Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 49-55)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } تعجيب من حالهم . وقد اتفق المفسرون على أن المراد اليهود . واختلفوا في المعنى الذي زكوا به أنفسهم ، فقال الحسن ، وقتادة هو قولهم { نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } المائدة 18 وقولهم { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } البقرة 111 وقال الضحاك هو قولهم لا ذنوب لنا ، ونحن كالأطفال . وقيل قولهم إن آباءهم يشفعون لهم وقيل ثناء بعضهم على بعض . ومعنى التزكية التطهير والتنزيه ، فلا يبعد صدقها على جميع هذه التفاسير وعلى غيرها ، واللفظ يتناول كل من زكى نفسه بحق أو بباطل من اليهود وغيرهم ، ويدخل في هذا التلقب بالألقاب المتضمنة للتزكية ، كمحيي الدين ، وعز الدين ، ونحوهما . قوله { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكّى مَن يَشَاء } أي ذلك إليه سبحانه ، فهو العالم بمن يستحق التزكية من عباده ، ومن لا يستحقها ، فليدع العباد تزكية أنفسهم ، ويفوضوا أمر ذلك إلى الله سبحانه ، فإن تزكيتهم لأنفسهم مجرد دعاوى فاسدة تحمل عليها محبة النفس ، وطلب العلوّ والترفع والتفاخر ومثل هذه الآية قوله تعالى { فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } النجم 32 . قوله { وَلاَ تُظْلَمُونَ } أي هؤلاء المزكون لأنفسهم { فَتِيلاً } وهو الخيط الذي في نواة التمر . وقيل القشرة التي حول النواة وقيل هو ما يخرج بين أصبعيك أو كفيك من الوسخ إذا فتلتهما ، فهو فتيل بمعنى مفتول ، والمراد هنا الكناية عن الشيء الحقير ، ومثله { وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } النساء 124 وهو النكتة التي في ظهر النواة . والمعنى أن هؤلاء الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم لأنفسهم بقدر هذا الذنب ، ولا يظلمون بالزيادة على ما يستحقون ، ويجوز أن يعود الضمير إلى { مَن يَشَآء } أي لا يظلم هؤلاء الذين يزكيهم الله فتيلاً مما يستحقونه من الثواب . ثم عجب النبي صلى الله عليه وسلم من تزكيتهم لأنفسهم ، فقال { انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ } في قولهم ذلك . والافتراء الاختلاق ، ومنه افترى فلان على فلان أي رماه بما ليس فيه ، وفريت الشيء قطعته ، وفي قوله { وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } من تعظيم الذنب ، وتهويله ما لا يخفى . قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } هذا تعجيب من حالهم بعد التعجيب الأوّل ، وهم اليهود . واختلف المفسرون في معنى الجبت فقال ابن عباس ، وابن جبير ، وأبو العالية ، الجبت الساحر بلسان الحبشة ، والطاغوت الكاهن ، وروي عن عمر بن الخطاب أن الجبت السحر ، والطاغوت الشيطان . وروي عن ابن مسعود أن الجبت ، والطاغوت هاهنا كعب بن الأشرف . وقال قتادة الجبت الشيطان ، والطاغوت الكاهن . وروي عن مالك أن الطاغوت ما عبد من دون الله ، والجبت الشيطان ، وقيل هما كل معبود من دون الله ، أو مطاع في معصية الله . وأصل الجبت الجبس ، وهو الذي لا سير فيه ، فأبدلت التاء من السين قاله قطرب ، وقيل الجبت إبليس ، والطاغوت أولياؤه . قوله { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـؤُلاء أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ سَبِيلاً } أي يقول اليهود لكفار قريش أنتم أهدى من الذين آمنوا بمحمد سبيلاً ، أي أقوم ديناً ، وأرشد طريقاً . وقوله { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى القائلين { ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي طردهم وأبعدهم من رحمته { وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } يدفع عنه ما نزل به من عذاب الله وسخطه . قوله { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مّنَ ٱلْمُلْكِ } " أم " منقطعة ، والاستفهام للإنكار ، يعني ليس لهم نصيب من الملك { فَإذا لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } والفاء للسببية الجزائية لشرط محذوف ، أي إن جعل لهم نصيب من الملك ، فإذا لا يعطون الناس نقيراً منه لشدّة بخلهم وقوّة حسدهم وقيل المعنى بل لهم نصيب من الملك على أن معنى أم الإضراب عن الأوّل ، والاستئناف للثاني . وقيل هي عاطفة على محذوف ، والتقدير أهم أولى بالنبوة ممن أرسلته ، أم لهم نصيب من الملك ، فإذن لا يؤتون الناس نقيراً ؟ والنقير النقرة في ظهر النواة وقيل ما نقر الرجل بأصبعه ، كما ينقر الأرض . والنقير أيضاً خشبة تنقر وينبذ فيها . وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النقير ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ، والنقير الأصل ، يقال فلان كريم النقير ، أي كريم الأصل . والمراد هنا المعنى الأوّل ، والمقصود به المبالغة في الحقارة ، كالقطمير والفتيل . و " إذن " هنا ملغاة غير عاملة لدخول فاء العطف عليها ، ولو نصب لجاز . قال سيبويه " إذن " في عوامل الأفعال بمنزلة أظن في عوامل الأسماء التي تلغى إذا لم يكن الكلام معتمداً عليها ، فإن كانت في أوّل الكلام ، وكان الذي بعدها مستقبلاً نصبت . قوله { أم يحسدون الناس على ما آتاهم من فضله } أم