Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 84, Ayat: 1-25)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { إِذَا ٱلسَّمَاء ٱنشَقَّتْ } هو كقوله { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوّرَتْ } التكوير 1 في إضمار الفعل وعدمه . قال الواحدي قال المفسرون انشقاقها عن علامات القيامة ، ومعنى انشقاقها انفطارها بالغمام الأبيض ، كما في قوله { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَاء بِٱلْغَمَـٰمِ } الفرقان 25 وقيل تنشقّ من المجرّة ، والمجرّة باب السماء . واختلف في جواب إذا ، فقال الفرّاء إنه أذنت ، والواو زائدة ، وكذلك ألقت . قال ابن الأنباري هذا غلط ، لأن العرب لا تقحم الواو إلا مع حتى إذا كقوله { حَتَّىٰ إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوٰبُهَا } الزمر 1 ومع لما ، كقوله { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَـٰدَيْنَـٰهُ } الصافات 103 ، 104 ولا تقحم مع غير هذين . وقيل إن الجواب قوله { فَمُلَـٰقِيهِ } أي فأنت ملاقيه ، وبه قال الأخفش . وقال المبرد إن في الكلام تقديماً وتأخيراً أي يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً ، فملاقيه إذا السماء انشقت . وقال المبرد أيضاً إن الجواب قوله { فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } وبه قال الكسائي ، والتقدير إذا السماء انشقت ، فمن أوتي كتابه بيمينه ، فحكمه كذا ، وقيل هو { يا أيها ٱلإِنسَـٰنَ } على إضمار الفاء ، وقيل إنه { يا أيها ٱلإِنسَـٰنَ } على إضمار القول أي يقال له يا أيها الإنسان وقيل الجواب محذوف تقديره بعثتم ، أو لاقى كلّ إنسان عمله ، وقيل هو ما صرّح به في سورة التكوير أي علمت نفس هذا ، على تقدير أن إذا شرطية ، وقيل ليست بشرطية وهي منصوبة بفعل محذوف أي اذكر ، أو هي مبتدأ ، وخبرها إذا الثانية ، والواو مزيدة ، وتقديره وقت انشقاق السماء وقت مدّ الأرض ، ومعنى { وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا } أنها أطاعته في الانشقاق من الإذن ، وهو الاستماع للشيء والإصغاء إليه { وَحُقَّتْ } أي وحقّ لها أن تطيع وتنقاد وتسمع ، ومن استعمال الإذن في الاستماع قول الشاعر @ صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا @@ وقول الآخر @ إن يأذنوا ريبة طاروا بها فرحا مني وما أذنوا من صالح دفنوا @@ وقيل المعنى وحقق الله عليها الاستماع لأمره بالانشقاق أي جعلها حقيقة بذلك . قال الضحاك { حقت } أطاعت ، وحقّ لها أن تطيع ربها لأنه خلقها ، يقال فلان محقوق بكذا ، ومعنى طاعتها أنها لا تمتنع مما أراده الله بها . قال قتادة حقّ لها أن تفعل ذلك ، ومن هذا قول كثير @ فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا وحقت لها العتبى لدينا وقلت @@ { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ } أي بسطت كما تبسط الأدم ودكت جبالها حتى صارت قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً . قال مقاتل سوّيت كمدّ الأديم ، فلا يبقى عليها بناء ولا جبل إلا دخل فيها ، وقيل مدّت زيد في سعتها ، من المدد ، وهو الزيادة . { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا } أي أخرجت ما فيها من الأموات والكنوز ، وطرحتهم إلى ظهرها { وَتَخَلَّتْ } من ذلك . قال سعيد بن جبير ألقت ما في بطنها من الموتى ، وتخلت ممن على ظهرها من الأحياء ، ومثل هذا قوله { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } الزلزلة 2 { وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا } أي سمعت وأطاعت لما أمرها من الإلقاء والتخلي { وَحُقَّتْ } أي وجعلت حقيقة بالاستماع لذلك والانقياد له . وقد تقدّم بيان معنى الفعلين قبل هذا { يا أيّها ٱلإِنسَـٰنَ } المراد جنس الإنسان ، فيشمل المؤمن والكافر ، وقيل هو الإنسان الكافر ، والأوّل أولى لما سيأتي من التفصيل { إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبّكَ كَدْحاً } الكدح في كلام العرب السعي في الشيء