Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 17-18)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ضمير الفصل في قوله { هُوَ ٱلْمَسِيحُ } يفيد الحصر قيل وقد قال بذلك بعض طوائف النصارى وقيل لم يقل به أحد منهم ، ولكن استلزم قولهم { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ } لا غيره ، وقد تقدّم في آخر سورة النساء ما يكفي ويغني عن التكرار . قوله { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } الاستفهام للتوبيخ والتقريع ، والملك ، والملك الضبط والحفظ والقدرة ، من قولهم ملكت على فلان أمره أي قدرت عليه ، أي فمن يقدر أن يمنع { إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِى ٱلأرْضِ جَمِيعاً } وإذا لم يقدر أحد أن يمنع من ذلك ، فلا إله إلا الله ، ولا ربّ غيره ، ولا معبود بحق سواه ، ولو كان المسيح إلهاً كما تزعم النصارى ، لكان له من الأمر شيء ، ولقدر على أن يدفع عن نفسه أقلّ حال ، ولم يقدر على أن يدفع عن أمه الموت عند نزوله بها ، وتخصيصها بالذكر مع دخولها في عموم من في الأرض ، لكون الدفع منه عنها أولى وأحق من غيرها ، فهو إذا لم يقدر على الدفع عنها ، أعجز عن أن يدفع عن غيرها ، وذكر { من في الأرض } للدلالة على شمول قدرته ، وأنه إذا أراد شيئاً كان لا معارض له في أمره ، ولا مشارك له في قضائه { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي ما بين النوعين من المخلوقات . قوله { يَخْلُقُ مَا يَشَاء } جملة مستأنفة مسوقة لبيان أنه سبحانه خالق الخلق بحسب مشيئته ، وأنه يقدر على كل شيء لا يستصعب عليه شيء . قوله { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } أثبتت اليهود لأنفسها ما أثبتته لعزير ، حيث قالوا { عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ } التوبة 30 وأثبتت النصارى لأنفسها ما أثبتته للمسيح حيث قالوا { ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } التوبة 30 وقيل هو على حذف مضاف أي نحن أتباع أبناء الله ، وهكذا أثبتوا لأنفسهم أنهم أحباء الله بمجرد الدعوى الباطلة والأماني العاطلة ، فأمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يردّ عليهم ، فقال { قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم } أي إن كنتم كما تزعمون ، فما باله يعذبكم بما تقترفونه من الذنوب بالقتل ، والمسخ ، وبالنار في يوم القيامة كما تعترفون بذلك ، لقولكم { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } التوبة 8 فإن الابن من جنس أبيه لا يصدر عنه ما يستحيل على الأب وأنتم تذنبون ، والحبيب لا يعذب حبيبه وأنتم تعذبون ، فهذا يدلّ على أنكم كاذبون في هذه الدعوى . وهذا البرهان هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف . قوله { بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } عطف على مقدّر يدلّ عليه الكلام أي فلستم حينئذ كذلك ، { بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } أي من جنس من خلقه الله تعالى يحاسبهم على الخير والشرّ ، ويجازي كل عامل بعمله { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } من الموجودات { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } أي تصيرون إليه عند انتقالكم من دار الدنيا إلى دار الآخرة . وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو وشاس بن عدّي فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله ، وحذرهم نقمته ، فقالوا ما تخوّفنا يا محمد نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ كقول النصارى فأنزل الله فيهم { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ } إلى آخر الآية . وأخرج أحمد في مسنده عن أنس قال مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه وصبيّ في الطريق ، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ ، فأقبلت تسعى وتقول ، ابني ابني ، فسعت فأخذته ، فقال القوم يا رسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا ، والله لا يلقي حبيبه في النار " وإسناده في المسند هكذا حدّثنا ، ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس فذكره . ومعنى الآية يشير إلى معنى هذا الحديث ، ولهذا قال بعض مشايخ الصوفية لبعض الفقهاء أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه ؟ فلم يردّ عليه ، فتلا الصوفيّ هذه الآية ، وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا ، والله لا يعذب الله حبيبه ، ولكن قد يبتليه في الدنيا " وأخرج ابن جرير عن السدّي في قوله { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء } يقول يهدي منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له ، ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذبه .