Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 75-77)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا شروع في بيان خيانة اليهود في المال بعد بيان خيانتهم في الدين . والجار والمجرور في قوله { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } في محل رفع على الابتداء على ما مرّ في قوله { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } البقرة 8 وقد تقدم تفسير القنطار . وقوله { تَأْمَنْهُ } هذه قراءة الجمهور . وقرأ ابن وثاب ، والأشهب العقيلي « تيمنه » بكسر التاء الفوقية على لغة بكر ، وتميم ، ومثله قراءة من قرأ { نستعين } الفاتحة 5 بكسر النون . وقرأ نافع ، والكسائي { يُؤَدّهِ } بكسر الهاء في الدرج . قال أبو عبيد واتفق أبو عمرو ، والأعمش ، وحمزة ، وعاصم في رواية أبي بكر على إسكان الهاء . قال النحاس إسكان الهاء لا يجوز إلا في الشعر عند بعض النحويين ، وبعضهم لا يجيزه ألبتة ، ويرى أنه غلط من قرأ به ، ويوهم أن الجزم يقع على الهاء ، وأبو عمرو أجلّ من أن يجوز عليه شيء من هذا ، والصحيح عنه أنه كان يكسر الهاء . وقال الفراء مذهب بعض العرب يسكنون الهاء إذا تحرك ما قبلها ، فيقولون ضربته ضرباً شديداً ، كما يسكنون ميم أنتم ، وقمتم ، وأنشد @ لما رأى أن لا دَعَهْ ولا شِبَعْ مال إلى أرْطاة حِقْفٍ فاضَّطجَع @@ وقرأ أبو المنذر سلام ، والزهري « يؤده » بضم الهاء بغير واو . وقرأ قتادة ، وحمزة ، ومجاهد « يؤدهو » بواو في الإدراج ، ومعنى الآية أن أهل الكتاب فيهم الأمين الذي يؤدى أمانته ، وإن كانت كثيرة ، وفيهم الخائن الذي لا يؤدي أمانته ، وإن كانت حقيرة ، ومن كان أميناً في الكثير ، فهو في القليل أمين بالأولى ، ومن كان خائناً في القليل ، فهو في الكثير خائن بالأولى . وقوله { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } استثناء مفرغ ، أي لا يؤده إليك في حال من الأحوال إلا ما دمت عليه قائماً مطالباً له مضيقاً عليه متقاضياً لردّه ، والإشارة بقوله { ذلك } إلى ترك الأداء المدلول عليه بقوله { لاَّ يُؤَدِّهِ } . والأميون هم العرب الذين ليسوا أهل كتاب ، أي ليس علينا في ظلمهم حرج لمخالفتهم لنا في ديننا ، وادّعوا لعنهم الله أن ذلك في كتابهم ، فردّ الله سبحانه عليهم بقوله { وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . { بلى } أي بلى عليهم سبيل لكذبهم واستحلالهم أموال العرب ، فقوله { بَلَىٰ } " إثبات لما نفوه من السبيل " . قال الزجاج تمّ الكلام بقوله { بَلَىٰ } ثم قال { مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَٱتَّقَى } وهذه جملة مستأنفة ، أي من أوفى بعهده ، واتّقى ، فليس من الكاذبين . أو فإن الله يحبه ، والضمير في قوله { بِعَهْدِهِ } راجع إلى " من " ، أو إلى الله تعالى ، وعموم المتقين قائم مقام العائد إلى " مَن " ، أي فإن الله يحبه . قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } أي يستبدلون ، كما تقدّم تحقيقه غير مرة . وعهد الله هو ما عاهدوه عليه من الإيمان بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ، والأيمان هي التي كانوا يحلفون أنهم يؤمنون به ، وينصرونه ، وسيأتي بيان سبب نزول الآية { أُوْلَـٰئِكَ } أي الموصوفون بهذه الصفة { لاَ خَلَـٰقَ لَهُمْ فِى ٱلأخِرَةِ } أي لا نصيب { وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ } بشيء أصلاً ، كما يفيده حذف المتعلق من التعميم ، أو لا يكلمهم بما يسرهم { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } نظر رحمة ، بل يسخط عليهم ، ويعذبهم بذنوبهم ، كما يفيده قوله { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن عكرمة في قوله { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ } قال هذا من النصارى { وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ } قال هذا من اليهود { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } قال إلا ما طلبته ، واتبعته . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة في قوله { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلامّيِينَ سَبِيلٌ } قال قالت اليهود ليس علينا فيما أصبنا من مال العرب سبيل . وأخرج ابن جرير ، عن السديّ نحوه . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأمّيِينَ سَبِيلٌ } قال النبي صلى الله عليه وسلم " كذب أعداء الله ، ما من شيء كان في الجاهلية إلا ، وهو تحت قدميّ هاتين ، إلا الأمانة ، فإنها مؤدّاة إلى البرّ ، والفاجر " وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن صعصعة أنه سأل ابن عباس فقال إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة ، والشاة ، قال ابن عباس فتقولون ماذا ؟ قال نقول ليس علينا في ذلك من بأس ، قال هذا ، كما قال أهل الكتاب { لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأمّيِينَ سَبِيلٌ } إنهم إذا أدّوا الجزية لم تحلّ لكم أموالهم إلا بطيب نفوسهم . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس { بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَٱتَّقَى } يقول اتقى الشرك { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } يقول الذين يتقون الشرك . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وأهل السنن ، وغيرهم ، عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امريء مسلم لقي الله ، وهو عليه غضبان " . فقال الأشعث بن قيس فيّ والله كان ذلك ، كان بيني ، وبين رجل من اليهود أرض ، فجحدني ، فقدّمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألك بينة ؟ " قلت لا ، قال " لليهودي احلف ، " فقلت يا رسول الله إذن يحلف ، فيذهب مالي ، فأنزل الله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا } إلى آخر الآية " . وقد روى أن سبب نزول الآية أن رجلاً كان يحلف بالسوق لقد أعطى بسلعته ما لم يعط بها . أخرجه البخاري ، وغيره . وقد روي أن سبب نزولها مخاصمة كانت بين الأشعث ، وامرىء القيس ، ورجل من حضرموت . أخرجه النسائي ، وغيره .