Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 97-100)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { تَوَفَّـٰهُمُ } يحتمل أن يكون فعلاً ماضياً وحذفت منه علامة التأنيث لأن تأنيث الملائكة غير حقيقي ، ويحتمل أن يكون مستقبلاً ، والأصل تتوفاهم ، فحذفت إحدى التاءين . وحكى ابن فورك ، عن الحسن أن المعنى تحشرهم إلى النار . وقيل تقبض أرواحهم ، وهو الأظهر . والمراد بالملائكة ملائكة الموت لقوله تعالى { قُلْ يَتَوَفَّـٰكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكّلَ بِكُمْ } السجدة 11 . وقوله { ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ } حال ، أي في حال ظلمهم أنفسهم ، وقول الملائكة { فِيمَ كُنتُمْ } سؤال توبيخ ، أي في أي شيء كنتم من أمور دينكم ؟ وقيل المعنى أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين ؟ وقيل إن معنى السؤال التقريع لهم بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين . وقولهم { كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى ٱلأرْضِ } يعني مكة ، لأن سبب النزول من أسلم بها ولم يهاجر ، كما سيأتي ، ثم أوقفتهم الملائكة على دينهم ، وألزمتهم الحجة ، وقطعت معذرتهم ، فقالوا { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وٰسِعَةً فَتُهَـٰجِرُواْ فِيهَا } قيل المراد بهذه الأرض المدينة ، والأولى العموم اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، كما هو الحق ، فيراد بالأرض كل بقعة من بقاع الأرض تصلح للهجرة إليها ، ويراد بالأرض الأولى كل أرض ينبغي الهجرة منها . قوله { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } هذه الجملة خبر لأولئك ، والجملة خبر إن في قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } ودخول الفاء لتضمن اسم إن معنى الشرط { وَسَاءتْ } أي جهنم { مَصِيراً } أي مكاناً يصيرون إليه . قوله { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } هو استثناء من الضمير في مأواهم ، وقيل استثناء منقطع لعدم دخول المستضعفين في الموصول وضميره . وقوله { مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ } متعلق بمحذوف ، أي كائنين منهم ، والمراد بالمستضعفين من الرجال الزمني ونحوهم ، والولدان كعياش بن أبي ربيعة ، وسلمة بن هشام ، وإنما ذكر الولدان مع عدم التكليف لهم لقصد المبالغة في أمر الهجرة ، وإيهام أنها تجب لو استطاعها غير المكلف ، فكيف من كان مكلفاً ، وقيل أراد بالولدان المراهقين والمماليك . قوله { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } صفة للمستضعفين ، أو للرجال والنساء ، والولدان ، أوحال من الضمير في المستضعفين . وقيل الحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص ، أي لا يجدون حيلة ، ولا طريقاً إلى ذلك ، وقيل السبيل سبيل المدينة { فَأُوْلَـئِكَ } إشارة إلى المستضعفين الموصوفين بما ذكر { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ } وجيء بكلمة الإطماع لتأكيد أمر الهجرة ، حتى يظن أن تركها ممن لا تجب عليه يكون ذنباً يجب طلب العفو عنه . قوله { وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِى ٱلأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } هذه الجملة متضمنة للترغيب في الهجرة ، والتنشيط إليها . وقوله { فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } فيه دليل على أن الهجرة لا بدّ أن تكون بقصد صحيح ، ونية خالصة غير مشوبة بشيء من أمور الدنيا ، ومنه الحديث الصحيح " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه " وقد اختلف في معنى قوله سبحانه { يَجِدْ فِى ٱلأرْضِ مُرَاغَماً } فقال ابن عباس ، وجماعة من التابعين ، ومن بعدهم المراغم المتحوّل والمذهب . وقال مجاهد المراغم المتزحزح . وقال ابن زيد المراغم المهاجر ، وبه قال أبو عبيدة . قال النحاس فهذه الأقوال متفقة المعاني ، فالمراغم المذهب والمتحول ، وهو الموضع الذي يراغم فيه ، وهو مشتق من الرغام ، وهو التراب ، ورغم أنف فلان ، أي لصق بالتراب ، وراغمت فلاناً هجرته وعاديته ، ولم أبال أن رغم أنفه . وقيل إنما سمي مهاجراً ، لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم ، فسمي خروجه مراغماً ، وسمي مسيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم هجرة . والحاصل في معنى الآية أن المهاجر يجد في الأرض مكاناً يسكن فيه على رغم أنف قومه الذين هاجرهم ، أي على ذلهم وهوانهم . قوله { وسِعَةً } أي في البلاد . وقيل في الرزق ، ولا مانع من حمل السعة على ما هو أعمّ من ذلك . قوله { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـٰجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } قرىء " يدركه " بالجزم على أنه معطوف على فعل الشرط ، وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وبالنصب على إضمار أن . والمعنى أن من أدركه الموت قبل أن يصل إلى مطلوبه ، وهو المكان الذي قصد الهجرة إليه أو الأمر الذي قصد الهجرة له { فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } أي