Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 1-4)
Tafsir: an-Nahr al-mādd min al-baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } الآية ، هذه السورة مدنية كلها ، وقيل : إلا آيتان من آخرها فإِنهما نزلتا بمكة ، وهكذا قول الجمهور . ويقال : برئت من فلان أبرأ براءة ، أي انقطعت بيننا العصمة . ومنه برئت من الدين . وارتفع براءة على الابتداء ، والخبر إلى الذين عاهدتم ، ومن الله صفة مسوغة لجواز الابتداء بالنكرة أو على إضمار مبتدأ ، أي هذه براءة . وقرأ عيسى بن عمر براءة بالنصب ، قال ابن عطية : أي الزموا . وفيه معنى الإِغراء . وقال الزمخشري : اسمعوا براءة إلى الذين عاهدتم . قال ابن إسحاق وغيره : كانت العرب قد أوثقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً عاماً على أن لا يصد أحد عن البيت الحرام ونحو هذا من الموادعات . فنقض ذلك بهذه الآية وأجّل لجميعهم أربعة أشهر ، فمن كان له مع رسول الله عهد خاص وبقي منه أقل من الأربعة أبلغ به تمامها ، ومن كان أمده أكثر أتم له عهده ، وإذا كان ممن تحسس منه نقض العهد قصر على أربعة أشهر ، ومن لم يكن له عهد خاص فرضت له الأربعة . يسيح في الأرض ، أي يذهب فيها سوحاً آمناً . وظاهر من المشركين العموم فدخل فيه مشركوا قريش وغيرهم . " فسيحوا " في الأرض أمر إباحة ، وفي ضمنه تهديد ، وهو التفات من غيبة إلى خطاب ، أي قل لهم يسيحوا . ويقال : ساح سياحة وسيوحاً وسيحاناً ، ومنه سيح الماء وهو الجاري المنبسط . قال ابن عباس : أول الأشهر شوال حين نزلت الآية ، وانقضاؤها انقضاء المحرم بعد يوم الأذان بخمسين . فكان أجل من له عهد أربعة أشهر من يوم النزول ، وأجل سائر المشركين خمسون ليلة من يوم الأذان . { غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ } أي لا تفوتونه وإن أمهلكم وهو مخزيكم ، أي مذلكم في الدنيا بالقتل والأسر والنهب ، وفي الآخرة بالعذاب . { وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قرىء : وإذن بكسر الهمزة وسكون الذال . وقرىء : ان الله بكسر الهمزة وفتحها ، فالفتح على تقدير بأنّ الله ، والكسر على إضمار القول على مذهب البصريين أو ، لأن الاذان في معنى القول ، فكسرت على مذهب الكوفيين . وحكى أبو عمرو عن أهل نجد أنهم يقرؤون من الله بكسر النون على أصل التقاء الساكنين واتباعاً لكسرة الميم . والظاهر أن يوم الحج الأكبر يوم واحد . فقال عمر وجماعة : هو يوم عرفة . وروي مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال أبو موسى وجماعة : هو يوم النحر . وقيل : يوم الحج الأكبر أيام الحج كلها ، قاله سفيان بن عيينة . والذي تظاهرت به الأحاديث أن علياً رضي الله عنه أذن بتلك الآيات يوم عرفة إثر خطبة أبي بكر رضي الله عنه ، ثم رأى أنه لم يعم الناس بالاسماع فتتبّعهم بالاذان بها يوم النحر ، وفي ذلك اليوم بعث أبو بكر من يعينه بها كأبي هريرة وغيره ، وتتبّعوا بها أيضاً أسواق العرب كذي المجاز وغيره ، وبهذا يترجح قول سفيان . وجملة براءة من الله ورسوله إخبار بثبوت البراءة ، وجملة واذان من الله ورسوله اخبار بوجوب الاعلام بما ثبت فافترقنا ، وعلقت البراءة بالمعاهدين لأنها مختصة بهم ناكثيهم وغير ناكثيهم ، وعلق الاذان بالناس لشموله معاهداً وغيره ناكثاً وغيره مسلماً وكافراً . { وَرَسُولُهُ } معطوف على موضع اسم انّ إذ كان قبل دخول انّ كان في موضع رفع على الابتداء وفي العطف على هذا الموضع خلاف ، ويجوز أن يكون معطوفاً على الضمير المستكن في قوله : بريء ، تقديره بريء هو ورسوله ، والأجود أن يكون مرفوعاً على الابتداء وخبره محذوف تقديره ورسوله بريء منهم ، وحذف الخبر لدلالة ما قبله عليه . { فَإِن تُبْتُمْ } أي من الشرك الموجب لتبرىء الله ورسوله منكم . { فَهُوَ } أي التوب . { خَيْرٌ لَّكُمْ } في الدنيا لعصمة أنفسكم وأولادكم وأموالكم ، وفي الآخرة لدخولكم الجنة وخلاصكم من النار . { وَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أي عن الإِسلام . { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ } أي لا تفوتونه عما يحل بكم من نقماته . { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } جعل الإِنذار بشارة على سبيل الاستهزاء بهم ، والذين كفروا عام يشمل المشركين عبدة الأوثان وغيرهم ، وفي هذا وعيد عظيم بما يحل بهم . { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم } الأظهر أن يكون استثناء منقطعاً بمعنى لكن ، ويبعد أن يكون متصلاً وان كان قد قال به قوم لعسر ظهور المستثنى منه قبله الذي هؤلاء بعض منه . { فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ } أي إلى انقضاء مدة عهدهم . والظاهر أن قوله : إلى مدتهم ، يكون في المدة التي كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أمروا بإِتمام العهد إلى تمام المدة . وعن ابن عباس : كان بقي لحيّ من كنانة تسعة أشهر فأتم إليهم عهدهم . { وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً } ، أي لم يعينوا عليكم أحداً كما فعلت قريش ببني بكر حين أعانوهم بالسلاح على خزاعة . وتعدى أتموا بإِلى لتضمنه معنى فادوا ، أي فأدوه تامّاً كاملاً .