Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 81-83)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ } ؛ فافتَحِ البابَ ودَعْنا وإيَّاهم ، ففتحَ البابَ فدخَلُوا ، فقامَ جبريلُ في الصُّورةِ التي يكون فيها في السَّماء ، فنَشَرَ جناحَهُ وضربَ به وُجوهَهم فطَمَسَ أعيُنَهم وأعمَاهُم ، فصارُوا لا يعرفون الطريقَ ولا يهتَدُون إلى بُيوتِهم . فقالَ لوطُ عليه السلام متَى مَوعِدُ هَلاَكِهم ؟ قالوا : الصُّبْحَ ، قالَ : أريدُ أسرعَ من ذلك ، فقالوا : أليس الصُّبح بقريبٍ ؟ وذلك قولهُ تعالى : { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ } [ القمر : 37 ] . ثُم قالوا له : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ } ؛ وفيه قراءَتان ( فَأَسْرِ ) بالهمز والوصلِ ، يقال سَرَى وأسْرَى بمعنى واحدٍ ، قَوْلُهُ تَعَالَى : { بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } ؛ أي في آخرِ الليل عند السَّحَرِ والهدوءِ ، وقال الضحَّاك : ( بقِطْعٍ أيْ ببَقِيَّةٍ ) ، وقال قتادةُ : ( بَعْدَ مَا مَضَى صَدْرُهُ ) ، { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } . قرأ ابنُ كثير وأبو عمرو ( امْرَأَتُكَ ) رفعاً على الاستثناءِ من الإلتفات ؛ أي ولا يلتَفِت أحدٌ إلا امرأتُكَ ، فإنَّها تلتفِتُ فتهلَكُ . وقرأ الباقون بالنصب على الاستثناء من الإسراءِ ؛ أي فَاسْرِ بأهلِكَ إلا امرأتُكَ فلا تَسْرِ بها وخلِّفها مع قومِها . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ } ؛ ظاهرُ المعنى . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ } ؛ أي قالت الملائكةُ : إن وقتَ هلاكِهم ، { ٱلصُّبْحُ } ؛ فقالَ لوط : الآنَ يا جبريلُ ، وإنما ذلكَ لضيقِ صدرِه منهم وشدَّة غَيظِه ، فقالَ جبريلُ : { أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } ، وفي هذا بيانُ أنَّ اللهَ لا يُهلِكُ أحداً قبلَ انقضاءِ مدَّتهِ ، وإنْ ضَاقَتْ صدورُ أوليائهِ عنه . وعن ابن عبَّاس : ( أنَّ جِبْرِيلَ لَمَّا قَالَ لِلُوطٍ : فَاسْرِ بأَهْلِكَ بقِطَْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ، قَالَ لُوطُ : يَا جِبْرِيلُ كَيْفَ أصْنَعُ وَأَبَوابُ الْمَدِينَةِ قَدْ أُغْلِقَتْ ، فجَمَعَ لَهُ جِبْرِيلُ أهْلَهُ وَبَقَرَهُ وَغَنَمَهُ وَمَالَهُ ، وَاحْتَمَلَهُمْ عَلَى جَنَاحِهِ حَتَّى أخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَانْطَلَقَ بهِمْ مُتَوَجِّهاً إلَى صَغَرْ ، وَهِيَ عَلَى أرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَدَائِنِ لُوطٍ ، وَهِيَ إحْدَى الْقَرَى الْخَمْسِ : سَدُومُ وَدَادَ وَمَاو وَعَامُورا وَصَغَرْ ، وَلَمْ يَكُنْ أهْلُ صَغَرْ يَعْمَلُونَ عَمَلَهُمْ ، وَكَانَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ ألْفُ مُقَاتِلٍ ، فَمَا سَارَ لٌُوطُ فَرْسَخَيْنِ حَتَّى سَمِعَ الصَّيْحَةَ ) . كما رُوي أنَّ جبريل عليه السلام جعلَ جناحه في أسفلِها فرَفَعها من الأرضِ السَّابعة إلى السَّماءِ حتى سَمِعَ أهلُ السَّماء نباحَ الكلاب وصياحَ الدِّيَكة ، ثم قلَبَها وجعلَ أسفلها أعلاَها ، وأعلاها أسفَلَها ، وأقبَلَت تَهوِي من السَّماءِ إلى الأرضِ ، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } ؛ قال وهبُ : ( لَمَّا رُفِعَتْ إلَى السَّمَاءِ أمْطَرَ الله ُعَلَيْهَا حِجَارَةَ الْكِبْرِيتِ بالنَّارِ ، ثُمَّ قُلِبَتْ عَلَيْهِمْ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } قِيْلَ : أمطرَ اللهُ الحجارةَ على شُذاذِهم ومُسافرِيهم . واختلَفُوا في السِّجِِّيلِ ، فقيل : هو فارسيةٌ مُعرَّبَة ، وفيه بيانُ أن تلك الحجارةَ كانت شديدةً صَلِبَةً ، نحو ما يُطبَخُ من الطِّين فيصيرُ كالآجُرِّ وأصلبَ منه ، يدلُّ عليه قَوْلُهُ تَعَالَى : { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } [ الذاريات : 33 ] . وقال بعضُهم : هو من سجيل وهو الإرسَالُ ، فيكون معناهُ : حجارةً مُرسَلَةً ، ويقال : السِّجِّيلُ : سَماءُ الدنيا ، وقيل : السجِّيلُ وَالسِّجِّينُ : الشديدُ من الحجَرِ . قْوْلُهُ تَعَالَى : { مَّنْضُودٍ } ؛ أي بعضُهم فوقَ بعضٍ . وقولهُ : { مُّسَوَّمَةً } ؛ أي مُعَلَّمَةً بعَلامةٍ المعاقَبين ، وكانت مخطَّطة بالسَّوادِ والْحُمْرَةِ والبَياضِ . وَقِيْلَ : كان مكتوبٌ على كلِّ حجَرٍ اسمَ مَن هَلَكَ بهِ . وقولهُ تعالى : { عِندَ رَبِّكَ } ؛ أي أعلَمَتها الملائكةُ في السَّماء بأمرِ الله . وقوله تعالى : { وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } ؛ أي وما تلكَ الحجارةُ من ظالمِي أُمَّتِكَ ببعيدٍ ، وعن ابنِ عبَّاس أنه قال : ( لاَ وَاللهِ لاَ تَذْهَبُ اللَّيالِي وَالأَيَّامُ حَتَّى تَسْتَحِلَّ هَذِهِ الأُمَّةُ أدْبَارَ الرَّجَالِ كَمَا اسْتَحَلُّوا النِّسَاءَ ، وَلاَ تَذْهَبُ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يُصِيبَ طَوَائِفَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ حِجَارَةً مِنْ عِنْدِ رَبِكَ ) .