بجهد من غير فرق بين أن يكون ذلك الشيء خيراً أو شرّاً ، والمعنى أنك ساع إلى ربك في عملك ، أو إلى لقاء ربك ، مأخوذ من كدح جلده إذا خدشه . قال ابن مقبل @ وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح @@ قال قتادة ، والضحاك ، والكلبي عامل لربك عملاً { فَمُلَـٰقِيهِ } أي فملاق عملك ، والمعنى أنه لا محالة ملاق لجزاء عمله ، وما يترتب عليه من الثواب والعقاب . قال القتيبي معنى الآية إنك كادح أي عامل ناصب في معيشتك إلى لقاء ربك ، والملاقاة بمعنى اللقاء أي تلقى ربك بعملك ، وقيل فملاق كتاب عملك لأن العمل قد انقضى { فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } وهم المؤمنون { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } لا مناقشة فيه . قال مقاتل لأنها تغفر ذنوبه ، ولا يحاسب بها . وقال المفسرون هو أن تعرض عليه سيئاته ، ثم يغفرها الله ، فهو الحساب اليسير { وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } أي وينصرف بعد الحساب اليسير إلى أهله الذين هم في الجنة من عشيرته ، أو إلى أهله الذين كانوا له في الدنيا من الزوجات والأولاد ، وقد سبقوه إلى الجنة ، أو إلى من أعدّه الله له في الجنة من الحور العين ، والولدان المخلدين ، أو إلى جميع هؤلاء مسروراً مبتهجاً بما أوتي من الخير والكرامة . { وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ } قال الكلبي لأن يمينه مغلولة إلى عنقه ، وتكون يده اليسرى خلفه . وقال قتادة ، ومقاتل تفك ألواح صدره وعظامه ، ثم تدخل يده وتخرج من ظهره ، فيأخذ كتابه كذلك { فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً } أي إذا قرأ كتابه قال يا ويلاه يا ثبوراه ، والثبور الهلاك { وَيَصْلَىٰ سَعِيراً } أي يدخلها ، ويقاسي حرّ نارها وشدّتها . قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، وعاصم بفتح الياء ، وسكون الصاد ، وتخفيف اللام . وقرأ الباقون بضم الياء ، وفتح اللام ، وتشديدها ، وروى إسماعيل المكي عن ابن كثير ، وكذلك خارجة عن نافع ، وكذلك روى إسماعيل المكي عن ابن كثير أنهم قرؤوا بضم الياء ، وإسكان الصاد من أصلى يصلى { إِنَّهُ كَانَ فِى أَهْلِهِ مَسْرُوراً } أي كان بين أهله في الدنيا مسروراً باتباع هواه ، وركوب شهوته بطراً أشراً لعدم خطور الآخرة بباله ، والجملة تعليل لما قبلها ، وجملة { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } تعليل لكونه كان في الدنيا في أهله مسروراً ، والمعنى أن سبب ذلك السرور ظنه بأنه لا يرجع إلى الله ، ولا يبعث للحساب والعقاب لتكذيبه بالبعث ، وجحده للدار الآخرة ، و " أن " في قوله { أَن لَّن يَحُورَ } هي المخففة من الثقيلة سادّة مع ما في حيزها مسدّ مفعولي ظنّ ، والحور في اللغة الرجوع ، يقال حار يحور إذا رجع ، وقال الراغب الحور التردّد في الأمر ، ومنه نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من التردّد في الأمر بعد المضيّ فيه ، ومحاورة الكلام مراجعته ، والمحار المرجع والمصير . قال عكرمة ، وداود بن أبي هند يحور كلمة بالحبشية ، ومعناها يرجع . قال القرطبي الحور في كلام العرب الرجوع ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور " يعني من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة ، وكذلك الحور بالضم ، وفي المثل ، حور في محار أي نقصان في نقصان ، ومنه قول الشاعر @ والذم يبقى وزاد القوم في حور @@ والحور أيضاً الهلكة ، ومنه قول الراجز @ في بئر لا حور سرى وما شعر @@ قال أبو عبيدة أي في بئر حور ، ولا زائدة . { بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } بلى إيجاب للمنفيّ بلن أي بلى ليحورنّ وليبعثنّ . ثم علل ذلك بقوله { إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } أي كان به وبأعماله عالماً لا يخفى عليه منها خافية . قال الزجاج كان به بصيراً قبل أن يخلقه عالماً بأن مرجعه إليه . { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } " لا " زائدة ، كما تقدّم