Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 159-165)
Tafsir: an-Nahr al-mādd min al-baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } وقرىء : فارقوا وفرقوا دينهم . { وَكَانُواْ شِيَعاً } كاليهود افترقوا على قرابين وربانيين وسحرة ، وكالنصارى افترقوا على ملكية ويعقوبية ونسطورية ، وأهل الضلال من هذه الأمة وأصحاب البدع وأهل الأهواء منهم كالخوارج وهم طوائف . { لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } هو إخبار عن المباينة التامة والمباعدة كقول النابغة : @ إذا حاولت في أسد فجورا فإِني لستُ منك ولستَ مني @@ { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ } الآية ، روى أبو سعيد الخدري وابن عمر أنها نزلت في الاعراب ، الذين آمنوا بعد الهجرة ، ضوعفت لهم الحسنة بعشر وضوعفت للمهاجرين بسبعمائة . " انتهى " . ولما ذكر حال من فارق دينه ورتب عليه أن الله ينبئه بما فعل وذكر المجازاة . والظاهر عموم من جاء وعموم الحسنة وحصر العدد فيما ذكر ، فأيّ شخص مّا جاء بحسنة ما جوزي عليها بعشر أمثالها ، ومن جاء بسيّئة جوزي بمثلها . وقرىء : عشر أمثالها على الإِضافة . وقرىء : عشر أمثالها . فأمثالها صفة لعشر والضمير في أمثالها عائد على الحسنة . { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ } الآية ، أمره تعالى بالاعلان بالشريعة ونبذ ما سواها ، ووضعها بأنه طريق مستقيم لا عوج فيها وهو إشارة إلى قوله تعالى : { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ } [ الأنعام : 153 ] . انتصب : { دِيناً قِيَماً } ديناً قيماً على إضمار فعل تقديره هداني ديناً قيماً ، ودل على ذلك قوله : قبل هداني ربي ، وتعدى هدى تارة بإِلى كقوله : إلى صراط ، وتارة بنفسه إلى مفعول ثان كقوله تعالى : { وَهَدَيْنَاهُمَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الصافات : 118 ] . وقرىء قيماً وتقدم توجيهه في أوائل سورة النساء . وقرىء : قيماً كسيد وفي كلتا القراءتين هو وصف لقوله : ديناً . و { مِّلَّةَ } بدل من قوله : ديناً . و { حَنِيفاً } حال . وتقدم نظير ذلك في البقرة . { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } نعي عليهم في اتخاذهم آلهة وإشراكهم مع الله تعالى . وإبراهيم عليه السلام بريء من ذلك كله ، فكان يجب عليهم اتباع أبيهم إبراهيم إذ هو النبي المجمع وعلى تعظيمه من سائر الطوائف . { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي } ظاهره العموم من الصلاة المفروضة وغيرها . { وَنُسُكِي } قال ابن عباس : هي الذبائح التي تذبح لله تعالى وجمع بينهما كما جمع بينهما في قوله تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } [ الكوثر : 2 ] . معنى : { وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ } أنه لا يملكهما إلا الله . { لاَ شَرِيكَ لَهُ } عام والإِشارة بذلك الظاهر أنه إلى قوله : قل انني هداني ربي ، الآية . الألف واللام في المسلمين للعهد ، ويعني به هذه الأمة ، لأن إسلام كل نبي سابق على إسلام أمته لأنهم منه يأخذون شريعته . { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } حكى النقاش أنه روي أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إرجع يا محمد إلى ديننا ، واعبد آلهتنا ، واترك ما أنت عليه ونحن نتكفل لك بكل ما تحتاج إليه في دنياك وآخرتك فنزلت هذه الآية . والهمزة : للإِستفهام ، ومعناه الإِنكار والتوبيخ وهو رد عليهم إذ دعوه إلى آلهتهم ، والمعنى أنه كيف يجتمع لي دعوة غير الله تعالى رباً وغيره مربوب له . { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } تقدم الكلام عليها في البقرة . { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ } والتنبئة عبارة عن الجزاء والذي اختلفوا فيه هو من الأديان والمذاهب يجازيكم بما ترتب عليه من الثواب والعقاب ، وسياق هذه الجمل سياق الخبر ، والمعنى على الوعيد والتهديد . { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } أذكرهم تعالى بنعمة عليهم إذ كان النبي المبعوث ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، فأمته خلفت سائر الأمم ولا تجيء بعدها أمة تخلفها إذ عليهم تقوم الساعة . ورفع الدرجات هو بالشرف في المراتب الدنيوية والعلم وسعة الرزق . و { لِّيَبْلُوَكُمْ } متعلق بقوله : ورفع . { فِي مَآ آتَاكُمْ } من ذلك جاهاً ومالاً وعلماً وكيف يكونون في ذلك . { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } لما كان الابتلاء به يظهر المسيء والمحسن والطائع والعاصي ذكر هذين الوصفين وختم بهما ، ولما كان الغالب على فواصل الآي قبلها هو التهديد بدأ بقوله : سريع العقاب ، يعني لمن كفر ما أعطاه الله تعالى وسرعة عقابه إن كان في الدنيا فالسرعة ظاهرة وإن كان في الآخرة ، فوصف بالسرعة لتحققه إذ كل ما هو آت آت ولما كانت جهة الرحمة أرجى أكد ذلك بدخول اللام في الخبر ، ويكون الوصفين بنيا بناء المبالغة ولم يأت من جهة العقاب بوصفه بذلك ، فلم يأت ان ربك معاقب وسريع العقاب من باب الصفة المشبهة . والله الموفق للصواب .