Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 151-153)

Tafsir: an-Nahr al-mādd min al-baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } لما ذكر ما حرموا افتراء عليه ثم ذكر ما أباحه تعالى لهم من الحبوب والفواكه والحيوان ، ذكر ما حرمه تعالى عليهم من أشياء نهاهم عنها وما أوجب عليهم من أشياء أمرهم بها . وتقدم شرح تعالوا عند قوله تعالى : { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ } [ آل عمران : 64 ] . والخطاب في : قل لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي : تعالوا ، قيل : للمشركين . وقيل : لمن بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مؤمن وكتابي ومشرك . وسياق الآيات يدل على أنه للمشركين وإن كان حكم غيرهم . في ذلك حكمهم أمره تعالى أن يدعو جميع الخلق إلى سماع ما حرم الله تعالى بشرع الإِسلام المبعوث به إلى الأسود والأحمر . وأتل : أسرد . وأنص من التلاوة وهي اتباع بعض الحروف بعضاً . وقال كعب الأحبار : هذه الآية هي مفتتح التوراة : بسم الله الرحمن الرحيم قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم … إلى آخر الآية . وقال ابن عباس : هذه الآيات هي المحكمات التي ذكرها الله تعالى في سورة آل عمران أجمعت عليها شرائع الخلق ولم تنسخ قط في ملة . وقد قيل : انها العشر كلمات أنزلت على موسى عليه السلام . وما : بمعنى الذي ، وهي مفعولة بأتل ، أي أقرأ الذي حرمه ربكم عليكم . وعليكم متعلق بحرم لا باتل . { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } الظاهر أنّ انْ تفسيرية . ولا : ناهية ، لأن أتل فعل بمعنى القول وما بعد أن جملة فاجتمع في أن شرطاً التفسيرية وهي أن يتقدمها معنى القول ، وأن يكون ما بعدها جملة . قال الزمخشري : فإِن قلت : إذا جعلت انْ مفسرة لفعل التلاوة وهو معلق بما حرم عليكم ، وجب أن يكون بعدها منهياً عنه محرماً كله كالشرك وما بعده مما دخل عليه حرف النهي فما تصنع بالأول ؟ قلت : لما وردت هذه الأوامر مع النواهي ، وتقدمهن جميعاً فعل التحريم ، واشتركن في الدخول تحت حكمه على أن التحريم راجع إلى أضدادها وهي الإِساءة إلى الوالدين ، وبخس الكيل والميزان وترك العدل في القول ونكث عهد الله . " انتهى " . وكون هذه الأشياء اشتركت في الدخل تحت حكم التحريم وكون التحريم راجعاً إلى أضداد الأوامر بعيد جداً والغاز في المعاني ولا ضرورة تدعو إلى ذلك ، وأما عطف هذه الأوامر فيحتمل وجهين : أنها معطوفة لا على المناهي قبلها فيلزم انسحاب التحريم عليها حيث كانت في حيز انّ التفسيرية بل هي معطوفة على قوله : اتل ما حرم أمرهم أولاً بأمر مرتب عليه ذكر مناه ثم أمرهم ثانياً بأوامر ، وهذا معنى وأفلح . والثاني أن تكون الأوامر معطوفة على المناهي داخلة تحت أنْ التفسيرية ، ويصح ذلك على تقدير محذوف تكون أن مفسرة له وللمنطوق قبله الذي دل على حذفه . والتقدير وما أمركم به فحذف ، وما أمركم به لدلالة ما حرم عليه ، لأن معنى ما حرم ربكم عليكم ما نهاكم ربكم عنه ، فالمعنى قل تعالوا أتل ما نهاكم ربكم عنه وما أمركم به وإذا كان التقدير هكذا أصح أن تكون أنْ تفسيرية لفعل النهي الدال عليه التحريم ، وفعل الأمر المحذوف ألا ترى أنه يجوز أن تقول : أمرتك أن لا تكرم جاهلاً ، وأكرم عالماً ، إذ يجوز عطف الأمر على النهي والنهي على الأمر ، كما قال امرؤ القيس : @ وقوفاً بها صحبي على مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجمل @@ وهذا ألا نعلم فيه خلافاً بخلاف الجمل المتباينة بالخبر والاستفهام والإِنشاء فإن في جواز العطف فيها خلافاً . قال