Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 97, Ayat: 1-5)

Tafsir: Fatḥ al-qadīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الضمير في { أنزلناه } للقرآن ، وإن لم يتقدّم له ذكر . أنزل جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ ، وكان ينزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم نجوماً على حسب الحاجة ، وكان بين نزول أوّله وآخره على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث وعشرون سنة ، وفي آية أخرى { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } الدخان 3 وهي ليلة القدر وفي آية أخرى { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } البقرة 185 وليلة القدر في شهر رمضان . قال مجاهد في ليلة القدر ليلة الحكم . { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } ليلة الحكم ، قيل سميت ليلة القدر لأن الله سبحانه يقدّر فيها ما شاء من أمره إلى السنة القابلة . وقيل إنها سميت بذلك لعظيم قدرها وشرفها ، من قولهم لفلان قدر ، أي شرف ومنزلة ، كذا قال الزهري . وقيل سميت بذلك لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً ، وثواباً جزيلاً . وقال الخليل سميت ليلة القدر لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة ، كقوله { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } الطلاق 7 أي ضيق . وقد اختلف في تعيين ليلة القدر على أكثر من أربعين قولاً ، قد ذكرناها بأدلتها ، وبينا الراجح منها في شرحنا للمنتقى . { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } هذا الاستفهام فيه تفخيم لشأنها حتى كأنها خارجة عن دراية الخلق لا يدري بها إلاّ الله سبحانه . قال سفيان كلّ ما في القرآن من قوله وما أدراك ، فقد أدراه ، وكلّ ما فيه { وما يدريك } عبس 3 ، فلم يدره ، وكذا قال الفراء . والمعنى أيّ شيء تجعله دارياً بها ؟ وقد قدّمنا الكلام في إعراب هذه الجملة في قوله { وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } الحاقة 3 ثم قال { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } قال كثير من المفسرين ، أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر . واختار هذا الفراء ، والزجاج ، ولك أن الأوقات إنما يفضل بعضها على بعض بما يكون فيها من الخير والنفع . فلما جعل الله الخير الكثير في ليلة كانت خيراً من ألف شهر لا يكون فيها من الخير والبركة ما في هذه الليلة . وقيل أراد بقوله ألف شهر جميع الدهر لأن العرب تذكر الألف في كثير من الأشياء على طريق المبالغة . وقيل وجه ذكر الألف الشهر أن العابد كان فيما مضى لا يسمى عابداً حتى يعبد الله ألف شهر ، وذلك ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر ، فجعل الله سبحانه لأمة محمد عبادة ليلة خيراً من عبادة ألف شهر كانوا يعبدونها . وقيل إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى أعمار أمته قصيرة ، فخاف أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله ليلة القدر وجعلها خيراً من ألف شهر لسائر الأمم . وقيل غير ذلك مما لا طائل تحته . وجملة { تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم } مستأنفة مبينة لوجه فضلها موضحة للعلة التي صارت بها خيراً من ألف شهر . وقوله { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } يتعلق بـ { تنزل } ، أو بمحذوف ، هو حال ، أي ملتبسين بإذن ربهم ، والإذن الأمر ، ومعنى { تنزل } تهبط من السماوات إلى الأرض . والروح هو جبريل عند جمهور المفسرين ، أي تنزل الملائكة ومعهم جبريل ، ووجه ذكره بعد دخوله في الملائكة التعظيم له والتشريف لشأنه . وقيل الرّوح صنف من الملائكة هم أشرافهم . وقيل هم جند من جنود الله من غير الملائكة . وقيل الروح الرحمة ، وقد تقدّم الخلاف في الروح عند قوله { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ صَفّاً } النبأ 38 . قرأ الجمهور { تنزل } بفتح التاء ، وقرأ طلحة بن مصرف ، وابن السميفع بضمها على البناء للمفعول ، وقوله { مّن