Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 23-30)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } أي التوراة { فَلاَ تَكُن } يا محمد { فِي مِرْيَةٍ } أي شك ، وريبة { مّن لّقَائِهِ } قال الواحدي قال المفسرون وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيلقى موسى قبل أن يموت ، ثم لقيه في السماء أو في بيت المقدس حين أسري به . وهذا قول مجاهد والكلبي والسديّ . وقيل فلا تكن في شك من لقاء موسى في القيامة وستلقاه فيها . وقيل فلا تكن في شك من لقاء موسى للكتاب . قاله الزجاج . وقال الحسن إن معناه ولقد آتينا موسى الكتاب فكذّب وأوذي ، فلا تكن في شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى ، فيكون الضمير في لقائه على هذا عائداً على محذوف ، والمعنى من لقاء ما لاقى موسى . قال النحاس وهذا قول غريب . وقيل في الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ، فلا تكن في مرية من لقائه ، فجاء معترضاً بين { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } وبين { وَجَعَلْنَـٰهُ هُدًى لّبَنِي إِسْرٰءيلَ } وقيل الضمير راجع إلى الكتاب الذي هو الفرقان كقوله { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْءانَ } النمل 6 والمعنى أنا آتينا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب ، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحي ، فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ونظيره ، وما أبعد هذا ، ولعلّ الحامل لقائله عليه قوله { وَجَعَلْنَـٰهُ هُدًى لّبَنِي إِسْرٰءيلَ } فإن الضمير راجع إلى الكتاب . وقيل إن الضمير في { لقائه } عائد إلى الرجوع المفهوم من قوله { ثُمَّ إِلَىٰ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ } أي لا تكن في مرية من لقاء الرجوع ، وهذا بعيد أيضاً . واختلف في الضمير في قوله { وجعلناه } فقيل هو راجع إلى الكتاب ، أي جعلنا التوراة هدى لبني إسرائيل ، قاله الحسن وغيره . وقال قتادة إنه راجع إلى موسى ، أي وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل . { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً } أي قادة يقتدون به في دينهم ، وقرأ الكوفيون « أئمة » قال النحاس وهو لحن عند جميع النحويين ، لأنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة ، ومعنى { يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } أي يدعونهم إلى الهداية بما يلقونه إليه من أحكام التوراة ومواعظها بأمرنا ، أي بأمرنا لهم بذلك ، أو لأجل أمرنا . وقال قتادة المراد بالأئمة الأنبياء منهم . وقيل العلماء { لَمَّا صَبَرُواْ } قرأ الجمهور { لما } بفتح اللام وتشديد الميم ، أي حين صبروا ، والضمير للأئمة ، وفي " لما " معنى الجزاء ، والتقدير لما صبروا جعلناهم أئمة . وقرأ حمزة والكسائي وخلف وورش عن يعقوب ويحيى بن وثاب بكسر اللام وتخفيف الميم ، أي جعلناهم أئمة لصبرهم ، واختار هذه القراءة أبو عبيد مستدلاً بقراءة ابن مسعود « بما صبروا » بالباء ، وهذا الصبر هو صبرهم على مشاقّ التكليف والهداية للناس ، وقيل صبروا عن الدنيا { وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } التنزيلية { يُوقِنُونَ } أي يصدّقونها ، ويعلمون أنها حق ، وأنها من عند الله لمزيد تفكرهم ، وكثرة تدبرهم . { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ } أي يقضي بينهم ويحكم بين المؤمنين والكفار { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } وقيل يقضي بين الأنبياء ، وأممهم ، حكاه النقاش . { أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ } أي أو لم يبين لهم ، والهمزة للإنكار ، والفاعل ما دلّ عليه { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مّنَ ٱلْقُرُونِ } أي أو لم نبين لهم كثرة إهلاكنا من قبلهم . قال الفراء كم في موضع رفع بـ { يهد } . وقال المبرد إن الفاعل الهدى المدلول عليه بـ { يهد } ، أي أو لم يهد لهم الهدى . وقال الزجاج { كم } في موضع نصب بـ { أهلكنا } ، قرأ الجمهور { أو لم يهد } بالتحتية ، وقرأ السلمي وقتادة وأبو زيد عن يعقوب بالنون ، وهذه القراءة واضحة . قال النحاس والقراءة بالياء التحتية فيها إشكال لأنه يقال الفعل لا يخلو من فاعل فأين الفاعل لـ { يهد } ؟ ويجاب عنه بأن الفاعل هو ما قدّمنا ذكره ، والمراد بالقرون عاد وثمود ونحوهم ، وجملة { يَمْشُونَ فِي مَسَـٰكِنِهِمْ } في محل نصب على الحال من ضمير لهم ، أي والحال أنهم يمشون في مساكن المهلكين ويشاهدونها ، وينظرون ما فيها من العبر ، وآثار العذاب . ولا يعتبرون بذلك . وقيل يعود إلى المهلكين ، والمعنى أهلكناهم حال كونهم ماشين في مساكنهم ، والأوّل أولى { إِنَّ فِي ذَلِكَ } المذكور { لآيَاتٍ } عظيمات ، { أَفَلاَ يَسْمَعُونَها } ، ويتعظون بها . { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَاء إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } أي أو لم يعلموا بسوقنا الماء إلى الأرض التي لا تنبت إلا بسوق الماء إليها . وقيل هي اليابسة ، وأصله من الجرز وهو القطع أي التي قطع نباتها لعدم الماء ، ولا يقال للتي لا تنبت أصلاً كالسباخ جرز لقوله { فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً } قيل هي أرض اليمن . وقيل أرض عدن . وقال الضحاك هي الأرض العطشى . وقال الفراء هي الأرض التي لا نبات فيها . وقال الأصمعي هي الأرض التي لا تنبت شيئاً . قال المبرد يبعد أن تكون لأرض بعينها لدخول الألف واللام . وقيل هي مشتقة من قولهم رجل جروز إذا كان لا يبقي شيئاً إلا أكله ، ومنه قول الراجز @ خب جروز وإذا جاع بكى ويأكل التمر ولا يلقي النوى @@ وكذلك ناقة جروز إذا كانت تأكل كل شيء تجده . وقال مجاهد إنها أرض النيل لأن الماء إنما يأتيها في كل عام { فَنُخْرِجُ بِهِ } ، أي بالماء { زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَـٰمُهُمْ } أي من الزرع كالتبن والورق ونحوهما مما لا يأكله الناس { وَأَنفُسِهِمْ } أي يأكلون الحبوب الخارجة في الزرع مما يقتاتونه ، وجملة { تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَـٰمُهُمْ } في محلّ نصب على الحال { أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } هذه النعم ويشكرون المنعم ويوحدونه ، لكونه المنفرد بإيجاد ذلك . { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } القائلون هم الكفار على العموم ، أو كفار مكة على الخصوص ، أي متى الفتح الذي تعدونا به ، يعنون بالفتح القضاء والفصل بين العباد ، وهو يوم البعث الذي يقضي الله فيه بين عباده ، قاله مجاهد وغيره . وقال الفراء والقتيبي هو فتح مكة . قال قتادة قال أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم للكفار إن لنا يوماً ننعم فيه ونستريح ويحكم الله بيننا وبينكم ، يعنون يوم القيامة ، فقال الكفار متى هذا الفتح ؟ وقال السديّ هو يوم بدر ، لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون للكفار إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم ، و " متى " في قوله { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ } في موضع رفع ، أو في موضع نصب على الظرفية . ثم أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيب عليهم ، فقال { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِيَمَـٰنُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } وفي هذا دليل على أن يوم الفتح هو يوم القيامة لأن يوم فتح مكة ويوم بدر هما مما ينفع فيه الإيمان . وقد أسلم أهل مكة يوم الفتح ، وقبل ذلك منهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ومعنى { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } لا يمهلون ولا يؤخرون ، " ويوم " في { يوم الفتح } منصوب على الظرفية ، وأجاز الفراء الرفع { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي عن سفههم وتكذيبهم ولا تجبهم إلا بما أمرت به { وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ } أي وانتظر يوم الفتح ، وهو يوم القيامة ، أو يوم إهلاكهم بالقتل ، إنهم منتظرون بك حوادث الزمان من موت أو قتل أو غلبة كقوله { فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ } التوبة 52 ويجوز أن يراد إنهم منتظرون لإهلاكهم ، والآية منسوخة بآية السيف . وقيل غير منسوخة ، إذ قد يقع الإعراض مع الأمر بالقتال . وقرأ ابن السميفع " إنهم منتظرون " بفتح الظاء مبنياً للمفعول ، ورويت هذه القراءة عن مجاهد وابن محيصن . قال الفراء لا يصح هذا إلا بإضمار ، أي إنهم منتظر بهم . قال أبو حاتم الصحيح الكسر ، أي انتظر عذابهم إنهم منتظرون هلاكك . وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلاً طويلاً جعداً كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ، ورأيت مالكاً خازن جهنم والدجال في آيات أراهنّ الله إياه " قال { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مّن لّقَائِهِ } فكان قتادة يفسرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لقي موسى { وَجَعَلْنَـٰهُ هُدًى لّبَنِي إِسْرٰءيلَ } قال جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل . وأخرج الطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند ، قال السيوطي صحيح ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مّن لّقَائِهِ } قال " من لقاء موسى " ، قيل أو لقي موسى ؟ قال نعم ، ألا ترى إلى قوله { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا } الزخرف 45 . وأخرج الفريابي ، وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَاء إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } قال الجرز التي لا تمطر إلا مطراً لا يغني عنها شيئاً إلا ما يأتيها من السيول . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } قال أرض باليمن . قال القرطبي في تفسيره والإسناد عن ابن عباس صحيح لا مطعن فيه . وأخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } قال يوم بدر فتح للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينفع الذين كفروا إيمانهم بعد الموت .