Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 56-59)
Tafsir: an-Nahr al-mādd min al-baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ } الآية ، أمره تعالى أن يجاهرهم بالتبريء من عبادتهم غير الله تعالى ولما ذكر تفصيل الآيات ليستبين سبيل المبطل من المحق نهاه عن سلوك سبيلهم . ومعنى نهيت : زجرت . والذين تدعون هم الأصنام ، عبر عنها بالذين على زعم الكفار حين أنزلوها منزلة من يعقل وتدعون . قال ابن عباس : معناه تعبدون . وقيل : تسمونهم آلهة من دعوت ولدي زيداً سميته . وقيل : تدعون في أموركم وحوائجكم . وفي قوله : تدعون من دون الله ، استجهال لهم ووصف بالاقتحام فيما كانوا منه على غير بصيرة . ولفظة نهيت ، أبلغ من النفي بلا أعبد إذ فيه ورود تكليف . { قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ } الآية ولما كانت أصنامهم مختلفة كان لكل عابد صنم هوى يخصه فلذلك جمع . و { إِذاً } معناها الجزاء أي قد ظللت ان اتبعت أهواءكم . { وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } جملة مؤكدة لما قبلها وأتى بالأولى بقوله : ضللت . والفعل يدل على التجدد . وفي الثانية باسم الفاعل وهو المهتدين ويدل على الثبوت فنفى تجدد الضلال وثبوت الهداية . { قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } أي على شريعة واضحة . والبينة : هي المعجزة التي تبين صدقي ، وكذبتم به اخبار منه عنهم أنهم كذبوا به . والظاهر عود الضمير على ربي أي وكذبتم بربي . { مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } الذي استعجلوا به هو العذاب ، والاستعجال لم يأت في القرآن إلا للعذاب . { إِنِ ٱلْحُكْمُ } الآية ، أي الحكم على الإِطلاق ، وهو الفصل بين الخصمين المختلفين بإِيجاب الثواب والعقاب . وقرىء : يقضي من القضاء ، والحق نعت لمصدر محذوف أي يقضي القضاء الحق . وقيل : الحق مفعول بيقضي ، ومعنى يقضي يصنع قال الشاعر : @ وعليهما مسرودتان قضاهما داود @@ أي صنعهما . وقرىء : يقصّ الحق من قص الحديث ، كقوله : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } [ يوسف : 3 ] ، أو من قص الأثر أي اتبعه . { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي } الآية أي لو كان في قدرتي الوصول إلى ما تستعجلون به من حلول العذاب لبادرت إليه ووقع الانفصال . { بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ } الظاهر أن المعنى والله أعلم بكم فوضع الظاهر المشعر بوصفهم بالظلم موضع المضمر . ومعنى أعلم بهم ، أي بمجازاتهم ففيه وعيد وتهديد . { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } الآية ، لما قال تعالى : ان الحكم إلا بالله ، وقال : وهو أعلم بالظالمين ، بعد قوله : ما تستعجلون به ، انتقل من خاص إلى عام ، وهو علمه تعالى بجميع الأمور الغيبية واستعار للقدرة عليها المفاتح لما كانت سبباً للوصول إلى الشىء فاندرج في هذا العام ما استعجلوا وقوعه وغيره . والمفاتيح جمع مفتاح بكسر الميم وهي الآلة التي يفتح بها ما أغلق . قال الزهراوي : ومفتح أفصح من مفتاح . وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله إن الله عنده علم الساعة " ، إلى آخر السورة . { لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } حصر أنه لا يعلم تلك المفاتح ولا يطلع عليها غيره تعالى ، ولقد يظهر من هؤلاء المنتسبة إلى التصوف أشياء من ادعاء علم المغيبات ، والاطلاع على علم عواقب أتباعهم ، وأنهم معهم في الجنة مقطوع لهم ولأتباعهم بها يخبرون بذلك على رؤوس الاشهاد ولا ينكر ذلك أحد ، هذا مع خلوهم عن العلوم الشرعية ، يوهمون أنهم يعلمون الغيب . وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها : ومن زعم أن محمداً يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية ، والله تعالى يقول : { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ النمل : 65 ] . وقد كثرت هذه الدعاوي والخرافات في ديار مصر وقام بها ناس صبيان العقول يسمون بالشيوخ . { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } لما كان ذكره تعالى مفاتح الغيب أمراً معقولاً أخبر تعالى باستئثاره بعلمه واختصاصه به ذكر تعلق علمه بهذا المحسوس على سبيل العموم ، ثم ذكر علمه بالورقة والحبة والرطب واليابس على سبيل الخصوص ، فتحصل أخباره تعالى بأنه عالم بالكليات والجزئيات مستأثر بعلمه وبما نعلمه نحن . وقدم البر لكثرة مشاهدتنا لما اشتمل عليه من المدن والقرى والمفاوز والجبال والحيوان والنبات والمعادن ، أو على سبيل الترقي إلى ما هو أعظم في الجملة لأن ما فيه من أجناس الحيوانات أعجب وطوله وعرضه أعظم ، وما في البحر من حيوان وجواهر وغير ذلك . وعبّر بلفظ ما التي هي لآحاد ما لا يعقل لكثرة أجناسه وأنواعه وأشكاله فشمل النوعين العاقل وغيره تغليباً لما لا يعقل . وقال سيبويه : ما مبهمة تقع على كل شيء . فظاهر كلامه أنها لا تختص بما لا يعقل . و { مِن وَرَقَةٍ } من : زائدة . وورقة : فاعل بتسقط ، ويعلمها مطلقاً قبل السقوط ومعه وبعده ، ويعلمها في موضع الحال من ورقة ، وهي الحال من النكرة كما تقول : ما جاء أحد إلا راكباً . { وَلاَ حَبَّةٍ } أتى بجزءين لطيفين : أحدهما علوي وهو سقوط ورقة من علوّ إلى أسفل ، والثاني سفلي وهو اختفاء حبة في بطن الأرض . { إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ } الآية ، هذا الاستثناء جار مجرى التوكيد لأن قوله : ولا حبة ولا رطب ولا يابس ، معطوف على قوله : من ورقة ، والاستثناء الأول منسحب عليها كما تقول : ما جاءني من رجل إلا أكرمته ولا امرأة ، فالمعنى إلا أكرمتها ، ولكنه لما طال الكلام عليها أعيد الاستثناء على سبيل التوكيد وحسنه كونه فاصلة رأس آية ، والرطب واليابس وصفان معروفان والمراد العموم في المتصف بهما والكتاب المبين كناية عن علمه تعالى المحيط بجميع الأشياء .