في أمثال هذه العبارة ، وقد قدّمنا الاختلاف فيها في سورة القيامة ، فارجع إليه ، والشفق الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس إلى وقت صلاة العشاء الآخرة . قال الواحدي هذا قول المفسرين ، وأهل اللغة جميعاً . قال الفراء سمعت بعض العرب يقول عليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق ، وكان أحمر ، وحكاه القرطبي عن أكثر الصحابة ، والتابعين والفقهاء . وقال أسد بن عمر ، وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه إنه البياض ، ولا وجه لهذا القول ، ولا متمسك له لا من لغة العرب ولا من الشرع . قال الخليل الشفق الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة . قال في الصحاح الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أوّل الليل إلى قريب العتمة ، وكتب اللغة والشرع مطبقة على هذا ، ومنه قول الشاعر @ قم يا غلام أعنى غير مرتبك على الزمان بكأس حشوها شفق @@ وقال آخر @ أحمر اللون كحمرة الشفق @@ وقال مجاهد الشفق النهار كله ألا تراه قال { وَٱلَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } وقال عكرمة هو ما بقي من النهار ، وإنما قالا هذا لقوله بعده { وَٱلَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } فكأنه تعالى أقسم بالضياء والظلام ، ولا وجه لهذا ، على أنه قد روي عن عكرمة أنه قال الشفق الذي يكون بين المغرب والعشاء ، وروي عن أسد بن عمر الرجوع { وَٱلَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } الوسق عند أهل اللغة ضم الشيء بعضه إلى بعض ، يقال استوسقت الإبل إذا اجتمعت وانضمت ، والراعي يسقها أي يجمعها . قال الواحدي المفسرون يقولون وما جمع ، وضم ، وحوى ، ولف ، والمعنى أنه جمع ، وضمّ ما كان منتشراً بالنهار في تصرّفه ، وذلك أن الليل إذا أقبل آوى كل شيء إلى مأواه ، ومنه قول ضابىء بن الحرث البرجمي @ فإني وإياكم وسوقاً إليكم كقابض شيئًا لم تنله أنامله @@ وقال عكرمة { وَمَا وَسَقَ } أي وما ساق من شيء إلى حيث يأوي ، فجعله من السوق لا من الجمع ، وقيل { وَمَا وَسَقَ } أي وما جُنَّ وستر ، وقيل { وَمَا وَسَقَ } أي وما حمل ، وكل شيء حملته فقد وسقته ، والعرب تقول لا أحمله ما وسقت عيني الماء ، أي حملته ، ووسقت الناقة تسق وسقاً ، أي حملت . قال قتادة ، والضحاك ، ومقاتل بن سليمان وما وسق ، وما حمل من الظلمة ، أو حمل من الكواكب . قال القشيري ومعنى حمل ضمّ وجمع ، والليل يحمل بظلمته كل شيء . وقال سعيد بن جبير { وما وسق } أي وما عمل فيه من التهجد والاستغفار بالأسحار ، والأوّل أولى . { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } أي اجتمع ، وتكامل . قال الفراء اتساقه امتلاؤه ، واجتماعه ، واستواؤه ليلة ثالث عشر ، ورابع عشر إلى ستّ عشرة ، وقد افتعل من الوسق الذي هو الجمع . قال الحسن اتسق امتلأ ، واجتمع . وقال قتادة استدار ، يقال وسقته فاتسق ، كما يقال وصلته فاتصل ، ويقال أمر فلان متسق أي مجتمع منتظم ، ويقال اتسق الشيء إذا تتابع . { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } هذا جواب القسم . قرأ حمزة ، والكسائي ، وابن كثير ، وأبو عمرو " لتركبنّ " بفتح الموحدة على أنه خطاب للواحد ، وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يصلح له ، وهي قراءة ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي العالية ، ومسروق ، وأبي وائل ، ومجاهد ، والنخعي ، والشعبي ، وسعيد بن جبير ، وقرأ الباقون بضم الموحدة خطاباً للجمع ، وهم الناس . وقال الشعبي ، ومجاهد لتركبنّ يا محمد سماء بعد سماء . قال الكلبي يعني تصعد فيها ، وهذا على القراءة الأولى ، وقيل درجة بعد درجة ، ورتبة بعد رتبة في القرب من الله ورفعة المنزلة ، وقيل المعنى لتركبنّ حالاً بعد حال كل حالة منها مطابقة لأختها في الشدّة ، وقيل المعنى لتركبنّ أيها الإنسان حالاً بعد حال من كونك نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم حياً ، وميتاً ، وغنياً ، وفقيراً ، فالخطاب