ما طلبه من ضم أخيه إليه كما يدلّ عليه توجيه الخطاب إليهما كأنه قال ارتدع يا موسى عن ذلك ، واذهب أنت ومن استدعيته ، ولا تخف من القبط { إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } ، وفي هذا تعليل للردع عن الخوف ، وهو كقوله سبحانه { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } طه 46 ، وأراد بذلك سبحانه تقوية قلوبهما ، وأنه متولّ لحفظهما ، وكلاءتهما ، وأجراهما مجرى الجمع فقال { مَّعَكُمْ } لكون الاثنين أقلّ الجمع على ما ذهب إليه بعض الأئمة ، أو لكونه أراد موسى وهارون ومن أرسلا إليه ، ويجوز أن يكون المراد هما مع بني إسرائيل ، و { معكم } ، و { مستمعون } خبران لأنّ ، أو الخبر { مستمعون } ، و { معكم } متعلق به ، ولا يخفى ما في المعية من المجاز ، لأن المصاحبة من صفات الأجسام ، فالمراد معية النصرة والمعونة { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، ووحد الرسول هنا ، ولم يثنه كما في قوله { إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } طه 47 لأنه مصدر بمعنى رسالة ، والمصدر يوحد ، وأما إذا كان بمعنى المرسل ، فإنه يثنى مع المثنى ، ويجمع مع الجمع ، قال أبو عبيدة رسول بمعنى رسالة ، والتقدير على هذا إنا ذوا رسالة ربّ العالمين ، ومنه قول الشاعر @ ألا أبلغ أبا عمرو رسولا فإني عن فتاحتكم غنى @@ أي رسالة . وقال العباس بن مرداس @ ألا من مبلغ عني خفافا رسولا بيت أهلك منتهاها @@ أي رسالة . قال أبو عبيدة أيضاً ، ويجوز أن يكون الرسول بمعنى الاثنين والجمع ، تقول العرب هذا رسولي ووكيلي ، وهذان رسولي ووكيلي ، وهؤلاء رسولي ووكيلي ، ومنه قوله تعالى { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي } الشعراء 77 وقيل معناه إن كل واحد منا رسول رب العالمين ، وقيل إنهما لما كانا متعاضدين متساندين في الرسالة كانا بمنزلة رسول واحد ، و « أن » في قوله { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرٰءيلَ } مفسرة لتضمن الإرسال المفهوم من الرسول ، معنى القول { قَالَ أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً } أي قال فرعون لموسى بعد أن أتياه ، وقالا له ما أمرهما الله به ، ومعنى { فينا } أي في حجرنا ومنازلنا ، أراد بذلك المنّ عليه ، والاحتقار له أي ربيناك لدينا صغيراً ، ولم نقتلك فيمن قتلنا من الأطفال . { وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } فمتى كان هذا الذي تدّعيه ؟ قيل لبث فيهم ثماني عشرة سنة ، وقيل ثلاثين سنة . وقيل أربعين سنة . ثم قرّرت بقتل القبطي ، فقال { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ } الفعلة بفتح الفاء المرّة من الفعل ، وقرأ الشعبي " فعلتك " بكسر الفاء ، والفتح أولى لأنها للمرّة الواحدة لا للنوع ، والمعنى أنه لما عدّد عليه النعم ذكر له ذنوبه ، وأراد بالفعل قتل القبطي ، ثم قال { وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } أي من الكافرين للنعمة حيث قتلت رجلاً من أصحابي ، وقيل المعنى من الكافرين بأن فرعون إلٰه ، وقيل من الكافرين بالله في زعمه لأنه كان معهم على دينهم ، والجملة في محل نصب على الحال . { قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالّينَ } أي قال موسى مجيباً لفرعون فعلت هذه الفعلة التي ذكرت ، وهي قتل القبطي ، وأنا إذ ذاك من الضالين أي الجاهلين . فنفى عليه السلام عن نفسه الكفر ، وأخبر أنه فعل ذلك على الجهل قبل أن يأتيه العلم الذي علمه الله ، وقيل المعنى من الجاهلين أن تلك الوكزة تبلغ القتل ، وقال أبو عبيدة من الناسين { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } أي خرجت من بينكم إلى مدين كما في سورة القصص { فَوَهَبَ لِي رَبّي حُكْماً } أي نبوّة أو علماً وفهماً . وقال الزّجاج المراد بالحكم تعليمه التوراة التي فيها حكم الله { وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرٰءيلَ } قيل هذا الكلام من موسى على جهة الإقرار بالنعمة ، كأنه قال نعم تلك التربية نعمة تمنّ بها عليّ ، ولكن لا يدفع ذلك رسالتي ، وبهذا قال الفراء وابن جرير . وقيل هو من موسى على جهة الإنكار أي أتمنّ عليّ بأن ربيتني وليداً ، وأنت قد استعبدت بني إسرائيل وقتلتهم ، وهم قومي ؟ قال الزجاج المفسّرون أخرجوا هذا على جهة الإنكار بأن يكون ما ذكر فرعون نعمة على موسى ، واللفظ لفظ خبر ، وفيه تبكيت للمخاطب على معنى أنك لو كنت لا تقتل أبناء بني إسرائيل لكانت أمي مستغنية عن قذفي في اليمّ ، فكأنك تمنّ عليّ ما كان بلاؤك سبباً له ، وذكر نحوه الأزهري بأبسط منه ، وقال المبرد يقول التربية كانت بالسبب الذي ذكرت من التعبيد أي تربيتك إياي كانت لأجل التملك ، والقهر لقومي ، وقيل إن في الكلام تقدير الاستفهام أي أو تلك نعمة ؟ قاله الأخفش ، وأنكره النحاس . قال الفراء ومن قال إن الكلام إنكار قال معناه أو تلك نعمة ؟ ومعنى { أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرٰءيلَ } أن اتخذتهم عبيداً ، يقال عبدته وأعبدته بمعنى ، كذا قال الفراء ، ومحله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف بدل من نعمة ، والجر بإضمار الباء ، والنصب بحذفها . وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس { فَظَلَّتْ أَعْنَـٰقُهُمْ لَهَا خَـٰضِعِينَ } قال ذليلين . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ } قال قتل النفس . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } قال للنعمة ، وإن فرعون لم يكن ليعلم ما الكفر ؟ وفي قوله { فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالّينَ } قال من الجاهلين . وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرٰءيلَ } قال قهرتهم واستعملتهم .