Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 9-12)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّـٰرَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } أي بالسيف والحجة ، وقد تقدّم الكلام على هذه الآية في سورة براءة { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } أي شدّد عليهم في الدعوة ، واستعمل الخشونة في أمرهم بالشرائع . قال الحسن أي جاهدهم بإقامة الحدود عليهم ، فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } أي مصيرهم إليها ، يعني الكفار والمنافقين { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي المرجع الذي يرجعون إليه . { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } قد تقدّم غير مرّة أن المثل قد يراد به إيراد حالة غريبة يعرف بها حالة أخرى مماثلة لها في الغرابة ، أي جعل الله مثلاً لحال هؤلاء الكفرة ، وأنه لا يغني أحد عن أحد { ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ } هذا هو المفعول الأوّل ، و { مثلاً } المفعول الثاني حسبما قدّمنا تحقيقه ، وإنما أخر ليتصل به ما هو تفسير له ، وإيضاح لمعناه { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَـٰلِحَيْنِ } وهما نوح ولوط ، أي كانتا في عصمة نكاحهما { فَخَانَتَاهُمَا } أي فوقعت منهما الخيانة لهما . قال عكرمة ، والضحاك بالكفر ، وقيل كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون ، وكانت امرأة لوط تخبر قومه بأضيافه ، وقد وقع الإجماع على أنه ما زنت امرأة نبيّ قطّ . وقيل كانت خيانتهما النفاق ، وقيل خانتاهما بالنميمة { فَلَمْ يُغْنِينَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي فلم ينفعهما نوح ولوط بسبب كونهما زوجتين لهما شيئًا من النفع ، ولا دفعا عنهما من عذاب الله مع كرامتهما على الله شيئًا من الدفع { وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدخِلِينَ } أي وقيل لهما في الآخرة ، أو عند موتهما ادخلا النار مع الداخلين لها من أهل الكفر والمعاصي . وقال يحيى بن سلام ضرب الله مثلاً للذين كفروا يحذر به عائشة وحفصة من المخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين تظاهرتا عليه . وما أحسن من قال فإن ذكر امرأتي النبيين بعد ذكر قصتهما ومظاهرتهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يرشد أتمّ إرشاد ، ويلوّح أبلغ تلويح إلى أن المراد تخويفهما مع سائر أمهات المؤمنين ، وبيان أنهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق الله وخاتم رسله ، فإن ذلك لا يغني عنهما من الله شيئًا ، وقد عصمهما الله عن ذنب تلك المظاهرة بما وقع منهما من التوبة الصحيحة الخالصة . { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ امرأة فِرْعَوْنَ } الكلام في هذا كالكلام في المثل الذي قبله أي جعل الله حال امرأة فرعون مثلاً لحال المؤمنين ترغيباً لهم في الثبات على الطاعة والتمسك بالدين ، والصبر في الشدّة ، وأن صولة الكفر لا تضرّهم ، كما لم تضر امرأة فرعون ، وقد كانت تحت أكفر الكافرين ، وصارت بإيمانها بالله في جنات النعيم { إِذْ قَالَتْ رَبّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى ٱلْجَنَّةِ } الظرف متعلق بضرب ، أو بمثلاً ، أي ابن لي بيتاً قريباً من رحمتك ، أو في أعلى درجات المقربين منك ، أو في مكان لا يتصرّف فيه إلاّ بإذنك ، وهو الجنة { وَنَجّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ } أي من ذاته وما يصدر عنه من أعمال الشرّ { وَنَجّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } قال الكلبي هم أهل مصر . وقال مقاتل هم القبط . قال الحسن ، وابن كيسان نجاها الله أكرم نجاة ، ورفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب . { وَمَرْيَمَ ٱبْنَت عِمْرَانَ ٱلَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } معطوف على امرأة فرعون ، أي وضرب الله مثلاً للذين آمنوا مريم ابنة عمران ، أي حالها وصفتها ، وقيل إن الناصب لمريم فعل مقدّر أي واذكر مريم ، والمقصود من ذكرها أن الله سبحانه جمع لها بين كرامة الدنيا والآخرة ، واصطفاها على نساء العالمين مع كونها بين قوم كافرين { ٱلَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } أي عن الفواحش ، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة النساء . قال المفسرون المراد بالفرج هنا الجيب لقوله { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } وذلك أن جبريل نفخ في جيب درعها فحبلت بعيسى { وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَـٰتِ رَبَّهَا } يعني شرائعه التي شرعها لعباده ، وقيل المراد بالكلمات هنا هو قول جبريل لها { إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ } الآية مريم 19 . وقال مقاتل يعني بالكلمات عيسى . قرأ الجمهور { وصدّقت } بالتشديد ، وقرأ حمزة الأموي ، ويعقوب ، وقتادة ، وأبو مجلز ، وعاصم في رواية عنه بالتخفيف . وقرأ الجمهور { بكلمات } بالجمع ، وقرأ الحسن ، ومجاهد ، والجحدري بكلمة بالإفراد . وقرأ الجمهور وكتابه بالإفراد ، وقرأ أهل البصرة ، وحفص { كتبه } بالجمع ، والمراد على قراءة الجمهور الجنس ، فيكون في معنى الجمع ، وهي الكتب المنزلة على الأنبياء { وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَـٰنِتِينَ } قال قتادة من القوم المطيعين لربهم . وقال عطاء من المصلين ، كانت تصلي بين المغرب والعشاء ، ويجوز أن يراد بالقانتين رهطها وعشيرتها الذين كانت منهم ، وكانوا مطيعين أهل بيت صلاح وطاعة ، وقال { من القانتين } ، ولم يقل " من القانتات " لتغليب الذكور على الإناث . وقد أخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله { فَخَانَتَاهُمَا } قال ما زنتا أما خيانة امرأة نوح ، فكانت تقول للناس إنه مجنون وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل على الضيف ، فتلك خيانتهما . وأخرج ابن المنذر عنه قال ما بغت امرأة نبيّ قط ، وقد رواه ابن عساكر مرفوعاً . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب عن سلمان قال كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس ، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها ، وكانت ترى بيتها في الجنة . وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة أن فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد ، وأضجعها على ظهرها ، وجعل على صدرها رحى ، واستقبل بها عين الشمس ، فرفعت رأسها إلى السماء ، فقَالَت { رَبّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى ٱلْجَنَّةِ } إلى قوله { مِنَ ٱلْظَّـٰلِمِينَ } ففرج الله لها عن بيتها في الجنة فرأته . وأخرج أحمد ، والطبراني ، والحاكم ، وصححه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون مع ما قص الله علينا من خبرها في القرآن قالت { رَبّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً } " الآية . وفي الصحيحين ، وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلاّ آسية امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " وأخرج وكيع في الغرر عن ابن عباس في قوله { وَنَجّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ } قال من جماعته .