كُلّ أَمْرٍ } أي من أجل كلّ أمر من الأمور التي قضى الله بها في تلك السنة . وقيل إن { من } بمعنى اللام ، أي لكلّ أمر . وقيل هي بمعنى الباء ، أي بكلّ أمر ، قرأ الجمهور { أمر } وهو واحد الأمور ، وقرأ عليّ ، وابن عباس ، وعكرمة ، والكلبي امرىء مذكر امرأة ، أي من أجل كلّ إنسان ، وتأولها الكلبي على أن جبريل ينزل مع الملائكة ، فيسلمون على كلّ إنسان ، فمن على هذا بمعنى على ، والأوّل أولى . وقد تمّ الكلام عند قوله من كلّ أمر ، ثم ابتدأ فقال { سَلَـٰمٌ هِىَ } أي ما هي إلاّ سلامة وخير كلها لا شرّ فيها . وقيل هي ذات سلامة من أن يؤثر فيها شيطان في مؤمن أو مؤمنة . قال مجاهد هي ليلة سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً ولا أذى . وقال الشعبي هو تسليم الملائكة على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر يمرّون على كلّ مؤمن ويقولون السلام عليك أيها المؤمن . وقيل يعني سلام الملائكة بعضهم على بعض . قال عطاء يريد سلام على أولياء الله ، وأهل طاعته { حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } أي حتى وقت طلوعه . قرأ الجمهور { مطلع } بفتح اللام . وقرأ الكسائي ، وابن محيصن بكسرها . فقيل هما لغتان في المصدر ، والفتح أكثر نحو المخرج والمقتل . وقيل بالفتح اسم مكان ، وبالكسر المصدر . وقيل العكس ، و " حتى " متعلقة يتنزل على أنها غاية لحكم التنزل ، أي لمكثهم في محل تنزلهم بأن لا ينقطع تنزلهم فوجاً بعد فوج إلى طلوع الفجر . وقيل متعلقة بـ { سلام } بناءً على أن الفصل بين المصدر ، ومعموله بالمبتدأ مغتفر . وقد أخرج ابن الضريس ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } قال أنزل القرآن في ليلة القدر حتى وضع في بيت العزّة في السماء الدنيا ، ثم جعل جبريل ينزل على محمد بجواب كلام العباد وأعمالهم . وأخرج عبد بن حميد عن أنس قال العمل في ليلة القدر ، والصدقة ، والصلاة ، والزكاة أفضل من ألف شهر . وأخرج الترمذي وضعفه ، وابن جرير ، والطبراني ، والحاكم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أري بني أمية على منبره ، فساءه ذلك ، فنزلت { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } الكوثر 1 يا محمد . يعني نهراً في الجنة ، ونزلت { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ * لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } يملكها بعدك بنو أمية . قال القاسم فعددنا فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ، ولا تنقص يوماً ، والمراد بالقاسم هو القاسم بن الفضل المذكور في إسناده . قال الترمذي إن يوسف هذا مجهول ، يعني يوسف بن سعد الذي رواه عن الحسن بن عليّ . قال ابن كثير فيه نظر ، فإنه قد روى عنه جماعة منهم حماد بن سلمة ، وخالد الحذاء ، ويونس بن عبيد . وقال فيه يحيى بن معين هو مشهور . وفي رواية عن ابن معين قال هو ثقة ، ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن عيسى بن مازن . قال ابن كثير ، ثمّ هذا الحديث على كلّ تقدير منكر جداً . قال المزي هو حديث منكر ، وقول القاسم بن الفضل إنه حسب مدة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد ، ولا تنقص ليس بصحيح ، فإن جملة مدّتهم من عند أن استقلّ بالملك معاوية ، وهي سنة أربعين إلى أن سلبهم الملك بنو العباس ، وهي سنة اثنين وثلاثين ومائة مجموعها اثنتان وتسعون سنة . وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن عباس نحو ما روي عن الحسن بن عليّ . وأخرج الخطيب عن سعيد بن المسيب مرفوعاً مرسلاً نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله { سَلَـٰمٌ } قال في تلك الليلة تصفد مردة الشياطين ، وتغلّ عفاريت الجنّ ، وتفتح فيها أبواب السماء كلها ، ويقبل الله فيها التوبة لكلّ تائب ، فلذا قال { سَلَـٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } قال وذلك من غروب الشمس إلى أن يطلع الفجر ، والأحاديث في فضل ليلة القدر كثيرة ، وليس هذا موضع بسطها ، وكذلك الأحاديث في تعيينها ، والاختلاف في ذلك .