Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 67-72)
Tafsir: an-Nahr al-mādd min al-baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } الآية ، بيّن سبحانه وتعالى أن ذكورهم وإناثهم ليسوا من المؤمنين ، كما قال تعالى : { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ } [ التوبة : 56 ] ، بل بعضهم من بعض في الحكم والمنزلة والنفاق ، فهم على دين واحد ، وليس المعنى على التبعيض حقيقة لأن ذلك معلوم ، ووصفهم بخلاف ما عليه المؤمنون من أنهم : { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ } وهو الكفر وعبادة غير الله والمعاصي . { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ } وهو الإِيمان والطاعات . وقبض الأيدي عبارة عن عدم الإِنفاق في سبيل الله . والنسيان هنا الترك ، تركوا طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم . { فَنَسِيَهُمْ } أي تركهم من الخير ، وأما من الشر فلم ينسهم منه . { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ } الآية ، والكفار هنا المعلنون بالكفر ، وخالدين فيها حال مقدرة لأن الخلود لم يقارن الوعد . و { حَسْبُهُمْ } كافيهم ، وذلك مبالغة في عظم عذابهم إذ عذابهم شىء لا يزاد عليه ، ولعنهم أهانهم مع التعذيب ، ولما ذكر تشبيههم بمن قبلهم وذكر ما كانوا فيه من شدة القوة وكثرة الأولاد والأموال واستمتاعهم بما قدر لهم من الانصباء ، شبه استمتاع المنافقين باستمتاع الذين من قبلهم وأبرزهم بالإِسم الظاهر فقال : كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم ، ولم يكن التركيب كما استمتعوا بخلاقهم ليدل بذلك على التحقير ، لأنه كما يدل بإِعادة الظاهر مكان المضمر على التفخيم والتعظيم كذلك يدل بإِعادته على التحقير والتصغير لشأن المذكور كقوله تعالى : { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } [ مريم : 44 ] . وكقوله : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . ولم يأت التركيب أنه كان ولا انهم هم . { وَخُضْتُمْ } أي دخلتم في اللهو والباطل ، وهو مستعار من الخوض في الماء . ولا يستعمل إلا في الباطل لأن التصرف في الحق إنما هو على ترتيب ونظام ، وأمور الباطل إنما هي خوض . ومنه قوله عليه السلام : " رُبّ متخوض في مال الله له النار يوم القيامة " . { كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } أي كالخوض الذي خاضوا ، قاله الفراء . وقيل : كالفوج الذي خاضوا . وقيل : النون محذوفة ، أي كالذين خاضوا أي كخوض الذين خاضوا . وقيل : الذي مع ما بعدها ينسبك مصدراً أي كخوضهم . والظاهر أن أولئك إشارة إلى الذين وصفهم بالشدة وكثرة الأموال والأولاد ، والمعنى وأنتم كذلك تحبط أعمالكم . { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } لما شبه المنافقين بالكفار المتقدمين في الرغبة في الدنيا وتكذيب الأنبياء . وكان لفظ : الذين من قبلهم ، فيه إبهام نص على طوائف بأعيانها ستة لأنه كان عندهم شىء من أنبائهم وكانت بلادهم قريبة من بلاد العرب ، وكانوا أكثر الأمم عدداً وأنبياؤهم أعظم الأنبياء ، نوح أول الرسل وإبراهيم الأقرب للعرب ، وما بينهما من الأمم مقاربون لهم في الشدة وكثرة المال والولد ، وقوم نوح أهلكوا بالغرق ، وعاد بالريح ، وثمود بالصيحة ، وقوم إبراهيم بسلب النعمة عنهم ، حتى سلطت البعوضة على نمرود مَلِكهم ، وأصحاب مدين بعذاب يوم الظلمة ، والمؤتفكات بجعل أعالي أرضها أسافل وإمطار الحجارة عليهم . { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ } لما ذكر تعالى المنافقين والمنافقات وما هم عليه من الأوصاف القبيحة والأعمال الفاسدة ، ذكر المؤمنين والمؤمنات وقال في أولئك بعضهم من بعض ، وفي هؤلاء بعضهم أولياء بعض ، إذ لا ولاية بين المنافقين ولا شفاعة لهم ، ولا يدعو بعضهم لبعض ، فكان المراد هنا الولاية لله خاصة . { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } الآية ، لما أعقب المنافقين بذكر ما أوعدهم به من نار جهنم أعقب المؤمنين بذكر ما وعدهم به من نعيم الجنات ولما كان قوله : أولئك سيرحمهم الله وعداً جمالياً فصله هنا تنبيهاً على أن تلك الرحمة هي هذه الأشياء .