الزمخشري : فإِن قلت : وجب هلا قلت هي التي تنصب الفعل ، وجعلت أن لا تشركوا بدلاً مما حرم . قلت : وجب أن يكون لا تشركوا ولا تقربوا ولا تقتلوا ولا تتبعوا السبل نواهي الانعطاف الأوامر عليها . وهي قوله : وبالوالدين إحساناً ، التقدير وأحسنوا بالوالدين إحسانا وأوفوا . وإذا قلتم : فاعدلوا وبعهد الله أوفوا . " انتهى " . ولا يتعين أن تكون جميع الأوامر معطوفة على جميع ما دخل عليه لا لأنا بيّنا جواز عطف وبالوالدين إحسانا على تعالوا ، وما بعده معطوفة عليه ، ولا يكون قوله : وبالوالدين معطوف على أن لا تشركوا . { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } تقدم تفسيره في البقرة . { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } من هنا سببية أي من فقر ، يقال : أملق الرجل إذا افتقر ، ولما أمر تعالى بالإِحسان إلى الوالدين نهي عن الإِساءة إلى الأولاد ، ونبه على أعظم الإِساءة للأولاد وهو إعدام حياتهم بالقتل خوف الفقر ، كما قال في الحديث : " وقد سئل عن أكبر الكبائر فذكر الشرك بالله تعالى وهو قوله : أن تجعل لله نداً وهو خلقك . ثم قال : وان تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ، قال : وإن تزاني حليلة جارك " وجاء هذا الحديث منتزعاً من هذه الآية ، وجاء التركيب هنا من إملاق نحن نرزقكم وإياهم . وفي سورة الإسراء { خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } [ الآية : 31 ] . فيمكن أن يكون ذلك من التفنن في الكلام ، ويمكن أن يقال في هذه الآية : جاء من املاق . وظاهره حصول الاملاق للوالد لا توقعه وخشيته وإن كان واجداً للحال . فبدأ أولاً بقوله : نحن نرزقكم ، خطاباً للآباء وتبشيراً لهم بزوال الإِملاق وإحالة الرزق على الخالق الرازق ، ثم عطف عليهم الأولاد ، وأما في سورة الإِسراء فظاهر التركيب أنهم موسرون ، وإن قتلهم إياهم إنما هو لتوقع حصول الإِملاق والخشية منه فبدىء فيه بقوله : نحن نرزقهم ، إخباراً بتكفله تعالى برزقهم ، فلستم أنتم رازقيهم . وعطف عليهم الآباء وصارت الآيتان مفيدتان مَعْنيين أحدهما : أن الآباء نهوا عن قتل الأولاد مع وجود إملاقهم ، والآخر : أنهم نهوا عن قتلهم وإن كانوا موسرين ، لتوقع الإِملاق وخشيته . وحمل الآيتين على ما يفيد معنيين أولى من التأكيد . { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ } الآية ، المنقول فيما ظهر وما بطن كالمنقول في قوله : وذروا ، ظاهر الاثم وباطنه . وتقدم فأغنى عن إعادته . { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } هذا مندرج تحت عموم الفواحش ، إذ الأجود أن لا يخصّ الفواحش بنوع ما ، وإنما جرد منها قتل النفس تعظيماً لهذه الفاحشة واستهوالاً لوقوعها ولأنه لا يتأتى الاستثناء بقوله : إلا بالحق إلا من القتل لا من عموم الفواحش . وقوله : التي حرم الله ، حوالة على سبق العهد في تحريمها فلذلك وُصفت بالتي . والنفس المحرمة هي المؤمنة والذميّة والمعاهدة وبالحق بالسبب الموجب لقتلها كالردة والقصاص والزنا بعد الاحصان والمحاربة . { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } إشارة إلى جميع ما تقدم . وفي لفظ وصاكم من اللطف والرأفة ، وجعلهم أوصياء له تعالى ما لا يخفى من الإِحسان . ولما كان العقل هو مناط التكليف قال : لعلكم تعقلون ، أي فوائد هذه التكاليف ومنافعها في الدين والدنيا والآخرة والوصاة ، الأمر المؤكد المقرر . قال الأعشى : أجدك لم تسمع وصاة محمد نبي الإِله حين أوصى وأشهدا . { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ } هذا نهي عن القرب الذي يعم جميع وجوه التصرف ، وفيه