Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 16-22)

Tafsir: an-Nahr al-mādd min al-baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ } تقدم تفسير نظير هذه الجملة . والمعنى أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين الخلص منكم ، وهم المجاهدون في سبيل الله ، والذين لم يتخذوا بطانة من دون الله من غيرهم . { وَلَمْ يَتَّخِذُواْ } معطوف على جاهدوا داخل في حيّز الصلة . ويجوز أن تكون الجملة حالاً من ضمير جاهدوا أي جاهدوا غير متخذين وليجة أي خيانة . والوليجة فعيلة من ولج كالدخيلة من دخل وهي البطانة ، والمدخل يدخل فيه على سبيل الاستسرار شبه النفاق به . { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله } الآية ، روي أنه لما أقبل المهاجرون والأنصار على أسارى بدر يعيرونهم بالشرك ، وطفق عليّ يوبخ العباس . فقال العباس : تظهرون مساوءنا وتكتمون محاسننا . فقال : أو لكم محاسن ؟ قال : نعم ، ونحن أفضل منكم أجراً انا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحجيج ونفك العاني ، فأنزل الله هذه الآية رداً عليهم . وانتصب شاهدين على الحال ، والعامل فيه يعمروا ، وصاحب الحال هو الضمير وشهادتهم على أنفسهم بالكفر هو قولهم في الطواف : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملكْ . أو قولهم إذا سئلوا عن دينهم قالوا : نعبد اللات والعزى . { مَنْ آمَنَ } أعاد الضمير على لفظ من في قوله : آمن ، وما عطف عليه ، ثم راعى المعنى في قوله : فعسى أولئك . وعسى من الله تعالى واجبة حيثما وقعت في القرآن ، وفي ذلك قطع أطماع المشركين أن يكونوا مهتدين إذ من جمع هذه الخصال الأربعة جعل حاله حال من ترجى له هذه الهداية ، فكيف بمن هو عار منها . وقال تعالى : { أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } ، أي من الذين سبقت لهم الهداية ، ولم يأت التركيب أن يكونوا مهتدين بل جعلوا بعضاً من المهتدين ، وكونهم منهم أقل في التعظيم من أن يجرّد لهم الحكم بالهداية . { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ } الآية ، في صحيح مسلم من حديث النعمان بن بشير قال : كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل : ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أسقي الحاج . وقال آخر : ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أعمر المسجد الحرام . وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم . فزجرهم عمر رضي الله عنه وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة . ولكني إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفتم فيه . فنزلت هذه الآية . وسقاية هو على حذف مضاف تقديره ذوي سقاية الحاج فيعادل قوله : كمن آمن ، ولما نفى المساواة بينهما أوضح بقوله : والله لا يهدي القوم الظالمين ، من الراجح منهما وان الكافرين بالله هم الظالمون ، ظلموا أنفسهم بترك الإِيمان بالله تعالى وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وظلموا المسجد الحرام إذ جعله الله تعالى متعبداً له فجعلوه متعبداً لأوثانهم . { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ } الآية ، زادت هذه الآية وضوحاً في الترجيح للمؤمنين المتصفين بهذه الأوصاف على المشركين المفتخرين بالسقاية والعمارة فطهروا أنفسهم من دنس الشرك بالإِيمان ، وطهروا أبدانهم بالهجرة إلى موطن رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك ديارهم التي نشاؤا فيها ، ثم بالغوا في الجهاد في سبيل الله تعالى بالمال والنفس المعرضين بالجهاد للتلف فهذه الخصال أعظم درجات البشرية .