Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 32-38)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } المراد بهؤلاء هم المنافقون ، وقيل أهل الكتاب ، وقيل هم المطعمون يوم بدر من المشركين ، ومعنى صدّهم عن سبيل الله منعهم للناس عن الإسلام ، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم معنى { شَاقُّواْ ٱلرَّسُولَ } عادوه وخالفوه { مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى } أي علموا أنه صلى الله عليه وسلم نبيّ من عند الله بما شاهدوا من المعجزات الواضحة ، والحجج القاطعة { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } بتركهم الإيمان وإصرارهم على الكفر ، وما ضرّوا إلاّ أنفسهم { وَسَيُحْبِطُ أَعْمَـٰلَهُمْ } أي يبطلها ، والمراد بهذه الأعمال ما صورته صورة أعمال الخير كإطعام الطعام ، وصلة الأرحام ، وسائر ما كانوا يفعلونه من الخير ، وإن كانت باطلة من الأصل ، لأن الكفر مانع ، وقيل المراد بالأعمال المكائد التي نصبوها لإبطال دين الله ، والغوائل التي كانوا يبغونها برسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم أمر سبحانه عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله ، فقال { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } فيما أمرتم به من الشرائع المذكورة في كتاب الله وسنة رسوله ثم نهاهم عن أن يبطلوا أعمالهم ، كما أبطلت الكفار أعمالها بالإصرار على الكفر ، فقال { وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـٰلَكُمْ } قال الحسن أي لا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي . وقال الزهري بالكبائر . وقال الكلبي ، وابن جريج بالرياء والسمعة . وقال مقاتل بالمنّ . والظاهر النهي عن كل سبب من الأسباب التي توصل إلى بطلان الأعمال كائناً ما كان من غير تخصيص بنوع معين . ثم بيّن سبحانه أنه لا يغفر للمصرّين على الكفر ، والصدّ عن سبيل الله ، فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } فقيد سبحانه عدم المغفرة بالموت على الكفر لأن باب التوبة وطريق المغفرة لا يغلقان على من كان حياً ، وظاهر الآية العموم وإن كان السبب خاصاً . ثم نهى سبحانه المؤمنين عن الوهن والضعف ، فقال { فَلاَ تَهِنُواْ } أي تضعفوا عن القتال ، والوهن الضعف { وَتَدْعُواْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح ابتداءً منكم ، فإن ذلك لا يكون إلاّ عند الضعف . قال الزجاج منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح ، وأمرهم بحربهم حتى يسلموا . وقرأ أبو عبد الرحمٰن السلمي وتدّعوا بتشديد الدال من ادّعى القوم وتداعوا . قال قتادة معنى الآية لا تكونوا أوّل الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها . واختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة ، أو منسوخة ؟ فقيل إنها محكمة ، وإنها ناسخة لقوله { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } الأنفال 61 وقيل منسوخة بهذه الآية . ولا يخفاك أنه لا مقتضى للقول بالنسخ ، فإن الله سبحانه نهى المسلمين في هذه الآية عن أن يدعوا إلى السلم ابتداءً ، ولم ينه عن قبول السلم إذا جنح إليه المشركون ، فالآيتان محكمتان ، ولم يتواردا على محل واحد حتى يحتاج إلى دعوى النسخ ، أو التخصيص ، وجملة { وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ } في محل نصب على الحال ، أو مستأنفة مقرّرة لما قبلها من النهي ، أي وأنتم الغالبون بالسيف والحجة . قال الكلبي أي آخر الأمر لكم ، وإن غلبوكم في بعض الأوقات ، وكذا جملة قوله { وَٱللَّهُ مَعَكُمْ } في محل نصب على الحال ، أي معكم بالنصر ، والمعونة عليهم { وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ } أي لن ينقصكم شيئًا من ثواب أعمالكم ، يقال وتره يتره وتراً إذا نقصه حقه ، وأصله من وترت الرجل إذا قتلت له قريباً ، أو نهبت له مالاً ، ويقال فلان مأتور إذا قتل له قتيل ، ولم يؤخذ بدمه . قال الجوهري أي لن ينقصكم في أعمالكم ، كما تقول دخلت البيت ، وأنت تريد في البيت . قال الفراء هو مشتق من الوتر وهو الدخل ، وقيل مشتق من الوتر وهو الفرد ، فكأن المعنى ولن يفردكم بغير ثواب . { إِنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } أي باطل وغرور لا أصل لشيء منها ، ولا ثبات له ولا اعتداد به { وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ } أي إن تؤمنوا بالله ، وتتقوا الكفر والمعاصي يؤتكم جزاء ذلك في الآخرة ، والأجر الثواب على الطاعة { وَلاَ يَسْـئَلْكُمْ أَمْوٰلَكُمْ } أي لا يأمركم بإخراجها جميعها في الزكاة وسائر وجوه الطاعات ، بل أمركم بإخراج القليل منها ، وهو الزكاة . وقيل المعنى لا يسألكم أموالكم إنما يسألكم أمواله لأنه أملك لها ، وهو المنعم عليكم بإعطائها . وقيل لا يسألكم أموالكم أجراً على تبليغ الرسالة ، كما في قوله { ومَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } الشعراء 109 والأوّل أولى . { ؤإِن يَسْـئَلْكُمُوهَا } أي أموالكم كلها { فَيُحْفِكُمْ } قال المفسرون يجهدكم ، ويلحف عليكم بمسألة جميعها ، يقال أحفى بالمسألة وألحف وألح بمعنى واحد ، والمحفي المستقصي في السؤال ، والإحفاء الاستقصاء في الكلام ، ومنه إحفاء الشارب ، أي استئصاله ، وجواب الشرط قوله { تَبْخَلُواْ } أي إن يأمركم بإخراج جميع أموالكم تبخلوا بها ، وتمتنعوا من الامتثال { وَيُخْرِجْ أَضْغَـٰنَكُمْ } معطوف على جواب الشرط ، ولهذا قرأ الجمهور { يخرج } بالجزم وروي عن يعقوب الحضرمي أنه قرأ بالنون ، وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وابن محيصن ، وحميد بالفوقية المفتوحة مع ضم الراء . وعلى قراءة الجمهور ، فالفاعل ضمير يعود إلى الله سبحانه ، أو إلى البخل المدلول عليه بتبخلوا . والأضغان الأحقاد ، والمعنى أنها تظهر عند ذلك . قال قتادة قد علم الله أن في سؤال المال خروج الأضغان . { هَاأَنتُمْ هَـؤُلاَء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي ها أنتم هؤلاء أيها المؤمنون تدعون لتنفقوا في الجهاد وفي طريق الخير { فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ } بما يطلب منه ، ويدعى إليه من الإنفاق في سبيل الله ، وإذا كان منكم من يبخل باليسير من المال ، فكيف لا تبخلون بالكثير وهو جميع الأموال ؟ ثم بيّن سبحانه أن ضرر البخل عائد على النفس فقال { وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } أي يمنعها الأجر والثواب ببخله ، وبخل يتعدى بعلى تارة وبعن أخرى . وقيل إن أصله أن يتعدى بعلى ، ولا يتعدى بعن إلاّ إذا ضمن معنى الإمساك { وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ } المطلق المتنزّه عن الحاجة إلى أموالكم { وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء } إلى الله ، وإلى ما عنده من الخير والرحمة ، وجملة { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } معطوفة على الشرطية المتقدّمة ، وهي { وإن تؤمنوا } ، والمعنى وإن تعرضوا عن الإيمان والتقوى ، يستبدل قوماً آخرين يكونون مكانكم هم أطوع لله منكم { ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم } في التولي عن الإيمان والتقوى . قال عكرمة هم فارس ، والروم . وقال الحسن هم العجم . وقال شريح بن عبيد هم أهل اليمن ، وقيل الأنصار ، وقيل الملائكة ، وقيل التابعون . وقال مجاهد هم من شاء الله من سائر الناس . قال ابن جرير والمعنى { ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم } في البخل بالإنفاق في سبيل الله . وقد أخرج عبد بن حميد ، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة ، وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضرّ مع لا إلٰه إلاّ الله ذنب ، كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت { أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـٰلَكُمْ } فخافوا أن يبطل الذنب العمل ، ولفظ عبد بن حميد فخافوا الكبائر أن تحبط أعمالهم . وأخرج ابن نصر ، وابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عمر قال كنا معشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلاّ مقبول حتى نزلت { أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـٰلَكُمْ } فلما نزلت هذه الآية قلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا ؟ فقلنا الكبائر الموجبات والفواحش ، فكنا إذا رأينا من أصاب شيئًا منها قلنا قد هلك ، حتى نزلت هذه الآية { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } النساء 48 فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك . وكنا إذا رأينا أحداً أصاب منها شيئًا خفنا عليه ، وإن لم يصب منها شيئًا رجوناه . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { يَتِرَكُمْ } قال يظلمكم . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابي هريرة قال لما نزلت { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } قالوا من هؤلاء ؟ وسلمان إلى جانب النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال هم الفرس ، هذا وقومه . وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي وقد تفرّد به ، وفيه مقال معروف . وأخرجه عنه عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في الأوسط ، والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } فقالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ، ثم لا يكونوا أمثالنا ؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان ، ثم قال " هذا وقومه ، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس " ، وفي إسناده أيضاً مسلم بن خالد الزنجي . وأخرج ابن مردويه من حديث جابر نحوه .