ثبت ذلك عنده ثبوتاً لا يتخلف { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } أي كثير المغفرة { رَّحِيماً } أي كثير الرحمة . وقد استدل بهذه الآية على أن الهجرة واجبة على كل من كان بدار الشرك ، أو بدار يعمل فيها بمعاصي الله جهاراً ، إذا كان قادراً على الهجرة ، ولم يكن من المستضعفين ، لما في هذه الآية الكريمة من العموم ، وإن كان السبب خاصاً ، كما تقدّم . وظاهرها عدم الفرق بين مكان ، ومكان وزمان وزمان . وقد ورد في الهجرة أحاديث ، وورد ما يدلّ على أنه لا هجرة بعد الفتح . وقد أوضحنا ما هو الحقّ في شرحنا على المنتقى ، فليرجع إليه . وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس قال كان قوم من أهل مكة أسلموا ، وكانوا يستخفون بالإسلام ، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر ، فأصيب بعضهم ، وقتل البعض ، فقال المسلمون قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين ، وأكرهوا فاستغفروا لهم ، فنزلت بهم هذه الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ ظَـٰلِمِى أَنفُسِهِمْ } قال فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية ، وأنه لا عذر لهم ، فخرجوا فلحقهم المشركون ، فأعطوهم الفتنة ، فنزلت فيهم هذه الآية { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَا أُوذِىَ فِى ٱللَّهِ } العنكبوت 10 إلى آخر الآية فكتب المسلمون إليهم بذلك ، فحزنوا ، وأيسوا من كل خير ، فنزلت فيهم { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَـٰهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } النحل 110 فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجاً فاخرجوا ، فخرجوا ، فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا ، وقتل من قتل . وقد أخرجه البخاري وغيره عنه مقتصراً على أوله . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة في قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } إلى قوله { وَسَاءتْ مَصِيراً } قال نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والحارث بن ربيعة بن الأسود ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبي العاص بن منبه بن الحجاج ، وعلي بن أمية بن خلف ، قال لما خرج المشركون من قريش وأتباعهم لمنع أبي سفيان بن حرب وعير قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وأن يطلبوا ما نيل منهم يوم نخلة ، خرجوا معهم بشباب كارهين كانوا قد أسلموا ، واجتمعوا ببدر على غير موعد ، فقتلوا ببدر كفاراً ورجعوا عن الإسلام ، وهم هؤلاء الذين سميناهم . وأخرج نحوه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن إسحاق . وقد روي نحو هذا من طرق . وقد أخرج البخاري ، وغيره ، عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ } فقال كنت أنا وأمي من المستضعفين أنا من الولدان ، وأمي من النساء . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } قال قوّة . وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن عكرمة في قوله { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } قال نهوضاً إلى المدينة { وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } قال طريقاً إلى المدينة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن مجاهد نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } قال المراغم المتحوّل من أرض إلى أرض . والسعة الرزق . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { مُرَاغَماً } قال متزحزحاً عما يكره . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطاء في قوله { وسِعَةً } قال ورخاء . وأخرج أيضاً عن مالك قال سعة البلاد . وأخرج أبو يعلى ، وابن أبـي حاتم ، والطبراني قال السيوطي بسند رجاله ثقات عن ابن عباس قال خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجراً ، فقال لقومه احملوني ، فأخرجوني من أرض الشرك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل الوحي { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـٰجِراً إِلَى ٱللَّهِ } الآية . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من وجه آخر ، عنه نحوه . وأخرج ابن سعد ، وأحمد ، والحاكم وصححه ، عن عبد الله بن عتيك قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " من خرج من بيته مجاهداً في سبيل الله ، وأين المجاهدون في سبيل الله ؟ فخرّ عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله ، أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله ، أو مات حتف أنفه ، فقد وقع أجره على الله " ، يعني بحتف أنفه على فراشه ، والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " ومن قتل قعصاً ، فقد استوجب الجنة " وأخرج أبو يعلى ، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ، ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ، ومن خرج غازياً في سبيل الله فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة " قال ابن كثير وهذا حديث غريب من هذا الوجه .