Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 45-46)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي } ؛ أي قَومِي ، { وَإِنَّ وَعْدَكَ } ؛ بنجاةِ قومي ، { ٱلْحَقُّ } ؛ الصِّدقُ لا شكَّ فيه ، { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } ؛ في قولِكَ وفعلِكَ ، وكان دعاءُ نوحٍ عليه السلام بهذا الدُّعاء حين حَالَ الموجُ بينَهُ وبين ابنهِ كنعان . { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } ؛ معناهُ : قال اللهُ : يا نوحُ إنَّهُ ليس من أهلِكَ الذين وعدتُكَ أن أُنْجِيَهُمْ ، إنما أهلُكَ دِينُكَ ، وإنَّ ابنَكَ كافرٌ ليس على دينكَ ، فانقطعَتِ العصمةُ بينَكَ وبينه بكُفرهِ وإيمانِكَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } أي إنَّ سؤَالَكَ إيَّايَ أنْ أُنْجِي كافراً عَمَلٌ غيرُ صالحٍ ، قرأ الكسائيُّ ويعقوب ( عَمِلَ ) بكسرِ الميم وفتح اللام ( غَيْرَ ) منصوب ، أي إنه عَمِلَ بالشِّركِ والتكذيب ، وقرأ الباقون بالرَّفع والتنوينِ ( غَيْرُ ) بالرفع ؛ أي إنه ذُو عَمَلٍ غير صالح . وَقِيْلَ إنَّ سُؤالَكَ إيَّاي نجاةَ ولدِكَ الذي ليس من أهلِكَ سؤالٌ غيرُ مُرْضٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } ؛ قرأ ابنُ كثير بتشديد النُّون وفتحِها ، وقرأ أهلُ المدينة والشام بتشديد النونِ وكسرِها ، والمعنى واحدٌ ؛ أي لا تسألني ما ليسَ لك به علمٌ أنه صوابٌ وأنا أفصِلهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } ؛ إي إنِّي أعِظُكَ أن تسأَلَني سؤالَ الجاهلِ ، ولكن سَلْنِي سؤالَ العالِم بي . والوَعْظُ في اللغة : هو الزَّجْرُ عن القبيحِ ، وكان نداءُ نوح { رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي } نداءَ تعظيمٍ لله تعالى على ظنِّ أنَّ ابنَهُ من أهلِ دينه , وقولهُ تعالى { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } نداءُ تنبيهٍ على أنه ليسَ مِنْ أهلِ دينه ، ولا من أهلِ أن يلطفَ به . واختلَفُوا في هذا الابنِ ، فقالوا : إنه لَمْ يكن ابنَ نوحٍ لقوله تعالى : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } أي مِن ولدِكَ وهو قولُ مجاهد والحسنِ ، والمعنى على قولِهما إنهُ وُلِدَ لغيرِ رُشدهِ . قال قتادةُ : ( وسُئلَ الْحسَنُ عَنْهُ فَقَالَ : ( وَاللهِ مَا كَانَ ابْنَهُ ) ، وَقَرَأ { فَخَانَتَاهُمَا } [ التحريم : 10 ] ! فَقُلْتُ : إنَّ اللهَ تَعَالَى حَكَى عَنْهُ أنَّهُ قالَ : { إِنَّ ٱبْنِي } وَقَالَ : ( وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ ) وَأنْتَ تَقُولُ : لَمْ يَكُنِ ابْنَهُ ! وَإنَّ أهْلَ الْكِتَابَيْنِ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أنَّهُ كَانَ ابْنَهُ ، فَقَالَ الْحَسَنُ : ( وَمَنْ يَأْخُذُ دِينَهُ مِنْ أهْلِ الْكِتَاب ؟ ! إنَّهُمْ يَكْذِبُونَ ) . وقال ابنُ جريج : ( وَنَادَاهُ وَهُوَ يَحْسَبُ أنَّهُ ابْنُهُ ، وَكَانَ وُلِدَ علَى فِرَاشِهِ ) . وقال بعضُهم : إنما كان ابنَ امرأتهِ ، واستدَلُّوا بقولهِ { إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي } ولَمْ يقُل إن ابني منِّي ، وهو قولُ أبي جعفر الباقر . وقال أكثرُ المفسِّرين : إنه كان ولدَهُ مِن صُلبهِ ، وقولهُ تعالى : { لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } أي الذي وعدتُكَ أن أُنْجِيَهُمْ ، قالُوا : ومَا بَغَتِ امرأةُ نَبيٍّ قط ، وإنَّما خيانَتُهما في الدِّين لا في الفراشِ ، ولأنَّ الله تعالى يعصِمُ أنبياءَهُ صلواتُ اللهُ عَلَيْهِمْ أن يقعَ مِن نسائهم ما يُلحِقُ بهم عَيْباً في الدُّنيا ، وإنْ كان قد يقعُ منهنَّ ما يكون عَيْباً في أمرِ الآخرة ، وفي الحديثِ : " مَا بَغَتِ امْرَأةُ نَبيٍّ قَطٌّ ، وَكَانَتْ خِيَانَتُهَا لَهُ أنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لِلنَّاسِ : إنَّهُ مَجْنُونٌ وَكَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الأَضْيَافِ " وهذا قولُ ابنِ عبَّاس وعكرمةُ وسعيد بن جبيرٍ والضحَّاك . وقال أبو معاوية البجلي : ( قَالَ رَجُلٌ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : قَوْلُهُ { إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي } هَلْ كَانَ ابْنَ نُوحٍ ؟ فَسَبَّحَ اللهَ طَوِيلاً ، قَالَ : لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ، يُحَدِّثُ اللهُ مُحَمَّداً نَبيَّهُ وَيَقُولُ إنَّهُ ابْنُهُ وَتَقُولُ أنتَ لَيْسَ ابْنَهُ ! كَانَ ابْنَهُ وَلَكِنْ كَانَ مُخَالِفاً فِي النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَالدِّينِ ، فَمَنْ ثَمَّ قَالَ : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } ) . وهذا القولُ أولَى بالصواب ، وأليقُ بظاهرِ الكتاب .