Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 34-34)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ } ؛ معناهُ : قال لَهم : لا ينفعُكم دُعائِي ، وتحذيرِي إيَّاكم إنْ أردتُ أنْ أحذِّرَكم من عذاب الله إنْ كان اللهُ يريدُ أن يُضِلَّكم عن الْهُدَى مجازاةً بعملِكم ، فإن إرادةَ اللهِ فوق إرادَتِي ، ويكونُ ما يريدُ لا ما أريدُ . فإن قِيْلَ : كيف يجوزُ أن تكون إرادةُ إبليس موافقةً لإرادةِ الله ، وأرادةُ نوحٍ مخالفةً لإرادة الله ؟ فالجواب : إنَّ اللهَ تعالى شاءَ لأُؤلئك القومِ الكفرَ ، وشاءَ لنوحٍ أن يسألَهم الإيمانَ ، وشاءَ لإبليس أن يسألَهم الكفرَ ، فالكلُّ بمشيئةِ الله تعالى . ويقالُ : معنى قولهِ : { إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } إن كان اللهُ يريد أن يُهلِكَكم ، وينحِّيَكم من رحمتهِ بكُفرِكم ، كما قال : { فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً } [ مريم : 59 ] أي هَلاكاً وعذاباً ، والغَيُّ قد يكون بمعنى الْخَيْبَةِ ، كما قال الشاعرُ : @ فَمَنْ يَلْقَ خَيْراً يَحْمَدِ النَّاسُ أمْرَهُ وَمَنْ يَغْوَ لاَ يَعْدَمْ عَلَى الْغَيِّ لاَئِمَا @@ أي ومَن يَخِبْ ، يقالُ : غوَى الرجلُ يَغْوِي غَيّاً ؛ إذا فسدَ عليه أمرهُ ، أو فسدَ هو في نفسهِ ، ومنه { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [ طه : 121 ] أي فَسَدَ عليه عيشهُ في الجنَّة ، وهذا يُؤَوَّلُ أيضاً إلى معنى الْخَيْبَةِ فيها فسادُ العيشِ . وذكرَ الحسنُ في معنى الآية : ( لاَ يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي الْيَوْمَ إذا نَزَلَ بكُمُ الْعَذابُ ، فَاسْتَدْركُوا أمْرَكُمْ قَبْلَ نُزُولِ الْعَذاب لِتَنْتَفِعُوا بنُصحِي ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { هُوَ رَبُّكُمْ } أي مَالِكُكُم يقدرُ على إنزالِ العذاب بكم ، { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ؛ أي إليه مصيرُكم بعد الموتِ فيجزِيَكُم بأعمالكم . وهذه الآيةُ مما يحتجُّ بها أنَّ الشرطَ إذا اعترضَ على الشرطِ مِن غير أن يتخلَّلهُما الجوابُ ، كان الشرطُ الثاني مُقدَّماً على الأوَّلِ في المعنى ، حتى لو قالَ قائلٌ : إنْ دخلتَ الدارَ ، إنْ كلَّمْتَ زيداً فعبدِي حرٌّ ، لا يحنَثُ حتى يكلِّمَ ثم يدخلَ . فيكون تقديرُ الآية : ولا ينفعُكم نُصحِي إنْ كان اللهُ يريد أن يُغوِيَكُمْ إن أردتُ أن أنصَحَ لكم .