Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 1-6)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْض } أي نزّهه ومجده . قال المقاتلان يعني كل شيء من ذي روح وغيره ، وقد تقدّم الكلام في تسبيح الجمادات عند تفسير قوله { وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } الإسراء 44 والمراد بالتسبيح المسند إلى ما في السمٰوات والأرض من العقلاء وغيرهم ، والحيوانات والجمادات هو ما يعم التسبيح بلسان المقال كتسبيح الملائكة والإنس والجنّ ، وبلسان الحال كتسبيح غيرهم ، فإن كل موجود يدل على الصانع . وقد أنكر الزجاج أن يكون تسبيح غير العقلاء هو تسبيح الدلالة وقال لو كان هذا تسبيح الدلالة ، وظهور آثار الصنعة لكانت مفهومة ، فلم قال { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } وإنما هو تسبيح مقال ، واستدل بقوله { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودُ ٱلْجِبَالَ يُسَبّحْنَ } الأنبياء 79 فلو كان هذا التسبيح من الجبال تسبيح دلالة لم يكن لتخصيص داود فائدة ، وفعل التسبيح قد يتعدّى بنفسه تارة ، كما في قوله { وَسَبّحُوهُ } الأحزاب 42 وباللام أخرى كهذه الآية ، وأصله أن يكون متعدياً بنفسه لأن معنى سبحته بعدته عن السوء ، فإذا استعمل باللام ، فهي إما مزيدة للتأكيد ، كما في شكرته ، وشكرت له ، أو هي للتعليل ، أي افعل التسبيح لأجل الله سبحانه خالصاً له ، وجاء هذا الفعل في بعض الفواتح ماضياً كهذه الفاتحة ، وفي بعضها مضارعاً ، وفي بعضها أمراً للإشارة إلى أن هذه الأشياء مسبحة في كل الأوقات لا يختصّ تسبيحها بوقت دون وقت ، بل هي مسبحة أبداً في الماضي ، وستكون مسبحة أبداً في المستقبل ، { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي القادر الغالب الذي لا ينازعه أحد ، ولا يمانعه ممانع كائناً ما كان { ٱلْحَكِيمُ } الذي يفعل أفعال الحكمة والصواب . { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْض } يتصرّف فيه وحده ، ولا ينفذ غير تصرّفه وأمره ، وقيل أراد خزائن المطر والنبات ، وسائر الأرزاق { يحيى ويميت } الفعلان في محل رفع على أنهما خبر لمبتدأ محذوف ، أو في محل نصب على الحال من ضمير له ، أو كلام مستأنف ، لبيان بعض أحكام الملك ، والمعنى أنه يحيـي في الدنيا ويميت الأحياء ، وقيل يحيـي النطف وهي موات ، ويميت الأحياء ، وقيل يحيـي الأموات للبعث { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } لا يعجزه شيء كائناً ما كان . { هُوَ ٱلاْوَّلُ } قبل كل شيء { وَٱلآخِرُ } بعد كل شيء ، أي الباقي بعد فناء خلقه { وَٱلظَّـٰهِرُ } العالي الغالب على كل شيء ، أو الظاهر وجوده بالأدلة الواضحة { وَٱلْبَـٰطِنُ } أي العالم بما بطن ، من قولهم فلان يبطن أمر فلان ، أي يعلم داخلة أمره ، ويجوز أن يكون المعنى المحتجب عن الأبصار ، والعقول ، وقد فسّر هذه الأسماء الأربعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما سيأتي ، فيتعين المصير إلى ذلك { وَهُوَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } لا يعزب عن علمه شيء من المعلومات . { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } هذا بيان لبعض ملكه للسمٰوات والأرض . وقد تقدّم تفسيره في سورة الأعراف وفي غيرها مستوفي { يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِى ٱلاْرْضِ } أي يدخل فيها من مطر وغيره { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من نبات وغيره { وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاء } من مطر وغيره { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } أي يصعد إليها من الملائكة ، وأعمال العباد ، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة سبأ { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ } أي بقدرته ، وسلطانه ، وعلمه ، وهذا تمثيل للإحاطة بما يصدر منهم أينما داروا في الأرض من برّ وبحر { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } لا يخفى عليه من أعمالكم شيء { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْض } هذا التكرير للتأكيد { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأمُورُ } لا إلى غيره . قرأ الجمهور { ترجع } مبنياً للمفعول . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وابن عامر على البناء للفاعل . { يُولِجُ ٱلَّيْلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيْلِ } قد تقدّم تفسير هذا في سورة آل عمران ، وفي مواضع { وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي بضمائر الصدور ومكنوناتها ، لا يخفى عليه من ذلك خافية . وقد أخرج ابن أبي شيبة ، ومسلم ، والترمذي ، والبيهقي ، عن أبي هريرة قال جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً ، فقال قولي " اللَّهمّ ربّ السمٰوات السبع ، ورب العرش العظيم ، وربنا وربّ كل شيء ، منزل التوراة والإنجيل والفرقان ، فالق الحبّ والنوى ، أعوذ بك من شرّ كل شيء أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول ، فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر ، فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر ، فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن ، فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين ، وأغننا من الفقر " وأخرج أحمد ، ومسلم ، وغيرهما من حديث أبي هريرة من وجه آخر مرفوعاً مثل هذا في الأربعة الأسماء المذكورة ، وتفسيرها . وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عمر وأبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " لا يزال الناس يسألون عن كل شيء حتى يقولوا هذا الله كان قبل كل شيء ، فماذا كان قبل الله ؟ فإن قالوا لكم ذلك ، فقولوا هو الأوّل قبل كل شيء ، والآخر فليس بعده شيء ، وهو الظاهر فوق كل شيء ، وهو الباطن دون كل شيء ، وهو بكل شيء عليم " وأخرج أبو داود عن أبي زميل قال سألت ابن عباس ، فقلت ما شيء أجده في صدري ، قال ما هو ؟ قلت والله لا أتكلم به ، قال فقال لي أشيء من شك ؟ قال ، وضحك ، قال ما نجا من ذلك أحد ، قال حتى أنزل الله { فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءونَ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكَ } الآية يونس 94 قال وقال لي إذا وجدت في نفسك شيئًا فقل { هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم } . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنتُمْ } قال عالم بكم أينما كنتم .