منقطعة مفيدة للانتقال عن توبيخهم بأمر إلى توبيخهم بآخر ، أي بل يحسدون الناس يعني اليهود يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم فقط ، أو يحسدونه هو وأصحابه على ما آتاهم الله من فضله من النبوّة ، والنصر ، وقهر الأعداء . قوله { فَقَدْ ءاتَيْنَا ءالَ إِبْرٰهِيمَ } هذا إلزام لليهود بما يعترفون به ولا ينكرونه ، أي ليس ما آتينا محمداً وأصحابه من فضلنا ببدع حتى يحسدهم اليهود على ذلك ، فهم يعلمون بما آتينا آل إبراهيم ، وهم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم . وقد تقدّم تفسير الكتاب والحكمة والملك العظيم . قيل هو ملك سليمان ، واختاره ابن جرير { فَمِنْهُمْ } أي اليهود { مَنْ ءامَنَ بِهِ } أي بالنبي صلى الله عليه وسلم { وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } أي أعرض عنه . وقيل الضمير في { به } راجع إلى ما ذكر من حديث آل إبراهيم . وقيل الضمير راجع إلى إبراهيم . والمعنى فمن آل إبراهيم من آمن بإبراهيم ، ومنهم من صدّ عنه ، وقيل الضمير يرجع إلى الكتاب ، والأوّل أولى { وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } أي ناراً مسعرة . وقد أخرج ابن جرير ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس قال إن اليهود قالوا إن آباءنا قد توفوا ، وهم لنا قربة عند الله ، وسيشفعون لنا ويزكوننا ، فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } . وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه قال كانت اليهود يقدّمون صبيانهم يصلون بهم ، ويقرّبون قربانهم ، ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب ، وكذبوا ، قال الله إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له ، ثم أنزل الله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِين يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن أن التزكية قولهم { نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } المائدة 18 { وقالوا لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } البقرة 111 . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } قال الفتيل ما خرج من بين الأصبعين . وفي لفظ آخر عنه هو أن تدلك بين أصبعيك ، فما خرج منهما ، فهو ذلك . وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عنه قال النقير النقرة تكون في النواة التي نبتت منها النخلة . والفتيل الذي يكون على شق النواة . والقطمير القشر الذي يكون على النواة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه قال الفتيل الذي في الشق الذي في بطن النواة . وأخرج الطبراني ، والبيهقي في الدلائل عنه قال قدم حيّـي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف مكة على قريش ، فحالفوهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا لهم أنتم أهل العلم القديم ، وأهل الكتاب ، فأخبرونا عنا وعن محمد ، قالوا ما أنتم وما محمد ؟ قالوا ننحر الكوماء ، ونسقي اللبن على الماء ، ونفك العناة ، ونسقي الحجيج ، ونصل الأرحام ، قالوا فما محمد ؟ قالوا صنبور أي فرد ضعيف ، قطع أرحامنا ، واتبعه سراق الحجيج بنو غفار ، فقالوا لا بل أنتم خير منه ، وأهدى سبيلاً ، فأنزل الله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ } الآية . وأخرجه سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة مرسلاً . وقد روي عن ابن عباس ، وعن عكرمة بلفظ آخر . وأخرج نحوه عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن السدّي ، عن أبي مالك . وأخرج نحوه أيضاً البيهقي في الدلائل ، وابن عساكر في تاريخه ، عن جابر ابن عبد الله . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، عن عكرمة قال الجبت ، والطاغوت صنمان . وأخرج الفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عمر في تفسير الجبت ، والطاغوت ما قدّمناه عنه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال الجبت حيّـي بن أخطب ، والطاغوت كعب بن الأشرف . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال الجبت الأصنام ، والطاغوت الذي يكون بين يدي الأصنام يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس . وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال الجبت اسم الشيطان بالحبشية ، والطاغوت كهان العرب . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مّنَ ٱلْمُلْكِ } قال فليس لهم نصيب ، ولو كان لهم نصيب لم يؤتوا الناس نقيراً . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طرق ، عن ابن عباس قال النقير النقطة التي في ظهر النواة . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طريق العوفي ، عن ابن عباس قال قال أهل الكتاب زعم محمد أنه أوتي ما أوتى في تواضع ، وله تسع نسوة ، وليس له همة إلا النكاح ، فأيّ ملك أفضل من هذا ؟ فأنزل الله هذه الآية { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } إلى قوله { مُّلْكاً عَظِيماً } يعني ملك سليمان . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال الناس في هذا الموضع النبي خاصة . وأخرج ابن جرير ، عن قتادة قال هم هذا الحيّ من العرب .