للإنسان المذكور في قوله { يأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبّكَ كَدْحاً } واختار أبو عبيد ، وأبو حاتم القراءة الثانية قالا لأن المعنى بالناس أشبه منه بالنبيّ صلى الله عليه وسلم . وقرأ عمر " ليركبنّ " بالتحتية ، وضم الموحدة على الإخبار ، وروي عنه وعن ابن عباس أنهما قرآ بالغيبة ، وفتح الموحدة أي ليركبنّ الإنسان ، وروي عن ابن مسعود ، وابن عباس أنهما قرآ بكسر حرف المضارعة وهي لغة ، وقرىء بفتح حرف المضارعة ، وكسر الموحدة على أنه خطاب للنفس . وقيل إن معنى الآية ليركبنّ القمر أحوالاً من سرار ، واستهلال ، وهو بعيد . قال مقاتل { طَبَقاً عَن طَبقٍ } يعني الموت والحياة . وقال عكرمة رضيع ، ثم فطيم ، ثم غلام ، ثم شابّ ، ثم شيخ . ومحل { عن طبق } النصب على أنه صفة لـ { طبقاً } أي طبقاً مجاوزاً لطبق ، أو على الحال من ضمير لتركبنّ أي مجاوزين ، أو مجاوزاً . { فما لهم لاَ يُؤْمِنُونَ } الاستفهام للانكار ، والفاء لترتيب ما بعدها من الإنكار ، والتعجيب على ما قبلها من أحوال يوم القيامة ، أو من غيرها على الاختلاف السابق ، والمعنى أيّ شيء للكفار لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من القرآن مع وجود موجبات الإيمان بذلك . { وَإِذَا قُرِىء عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْءانُ لاَ يَسْجُدُونَ } هذه الجملة الشرطية ، وجوابها في محل نصب على الحال أي أيّ مانع لهم حال عدم سجودهم ، وخضوعهم عند قراءة القرآن . قال الحسن ، وعطاء ، والكلبي ، ومقاتل مالهم لا يصلون . وقال أبو مسلم المراد الخضوع ، والاستكانة . وقيل المراد نفس السجود المعروف بسجود التلاوة . وقد وقع الخلاف هل هذا الموضع من مواضع السجود عند التلاوة أم لا ؟ وقد تقدم في فاتحة هذه السورة الدليل على السجود { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذّبُونَ } أي يكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من الكتاب المشتمل على إثبات التوحيد ، والبعث ، والثواب ، والعقاب { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } أي بما يضمرونه في أنفسهم من التكذيب ، وقال مقاتل يكتمون من أفعالهم . وقال ابن زيد يجمعون من الأعمال الصالحة والسيئة ، مأخوذ من الوعاء الذي يجمع ما فيه ، ومنه قول الشاعر @ الخير أبقى وإن طال الزمان به والشرّ أخبث ما أوعيت من زاد @@ ويقال وعاه حفظه ، ووعيت الحديث أعيه وعياً ، ومنه { أُذُنٌ وٰعِيَةٌ } الحاقة 12 { فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي اجعل ذلك بمنزلة البشارة لهم لأن علمه سبحانه بذلك على الوجه المذكور موجب لتعذيبهم ، والأليم المؤلم الموجع ، والكلام خارج مخرج التهكم بهم { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } هذا الاستثناء منقطع أي لكن الذين جمعوا بين الإيمان بالله ، والعمل الصالح لهم أجر عند الله غير ممنون أي غير مقطوع ، يقال مننت الحبل إذا قطعته ، ومنه قول الشاعر @ فترى خلفهنّ من سرعة الرجـ ـع منيناً كأنه أهباء @@ قال المبرد المنين الغبار لأنه تقطعه وراءها ، وكل ضعيف منين وممنون . وقيل معنى { غير ممنون } أنه لا يمنّ عليهم به ، ويجوز أن يكون الاستثناء متصلاً إن أريد من آمن منهم . وقد أخرج ابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله { إِذَا ٱلسَّمَاء ٱنشَقَّتْ } قال تنشقّ السماء من المجرّة . وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقَّتْ } قال سمعت حين كلمها . وأخرج ابن أبي حاتم عنه { وَأَذِنَتْ لِرَبّهَا وَحُقَّتْ } قال أطاعت ، وحقت بالطاعة . وأخرج الحاكم عنه وصححه قال سمعت وأطاعت { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ } قال يوم القيامة { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا } قال أخرجت ما فيها من الموتى { وَتَخَلَّتْ } عنهم . وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا } قال سواري الذهب . وأخرج الحاكم قال السيوطي بسند جيد عن جابر قال قال النبيّ صلى الله عليه وسلم " تمدّ الأرض يوم القيامة مدّ الأديم ، ثم لا يكون لابن آدم فيها إلا موضع قدميه " وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبّكَ كَدْحاً } قال عامل عملاً { فَمُلَـٰقِيهِ } قال فملاق عملك . وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس أحد يحاسب إلا هلك " ، فقلت أليس يقول الله { فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } ؟ قال " ليس ذلك بالحساب ، ولكن ذلك العرض ، ومن نوقش الحساب هلك " وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته " اللهم حاسبني حساباً يسيراً " ، فلما انصرف قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال " أن ينظر في كتابه ، فيتجاوز له عنه ، إنه من نوقش الحساب هلك " وفي بعض ألفاظ الحديث الأوّل ، وهذا الحديث الآخر " من نوقش الحساب عذّب " وأخرج البزار ، والطبراني في الأوسط ، والبيهقي ، والحاكم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاث من كنّ فيه يحاسبه الله حساباً يسيراً ، ويدخله الجنة برحمته تعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك " وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { يَدْعُواْ ثُبُوراً } قال الويل . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } قال يبعث . وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً { أَن لَّن يَحُورَ } قال أن لن يرجع . وأخرج سمويه في فوائده عن عمر بن الخطاب قال { الشفق } الحمرة . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس مثله . وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال { الشفق } النهار كله . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَٱلَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } قال وما دخل فيه . وأخرج أبو عبيد في فضائله ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر عنه { وَمَا وَسَقَ } قال وما جمع . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } قال إذا استوى . وأخرج عبد بن حميد ، وابن الأنباري من طرق عن ابن عباس أنه سئل عن قوله { وَٱلَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } قال وما جمع ، أما سمعت قوله @ إن لنا قلائصاً نقانقا مستوسقات لو يجدن سائقا @@ وأخرج عبد بن حميد عنه { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } قال ليلة ثلاثة عشر . وأخرج عبد بن حميد عن عمر بن الخطاب { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } قال حالاً بعد حال . وأخرج البخاري عن ابن عباس { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } حالاً بعد حال ، قال هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم . وأخرج أبو عبيد في القراءات ، وسعيد ابن منصور ، وابن منيع ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ " لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ " يعني بفتح الباء من { تركبنّ } . وقال يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم حالاً بعد حال . وأخرج الطيالسي ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والطبراني عنه قال { لَتَرْكَبُنَّ } يا محمد السماء { طَبَقاً عَن طَبقٍ } . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، والحاكم في الكنى ، والطبراني ، وابن منده ، وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قرأ " لتركبنّ " يعني بفتح الباء . وقال لتركبنّ يا محمد سماء بعد سماء . وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عنه { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } قال يعني السماء تنفطر ، ثم تنشق ، ثم تحمّر . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، والبيهقي عنه أيضاً في الآية قال السماء تكون كالمهل ، وتكون وردة كالدّهان ، وتكون واهية ، وتشقق ، فتكون حالاً بعد حال . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } قال يسرّون .