Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 79-80)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي ما كان ينبغي ، ولا يستقيم لبشر أن يقول هذه المقالة ، وهو متصف بتلك الصفة . وفيه بيان من الله سبحانه لعباده أن النصارى افتروا على عيسى عليه السلام ما لم يصح عنه ، ولا ينبغي أن يقوله . والحكم الفهم والعلم . قوله { وَلَـٰكِن كُونُواْ } أي ولكن يقول النبي كونوا ربانيين . والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف ، والنون للمبالغة ، كما يقال لعظيم اللحية لحياني ، ولعظيم الجمة جماني ، ولغليظ الرقبة رقباني ، قيل الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ، فكأنه يقتدي بالربّ سبحانه في تيسير الأمور . وقال المبرد الربانيون أرباب العلم ، واحدهم رباني ، من قوله ربه يربه ، فهو ربان إذا دبره ، وأصلحه ، والياء للنسب ، فمعنى الرباني العالم بدين الربّ القويّ التمسك بطاعة الله . وقيل العالم الحكيم . قوله { بِمَا كُنتُمْ تُعَلّمُونَ } أي بسبب كونكم عالمين ، أي كونوا ربانيين بهذا السبب ، فإن حصول العلم للإنسان ، والدراسة له يتسبب عنهما الربانية التي هي التعليم للعلم ، وقوّة التمسك بطاعة الله . وقرأ ابن عباس ، وأهل الكوفة « بما كنتم تعلمون » بالتشديد . وقرأ أبو عمرو ، وأهل المدينة بالتخفيف ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد . قال لأنها لجمع المعنيين . قال مكي التشديد أبلغ لأن العالم قد يكون عالماً غير معلم ، فالتشديد يدل على العلم ، والتعليم ، والتخفيف إنما يدل على العلم فقط . واختار القراءة الثانية أبو حاتم . قال أبو عمرو وتصديقها { تدرسون } بالتخفيف دون التشديد . انتهى . والحاصل أن من قرأ بالتشديد لزمه أن يحمل الرباني على أمر زائد على العلم ، والتعليم ، وهو أن يكون مع ذلك مخلصاً ، أو حكيماً ، أو حليماً حتى تظهر السببية ، ومن قرأ بالتخفيف جاز له أن يحمل الرباني على العالم الذي يعلم الناس ، فيكون المعنى كونوا معلمين بسبب كونكم علماء ، وبسبب كونكم تدرسون العلم . وفي هذه الآية أعظم باعث لمن علم على أن يعمل ، وإن من أعظم العمل بالعلم تعليمه ، والإخلاص لله سبحانه . قوله { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ وَٱلنَّبِيّيْنَ أَرْبَابًا } بالنصب عطفاً على { ثم يقول } « ولا » مزيدة لتأكيد النفي ، أي ليس له أن يأمر بعبادة نفسه ، ولا يأمر باتخاذ الملائكة ، والنبيين أرباباً بل ينتهي عنه ، ويجوز عطفه على أن يؤتيه ، أي ما كان لبشر أن يأمركم بأن تتخذوا الملائكة ، والنبيين أرباباً ، وبالنصب قرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف ، والقطع من الكلام الأوّل ، أي ولا يأمركم الله أن تتخذوا الملائكة ، والنبيين أرباباً ، ويؤيده أن في مصحف ابن مسعود ، " ولن يأمركم " . والهمز في قوله { أَيَأْمُرُكُم } لإنكار ما نفي عن البشر . وقوله { بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ } استدل به من قال إن سبب نزول الآية استئذان من استأذن النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين في أن يسجدوا له . وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود ، والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام أتريد يا محمد أن نعبدك ، كما تعبد النصارى عيسى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " معاذ الله أن نعبد غير الله ، أو نأمر بعبادة غيره ما بذلك بعثني ، ولا بذلك أمرني ، " فأنزل الله في ذلك { مَا كَانَ لِبَشَرٍ } الآية » . وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن قال بلغني أن رجلاً قال يا رسول الله نسلم عليك ، كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك ؟ قال " لا ولكن أكرموا نبيكم ، واعرفوا الحق لأهله ، فإنه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ، " فأنزل الله { مَا كَانَ لِبَشَرٍ } الآية » . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { رَبَّـٰنِيّينَ } قال فقهاء علماء . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه قال حكماء علماء حلماء . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه قال علماء فقهاء . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن مسعود قال حكماء علماء . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي رزين في قوله { وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ } قال مذاكرة الفقه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الملائكة } قال ولا يأمرهم النبي .