Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 40-45)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { أَرَأَيْتُكُم } الكاف والميم عند البصريين للخطاب ، ولا حظ لهما في الإعراب ، وهو اختيار الزجاج . وقال الكسائي والفراء وغيرهما إن الكاف والميم في محل نصب بوقوع الرؤية عليهما . والمعنى أرأيتم أنفسكم . قال في الكشاف مرجحاً للمذهب الأوّل إنه لا محل للضمير الثاني ، يعني الكاف من الإعراب ، لأنك تقول أرأيتك زيداً ما شأنه ، فلو جعلت للكاف محلا لكنت كأنك تقول أرأيت نفسك زيداً ما شأنه ، وهو خلف من القول انتهى . والمعنى أخبروني { إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ } كما أتى غيركم من الأمم { أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ } أي القيامة { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ } هذا على طريقة التبكيت والتوبيخ ، أي أتدعون غير الله في هذه الحالة من الأصنام التي تعبدونها ، أم تدعون الله سبحانه ؟ وقوله { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } تأكيد لذلك التوبيخ ، أي أغير الله من الأصنام تدعون إن كنتم صادقين أن أصنامكم تضرّ وتنفع ، وأنها آلهة كما تزعمون . قوله { بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ } معطوف على منفيّ مقدّر ، أي لا تدعون غيره ، بل إياه تخصون بالدعاء { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ } أي فيكشف عنكم ما تدعونه إلى كشفه إن شاء أن يكشفه عنكم لا إذا لم يشأ ذلك . قوله { وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } أي وتنسون عند أن يأتيكم العذاب ما تشركون به تعالى ، أي ما تجعلونه شريكاً له من الأصنام ونحوها فلا تدعونها ، ولا ترجون كشف ما بكم منها ، بل تعرضون عنها إعراض الناس . وقال الزجاج يجوز أن يكون المعنى وتتركون ما تشركون . قوله { وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ } كلام مبتدأ مسوق لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم ، أي ولقد أرسلنا إلى أمم كائنة من قبلك رسلاً فكذبوهم { فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء } أي البؤس والضرّ . وقيل البأساء المصائب في الأموال ، والضراء المصائب في الأبدان ، وبه قال الأكثر { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } أي يدعون الله بضراعة ، مأخوذ من الضراعة وهي الذلّ ، يقال ضرع فهو ضارع ، ومنه قول الشاعر @ ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح @@ قوله { فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ } أي فهلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا لكنهم لم يتضرعوا ، وهذا عتاب لهم على ترك الدعاء في كل الأحوال حتى عند نزول العذاب بهم لشدة تمرّدهم وغلوّهم في الكفر ، ويجوز أن يكون المعنى أنهم تضرّعوا عند أن نزل بهم العذاب ، وذلك تضرّع ضروري لم يصدر عن إخلاص ، فهو غير نافع لصاحبه ، والأول أولى ، كما يدل عليه { وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي صلبت وغلظت { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } أي أغواهم بالتصميم على الكفر والاستمرار على المعاصي . قوله { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } أي تركوا ما ذكروا به ، أو أعرضوا عما ذكروا به ، لأن النسيان لو كان على حقيقته لم يؤاخذوا به ، إذ ليس هو من فعلهم ، وبه قال ابن عباس ، وابن جريج ، وأبو علي الفارسي . والمعنى أنهم لما تركوا الاتعاظ بما ذكروا به من البأساء والضرّاء وأعرضوا عن ذلك { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء } أي لما نسوا ما ذكروا به استدرجناهم بفتح أبواب كل نوع من أنواع الخير عليهم { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ } من الخير على أنواعه فرح بطر وأشر وأعجبوا بذلك وظنوا أنهم إنما أعطوه لكون كفرهم الذي هم عليه حقاً وصواباً { أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً } أي فجأة وهم غير مترقبين لذلك والبغتة الأخذ على غرّة من غير تقدمة أمارة ، وهي مصدر في موضع الحال ، لا يقاس عليها عند سيبويه . قوله { فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } المبلس الحزين الآيس من الخير لشدّة ما نزل به من سوء الحال ، ومن ذلك اشتق اسم إبليس ، يقال أبلس الرجل إذا سكت ، وأبلست الناقة إذا لم ترع . قال العجاج @ صاح هل تعرف رسما مكرسا قال نعم أعرفه وأبلسا @@ أي تحول لهول ما رأى ، والمعنى فإذا هم محزونون متحيرون آيسون من الفرح . قوله { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } الدابر الآخر ، يقال دبر القوم يدبرهم دبراً إذا كان آخرهم في المجيء ، والمعنى أنه قطع آخرهم أي استؤصلوا جميعاً حتى آخرهم . قال قطرب يعني أنهم استؤصلوا وأهلكوا . قال أمية بن أبي الصلت @ فأهلكوا بعذاب حص دابرهم فما استطاعوا له صرفاً ولا انتصروا @@ ومنه التدبير لأنه إحكام عواقب الأمور . قوله { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي على هلاكهم ، وفيه تعليم للمؤمنين كيف يحمدونه سبحانه عند نزول النعم التي من أجلها هلاك الظلمة الذين يفسدون في الأرض ، ولا يصلحون ، فإنهم أشدّ على عباد الله من كل شديد ، اللهم أرح عبادك المؤمنين من ظلم الظالمين ، واقطع دابرهم ، وأبدلهم بالعدل الشامل لهم . وقد أخرج أبو الشيخ ، عن سعيد بن جبير ، في قوله { فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء } قال خوف السلطان وغلاء السعر . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } قال يعني تركوا ما ذكروا به . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن جريج { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } قال ما دعاهم الله إليه ورسله ، أبوه وردّوه عليهم . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء } قال رخاء الدنيا ويسرها . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن السدي ، في قوله { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ } قال من الرزق { أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } قال مهلكون متغير حالهم { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } يقول فقطع أصل الذين ظلموا . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن محمد بن النضر الحارثي في قوله { أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً } قال أمهلوا عشرين سنة ، ولا يخفى أن هذا مخالف لمعنى البغتة لغة ومحتاج إلى نقل عن الشارع ، وإلا فهو كلام لا طائل تحته . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد قال المبلس المجهود المكروب الذي قد نزل به الشرّ الذي لا يدفعه ، والمبلس أشدّ من المستكين ، وفي قوله { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } قال استؤصلوا .