Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 94, Ayat: 1-8)
Tafsir: Fatḥ al-qadīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
معنى شرح الصدر فتحه بإذهاب ما يصدّ عن الإدراك . والاستفهام إذا دخل على النفي قرّره ، فصار المعنى قد شرحنا لك صدرك . وإنما خصّ الصدر لأنه محل أحوال النفس من العلوم ، والإدراكات . والمراد الامتنان عليه صلى الله عليه وسلم بفتح صدره ، وتوسيعه حتى قام بما قال به من الدعوة ، وقدر على ما قدر عليه من حمل أعباء النبوّة ، وحفظ الوحي ، وقد مضى القول في هذا عند تفسير قوله { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مّن رَّبّهِ } الزمر 22 { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } معطوف على معنى ما تقدّم ، لا على لفظه ، أي قد شرحنا لك صدرك ، ووضعنا … الخ ، ومنه قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان @ ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح @@ أي أنتم خير من ركب المطايا ، وأندى … الخ . قرأ الجمهور { نشرح } بسكون الحاء بالجزم ، وقرأ أبو جعفر المنصور العباسي بفتحها . قال الزمخشري قالوا لعله بين الحاء ، وأشبعها في مخرجها ، فظنّ السامع أنه فتحها . وقال ابن عطية إن الأصل " ألم نشرحن " بالنون الخفيفة ، ثم إبدالها ألفاً ، ثم حذفها تخفيفاً ، كما أنشد أبو زيد @ من أي يوميَّ من الموت أفر أيوم لم يقدّر أم يوم قدر @@ بفتح الراء من " لم يقدر " . ومثله قوله @ اضرب عنك الهموم طارقها ضربك بالسيف قونس الفرس @@ بفتح الباء من اضرب . وهذا مبني على جواز توكيد المجزوم بـ " لم " ، وهو قليل جداً كقوله @ يحسبه الجاهل ما لم يعلما شيخا على كرسيه معمما @@ فقد تركبت هذه القراءة من ثلاثة أصول ، كلها ضعيفة الأول توكيد المجزوم بـ " لم " ، وهو ضعيف . الثاني إبدالها ألفاً ، وهو خاص بالوقف ، فإجراء الوصل مجرى الوقف ضعيف . والثالث حذف الألف ، وهو ضعيف أيضاً لأنه خلاف الأصل ، وخرّجها بعضهم على لغة بعض العرب الذين ينصبون بـ " لم " ويجزمون بـ " لن " ، ومنه قول الشاعر @ في كل ما همّ أمضى رأيه قدما ولم يشاور في إقدامه أحدا @@ بنصب الراء من " يشاور " ، وهذه اللغة لبعض العرب ما أظنها تصح . وإن صحت ، فليست من اللغات المعتبرة ، فإنها جاءت بعكس ما عليه لغة العرب بأسرها . وعلى كل حال ، فقراءة هذا الرجل مع شدّة جوره ، ومزيد ظلمه ، وكثرة جبروته ، وقلة علمه ليس بحقيقة بالاشتغال بها . والوزر الذنب ، أي وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية . قال الحسن ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل المعنى حططنا عنك الذي سلف منك في الجاهلية ، وهذا كقوله { لّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } الفتح 2 ثم وصف هذا الوزر فقال { ٱلَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ } . قال المفسرون أي أثقل ظهرك . قال الزجاج أثقله حتى سمع له نقيض ، أي صوت ، وهذا مثل معناه أنه لو كان حملاً يحمل لسمع نقيض ظهره ، وأهل اللغة يقولون أنقض الحمل ظهر الناقة إذا سمع له صرير ، ومنه قول جميل @ وحتى تداعت بالنقيض حباله وهمت ثواني زوره أن تحطما @@ وقول العباس بن مرداس @ وأنقض ظهري ما تطويت منهم وكنت عليهم مشفقا متحننا @@ قال قتادة كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم ذنوب قد أثقلته ، فغفرها الله له ، وقوم يذهبون إلى أن هذا تخفيف أعباء النبوّة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها سهل الله ذلك عليه حتى تيسرت له وكذا قال أبو عبيدة وغيره . وقرأ ابن مسعود وحللنا عنك وقرك . ثم ذكر سبحانه منته عليه وكرامته فقال { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } قال الحسن وذلك أن الله لا يذكر في موضع إلاّ ذكر معه صلى الله عليه وسلم . قال قتادة رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، فليس خطيب ، ولا متشهد ، ولا صاحب صلاة إلاّ ينادي ، فيقول أشهد أن لا إلٰه إلاّ الله أشهد أن محمداً رسول الله . قال مجاهد { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } يعني بالتأذين . وقيل المعنى ذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبله ، وأمرناهم بالبشارة به . وقيل رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء ، وعند المؤمنين في الأرض . والظاهر أن هذا الرفع لذكره الذي امتنّ الله به عليه يتناول جميع هذه الأمور ، فكل واحد منها من أسباب رفع الذكر ، وكذلك أمره بالصلاة والسلام عليه ، وإخباره صلى الله عليه وسلم عن الله عزّ وجلّ أن من صلّى عليه ، واحدة صلى الله عليه بها عشراً ، وأمر الله بطاعته كقوله { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } النساء 59 وقوله { وَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } الحشر 7 ، وقوله { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } آل عمران 31 وغير ذلك . وبالجملة فقد ملأ ذكره الجليل السمٰوات والأرضين ، وجعل الله له من لسان الصدق ، والذكر الحسن ، والثناء الصالح ما لم يجعله لأحد من عباده ، { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } الحديد 21 اللَّهم صلّ وسلم عليه وعلى آله عدد ما صلى عليه المصلون بكل لسان في كل زمان ، وما أحسن قول حسان @ أغرّ عليه للنبوّة خاتم من الله مشهور يلوح ، ويشهد وضم الإلٰه اسم النبيّ مع اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود ، وهذا محمد @@ { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } أي إن مع الضيقة سعة ، ومع الشدّة رخاء ، ومع الكرب فرج . وفي هذا وعد منه سبحانه بأن كل عسير يتيسر ، وكل شديد يهون ، وكل صعب يلين . ثم زاد سبحانه هذا الوعد تقريراً وتأكيداً ، فقال مكرّراً له بلفظ { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } أي إن مع ذلك العسر المذكور سابقاً يسراً آخر لما تقرّر من أنه إذا أعيد المعرّف يكون الثاني عين الأوّل سواء كان المراد به الجنس أو العهد ، بخلاف المنكر إذا أعيد ، فإنه يراد بالثاني فرد مغاير لما أريد بالفرد الأوّل في الغالب ، ولهذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم في معنى هذه الآية " لن يغلب عسر يسرين " قال الواحدي وهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والمفسرين على أن العسر واحد ، واليسر اثنان . قال الزجاج ذكر العسر مع الألف واللام ثم ثنى ذكره ، فصار المعنى إن مع العسر يسرين . قيل ، والتنكير في اليسر للتفخيم والتعظيم ، وهو في مصحف ابن مسعود غير مكرّر . قرأ الجمهور بسكون السين في العسر ، واليسر في الموضعين . وقرأ يحيـى بن وثاب ، وأبو جعفر ، وعيسى بضمها في الجميع . { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } أي إذا فرغت من صلاتك ، أو من التبليغ ، أو من الغزو ، فانصب ، أي فاجتهد في الدعاء ، واطلب من الله حاجتك ، أو فانصب في العبادة . والنصب التعب . يقال نصب ينصب نصباً ، أي تعب . قال قتادة ، والضحاك ، ومقاتل ، والكلبي إذا فرغت من الصلاة المكتوبة ، فانصب إلى ربك في الدعاء ، وارغب إليه في المسألة يعطك ، وكذا قال مجاهد . قال الشعبي إذا فرغت من التشهد ، فادعو لدنياك وآخرتك ، وكذا قال الزهري . وقال الكلبي أيضاً إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب أي استغفر لذنبك ، وللمؤمنين والمؤمنات . وقال الحسن ، وقتادة إذا فرغت من جهاد عدوّك ، فانصب لعبادة ربك . وقال مجاهد أيضاً إذا فرغت من دنياك ، فانصب في صلاتك ، { وَإِلَىٰ رَبّكَ فَٱرْغَبْ } قال الزجاج أي اجعل رغبتك إلى الله وحده . قال عطاء يريد أنه يضرع إليه راهباً من النار ، راغباً في الجنة . والمعنى أنه يرغب إليه سبحانه لا إلى غيره كائناً من كان ، فلا يطلب حاجاته إلاّ منه ، ولا يعوّل في جميع أموره إلاّ عليه . قرأ الجمهور { فارغب } وقرأ زيد بن عليّ ، وابن أبي عبلة فرغب بتشديد الغين ، أي فرغب الناس إلى الله ، وشوّقهم إلى ما عنده من الخير . وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } قال شرح الله صدره للإسلام . وأخرج أبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أتاني جبريل فقال إن ربك يقول تدري كيف رفعت ذكرك ؟ قلت الله ورسوله أعلم ، قال إذا ذكرت ذكرت معي " وإسناد ابن جرير هكذا حدّثني يونس أخبرنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد . وأخرجه أبو يعلى من طريق ابن لهيعة عن دراج . وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق يونس بن عبد الأعلى به . وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } الآية ، قال لا يذكر الله إلاّ ذكر معه . وأخرج البزار ، وابن أبي حاتم ، والطبراني في الأوسط ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن أنس قال « كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً ، وحياله جحر ، فقال " لو دخل العسر هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه " فأنزل الله { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً . } ولفظ الطبراني « وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } » . وأخرج ابن النجار عنه مرفوعاً نحوه . وأخرج الطبراني ، وابن مردويه عنه أيضاً مرفوعاً نحوه ، قال السيوطي ، وسنده ضعيف . وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا في الصبر ، وابن المنذر ، والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود مرفوعاً " لو كان العسر في جحر لتبعه اليسر حتى يدخل فيه ، فيخرجه ، ولن يغلب عسر يسرين إن الله يقول { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } " قال البزار لا نعلم رواه عن أنس إلاّ عائذ بن شريح . قال فيه أبو حاتم الرازي في حديثه ضعف ، ولكن رواه شعبة عن معاوية بن قرّة عن رجل عن عبد الله بن مسعود . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، والحاكم ، والبيهقي عن الحسن قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فرحاً مسروراً وهو يضحك ، ويقول " لن يغلب عسر يسرين ، { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } " وهذا مرسل . وروي نحوه مرفوعاً مرسلاً عن قتادة . وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } الآية قال إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء ، واسأل الله ، وارغب إليه . وأخرج ابن مردويه عنه قال قال الله لرسوله إذا فرغت من الصلاة وتشهدت ، فانصب إلى ربك واسأله حاجتك . وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر عن ابن مسعود { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } إلى الدعاء . { وَإِلَىٰ رَبّكَ فَٱرْغَبْ } في المسألة . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } قال إذا فرغت من الفرائض ، فانصب في قيام الليل .