Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 45-53)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَلَقَدْ أَرْسَلنَا } معطوف على قوله { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودُ } واللام هي الموطئة للقسم ، وهذه القصة من جملة بيان قوله { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْءانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } و { صَـٰلِحاً } عطف بيان ، و { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } تفسير للرسالة ، وأن هي المفسرة ، ويجوز أن تكون مصدرية أي بأن اعبدوا الله ، و " إذا " في { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ } هي الفجائية أي ففاجئوا التفرق ، والاختصام ، والمراد بـ { الفريقان } المؤمنون منهم والكافرون . ومعنى الاختصام أن كلّ فريق يخاصم على ما هو فيه ، ويزعم أن الحقّ معه ، وقيل إن الخصومة بينهم في صالح هل هو مرسل أم لا ؟ وقيل أحد الفريقين صالح ، والفريق الآخر جميع قومه ، وهو ضعيف . { قَالَ يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } أي قال صالح للفريق الكافر منهم منكراً عليهم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة ؟ قال مجاهد بالعذاب قبل الرحمة . والمعنى لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب إليكم الثواب وتقدّمون الكفر الذي يجلب إليكم العقوبة ؟ وقد كانوا لفرط كفرهم يقولون ائتنا يا صالح بالعذاب { لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ } هلا تستغفرون الله وتتوبون إليه من الشرك { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } رجاء أن ترحموا أو كي ترحموا فلا تعذبوا ، فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشرّ ، ووصف العذاب بأنه سيئة مجازاً ، إما لأن العقاب من لوازمه ، أو لأنه يشبهه في كونه مكروهاً ، فكان جوابهم عليه بعد هذا الإرشاد الصحيح ، والكلام اللين أنهم { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } أصله تطيرنا ، وقد قرىء بذلك ، والتطير التشاؤم أي تشاءمنا منك وبمن معك ممن أجابك ودخل في دينك ، وذلك لأنه أصابهم قحط فتشاءموا بصالح ، وقد كانت العرب أكثر الناس طيرة وأشقاهم بها ، وكانوا إذا أرادوا سفراً أو أمراً من الأمور نفروا طائراً من وكره فإن طار يمنة ساروا ، وفعلوا ما عزموا عليه ، وإن طار يسرة تركوا ذلك فلما قالوا ذلك قَال لهم صالح { طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ } أي ليس ذلك بسبب الطير الذي تتشاءمون به ، بل سبب ذلك عند الله ، وهو ما يقدّره عليكم ، والمعنى أن الشؤم الذي أصابكم هو من عند الله بسبب كفركم ، وهذا كقوله تعالى { يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } الأعراف 131 . ثم أوضح لهم سبب ما هم فيه بأوضح بيان ، فقال { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } أي تمتحنون ، وتختبرون وقيل تعذبون بذنوبكم ، وقيل يفتنكم غيركم ، وقيل يفتنكم الشيطان بما تقعون فيه من الطيرة ، أو بما لأجله تطيرون ، فأضرب عن ذكر الطائر إلى ما هو السبب الداعي إليه . { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } التي فيها صالح ، وهو الحجر { تِسْعَةُ رَهْطٍ } أي تسعة رجال من أبناء الأشراف ، والرهط اسم للجماعة ، فكأنهم كانوا رؤساء يتبع كلّ واحد منهم جماعة ، والجمع أرهط وأراهط ، وهؤلاء التسعة هم أصحاب قدار عاقر الناقة ، ثم وصف هؤلاء بقوله { يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } أي شأنهم وعملهم الفساد في الأرض الذي لا يخالطه صلاح ، وقد اختلف في أسماء هؤلاء التسعة اختلافاً كثيراً لا حاجة إلى التطويل بذكره . { قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ } أي قال بعضهم لبعض احلفوا بالله ، هذا على أن { تقاسموا } فعل أمر ، ويجوز أن يكون فعلاً ماضياً مفسراً لقالوا ، كأنه قيل ما قالوا ؟ فقال تقاسموا ، أو يكون حالاً على إضمار قد أي قالوا ذلك متقاسمين ، وقرأ ابن مسعود " يفسدون في الأرض ولا يصلحون تقاسموا بالله " وليس فيها قالوا ، واللام في { لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ } جواب القسم أي لنأتينه بغتة في وقت البيات ، فنقتله وأهله { ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيّهِ } قرأ الجمهور بالنون للمتكلم في { لنبيتنه } ، وفي { لنقولن } ، واختار هذه القراءة أبو حاتم . وقرأ حمزة والكسائي بالفوقية فيهما على خطاب بعضهم لبعضهم ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وقرأ مجاهد وحميد بالتحتية فيهما ، والمراد بوليّ صالح رهطه { مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ } أي ما حضرنا قتلهم ، ولا ندري من قتله ، وقتل أهله ، ونفيهم لشهودهم لمكان الهلاك يدلّ على نفي شهودهم لنفس القتل بالأولى ، وقيل إن المهلك بمعنى الإهلاك ، وقرأ حفص والسلمي مهلك بفتح الميم واللام ، وقرأ أبو بكر ، والمفضل بفتح الميم ، وكسرها { وِإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ } فيما قلناه . قال الزجاج وكان هؤلاء النفر تحالفوا أن يبيتوا صالحاً وأهله ، ثم ينكروا عند أوليائه أنهم ما فعلوا ذلك ، ولا رأوه ، وكان هذا مكراً منهم ، ولهذا قال الله سبحانه { وَمَكَرُواْ مَكْراً } أي بهذه المحالفة { وَمَكَرْنَا مَكْراً } جازيناهم بفعلهم فأهلكناهم { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بمكر الله بهم . { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ مَكْرِهِمْ } أي انظر ما انتهى إليه أمرهم الذي بنوه على المكر ، وما أصابهم بسببه { أَنَّا دَمَّرْنَـٰهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } قرأ الجمهور بكسر همزة أنا ، وقرأ حمزة والكسائي والأعمش والحسن وابن أبي إسحاق وعاصم بفتحها ، فمن كسر جعله استئنافاً . قال الفراء ، والزجاج من كسر استأنف ، وهو يفسر به ما كان قبله . كأنه جعله تابعاً للعاقبة ، كأنه قال العاقبة إنا دمرناهم ، وعلى قراءة الفتح يكون التقدير بأنا دمرناهم أو لأنا دمرناهم ، وكان تامة وعاقبة فاعل لها ، أو يكون بدلاً من عاقبة ، أو يكون خبر مبتدأ محذوف أي هي أنا دمرناهم ، ويجوز أن تكون كان ناقصة ، وكيف خبرها ، ويجوز أن يكون خبرها أنا دمرنا . قال أبو حاتم وفي حرف أبيّ " أن دمرناهم " . والمعنى في الآية أن الله دمّر التسعة الرهط المذكورين ، ودمر قومهم الذين لم يكونوا معهم عند مباشرتهم لذلك ، ومعنى التأكيد بأجمعين أنه لم يشذ منهم أحد ولا سلم من العقوبة فرد من أفرادهم . وجملة { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً } مقرّرة لما قبلها . قرأ الجمهور { خاوية } بالنصب على الحال . قال الزجاج المعنى فانظر إلى بيوتهم حال كونها خاوية ، وكذا قال الفراء ، والنحاس أي خالية عن أهلها خراباً ليس بها ساكن . وقال الكسائي وأبو عبيدة نصب خاوية على القطع . والأصل فتلك بيوتهم الخاوية ، فلما قطع منها الألف ، واللام نصبت كقوله { وَلَهُ ٱلدّينُ وَاصِبًا } النحل 52 . وقرأ عاصم بن عمر ونصر بن عاصم والجحدري وعيسى بن عمر برفع { خاوية } على أنه خبر اسم الإشارة ، وبيوتهم بدل ، أو عطف بيان ، أو خبر لاسم الإشارة ، وخاوية خبر آخر ، والباء في { بِمَا ظَلَمُواْ } للسببية أي بسبب ظلمهم { إِنَّ فِي ذَلِكَ } التدمير ، والإهلاك { لآيَةً } عظيمة { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي يتصفون بالعلم بالأشياء . { وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } وهم صالح ومن آمن به { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } الله ويخافون عذابه . وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { طَائِرُكُمْ } قال مصائبكم . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ } قال هم الذين عقروا الناقة ، وقالوا حين عقروها نبيت صالحاً وأهله فنقتلهم ، ثم نقول لأولياء صالح ما شهدنا من هذا شيئاً ، وما لنا به علم فدمرهم الله أجمعين .