سد الذريعة . { إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي بالخصلة التي هي أحسن في حق اليتيم . ولم يأت إلا بالتي هي حسنة ، بل جاء بأفعل التفضيل مراعاة لمال اليتيم وأنه لا يكفي فيه الحالة الحسنة بل الخصلة الحسنى ، وأموال الناس ممنوع من قربانها . ونص على اليتيم لأن الطمع فيه أكثر لضعفه وقلة مراعاته . { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } هذه غاية من حيث المعنى لا من حيث هذا التركيب اللفظي . ومعناه : احفظوا على اليتيم ماله إلى بلوغ أشده فادفعوه إليه . وبلوغ الأشد هنا لليتيم هو بلوغ الحلم ، مع أنه لا يثبت معه سفه . { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } أي بالعدل والسوية . وقيل : القسط هنا أدنى زيادة ليخرج بها عن العهدة بيقين لما روي : " إذا وزنتم فارجحوا وأوفوا " فعل أمر وبعده أوامر أيضاً وبعده مناه فيحتمل الوجهين السابقين إلى قوله : { لاَ نُكَلِّفُ } الآية ، تقدم الكلام على مثلها في البقرة . { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ } أي ولو كان المقول له أو عليه ذا قرابة ، فلا ينبغي أن يزيد ولا ينقص ، ويدخل في ذي القربى نفس القائل ووالده وأقربوه ، فهو ينظر إلى قوله تعالى : { وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } [ النساء : 135 ] . وعني بالقول هنا ما لا يطلع عليه إلا بالقول من أمر وحكم وشهادة وخبر ووساطة بين الناس وغير ذلك . { وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ } يحتمل أن يكون مضافاً إلى الفاعل أي بما عاهدكم الله عليه أوفوا ، وأن يكون مضافاً إلى المفعول ، أي بما عاهدتم الله عليه أوفوا . { ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ولما كانت الخمسة المذكورة قبل هذا من الأمور والظاهرة الجلية وجب تعقلها وتفهمها . فختمت بقوله : لعلكم تعقلون . وهذه الأربعة خفية غامضة لا بد فيها من الاجتهاد والذكر الكثير حتى يقف على موضع الاعتدال ختمت بقوله : لعلكم تذكرون . { وَإِنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ } قرىء : وإن بكسر الهمزة وتشديد النون على الاستئناف . وفاتبعوه : جملة معطوفة على الجملة المستأنفة . وقرىء : بفتح الهمزة وتشديد النون وهو على إضمار اللام تقديره ولأنّ ، كقوله تعالى : { لإِيلاَفِ } [ قريش : 1 ] ، وقوله : { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } [ قريش : 3 ] . وقرىء : وأنْ وهو على إضمار اللام وأنْ مخففة من الثقيلة وفيها ضمير الشأن وهذا صراطي مبتدأ وخبر فسرّ ذلك لضمير الشأن . والإِشارة بهذا إلى الآيات التي أعقبتها هذه الآية من الأوامر والنواهي لأنها هي المحكمات التي لم تنسخ في ملة من الملل . ومستقيماً حال مؤكدة ، لأن صراطه تعالى لا يكون إلا مستقيماً . { وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } في مسند الدارمي عن ابن مسعود قال : " خط لنا يوماً رسول الله صلى الله عليه سلم خطاً ثم قال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن يساره ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها ، ثم قرأ هذه الآية " وانتصب فتفرق لأجل النهي جواباً له أي فتفرق فحذف التاء . وقرىء فتفرق بتشديد التاء . { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } كرر التوصية على سبيل التوكيد ، ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف وأمر تعالى باتباعه ، ونهى عن بنيات الطريق ختم ذلك بالتقوى التي هي إتقاء النار إذ من اتبع صراطه نجا النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية .