Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 106, Ayat: 1-2)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } ؛ اختلَفُوا في هذه اللامِ المذكورة ، قال بعضُهم : هي لام كَي أي " متعلق بـ " { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [ الفيل : 5 ] أو لِيُؤلِفَ قُرَيشاً . ثم فسَّرَ الإيلافَ فقال تعالى : { إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } ؛ أي ليؤلِفَهم رحلةَ الشِّتاء ورحلةَ الصيفِ . وإنما قال ذلكَ لأنَّهم لَمَّا خافوا من أبرهةَ ، فتفرَّقوا في البلادِ ، فمَنَّ الله عليهم فقهَرَ عدُوَّهم . وكانت مكَّة بلداً لم يكن فيها زرعٌ ولا شجَر ؛ ولا رطبٌ ، وكان معاشُ أهلها ما يُنقَلُ إليها ، فأهلكَ اللهُ عدُوَّهم ليأْتَلِفُوا ؛ لأن تألِيفَ رحلةِ الشتاء والصيفِ في التجارة ، ولولا تجارتُهم في هاتَين الرِّحلتين لاضطَرُّوا إلى الخروجِ والتفرُّق في البوادِي ، فأرادَ اللهُ أن يكثُروا بمكَّة إلى أن يبعثَ اللهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم منهم نبيّاً إليهم وإلى غيرِهم . وكان بعضُهم يعدُّ السُّورَتين سورةً واحدة ، وقال سُفيان بن عيينة : ( ( كَانَ لَنَا إمَامٌ لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَيَقْرَأهُمَا مَعاً ) ) . وقال عمرُو بن مَيمون : ( ( صَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّاب رضي الله عنه صَلاَة الْمَغْرِب ، فَقَرَأ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى { وَٱلتِّينِ } [ التين : 1 ] ، وَفِي الثَّانِيَّةِ { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ } [ الفيل : 1 ] وَ { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } . والمعنى : أنَّ هلاكَ أصحاب الفيل كان سَبباً لبقاءِ إيلافِ قُريش ، ونظامِ حالهم . وقريشٌ هم ولَدُ النَّضِرِ بن كِنَانَةَ ، فمن وَلَدَهُ النَّضِرُ فهو قُرَشيٌّ ، ومن لم يَلِدْهُ فليس بقرَشِيٍّ . وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قالَ : " إنَّ اللهَ اصْطََفَى بَنِي كِنَانَةَ ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشاً ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمَ " وسُمُّوا قُريشاً من التَّقْرِيشِ ؛ وهو التكسُّبُ والتقلب والجمعُ والطلب ، وكانوا قَوماً تُجَّاراً على المالِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } بدلٌ من الإيلافِ الأوَّل . واختلَفُوا في انتصاب ( رحْلَةَ ) ، فقيل : انتصبَ على المصدر ؛ أي ارتِحالُهم رحلةً ، وإنْ شئتَ نصَبتَهُ بوقوعِ ( إيْلاَفِهِمْ ) عليه ، وإنْ شئتَ على الظَّرفِ . واختلَفُوا في تفسيرِ رحلة الشتاء والصيف ، فرُوي عن ابنِ عبَّاس قال : ( ( كَانُوا يَشْتُونَ بمَكَّةَ ، فأَمَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى أنْ يُقِيمُوا بالْحَرَمِ ، وَيَعْبُدُوا رَبَّ هَذا الْبَيْتِ ) ) . وَقِيْلَ : كانت لهم في السَّنة رحلَتان : إحدَاهُما في الشِّتاء إلى اليمنِ لأنَّها أدفأُ ، والأُخرى في الصَّيف إلى الشَّام ، وكان الحرَمُ جَدْباً لا زرعَ فيه ولا ضرعَ ولا شجرَ ، وإنما كان قريشٌ يعيشُونَ بتجارتِهم ورحلَتِهم ، وكان لا يتعرضُ له أحدٌ بسوءٍ ، وكانت الناسُ تقول : سُكَّان حرمِ الله ، فلولا الرِّحلتان لم يكن لأحدٍ بمكة مقامٌ ، ولولا الأمنُ بجوار البيت لم يقدِرُوا على التصرُّف .