Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 24-24)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } ؛ قال الحسنُ : ( أمَّا هَمُّهَا فَأَحَبُّ هَمٍّ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْفَاحِشَةِ ، وَأمَّا هَمُّهُ فَهُوَ مَا طُبعَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ مِنْ شَهْوَةِ النِّسَاءِ مِنْ دُونِ عَزْمٍ عَلَى الزِّنَا ) . واختلفَ أهلُ العلمِ في ذلك ، فرُوي عن ابنِ عبَّاس أنه سُئِلَ : مَا بَلَغَ مِنْ أمْرِ يُوسُفَ ؟ قَالَ : ( حَلَّ الْهِمْيَانَ وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الْخَاتِنِ ) . وعن ابنِ أبي مليكة قال : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ : مَا بَلَغَ مِنْ أمْرِ يُوسُفَ ؟ قَالَ : ( اسْتَلْقَتْ لَهُ عَلَى قَفَاهَا وَقَعَدَ بَيْنَ رَجْلَيْهَا يَنْزِعُ ثِيَابَهُ ) وهو قولُ سعيدِ بن جُبير والضحَّاك والسديُّ . ورُوي عن ابنِ عبَّاس : ( أنَّه لَمَّا راوَدت يوسُفَ جعلت تذكرُ محاسنَهُ وتشوِّقه إلى نفسها ، فقالت : يا يوسفُ ما أحسنَ ماء عينيكَ ؟ قال : هو أوَّلُ ما سِيلَ على الأرضِ من جسَدِي ، قالت : ما أحسنَ وجهَكَ ؟ قال : هو للتُّراب يأكلهُ ، قالت : ما أحسنَ شَعْرَك ، قال : هو أوَّلُ سَتْرٍ من بدَنِي ، قالت : ما أحسنَ صُورَتَكَ ، قال : رَبي صوَّرَنِي ، قالت ، يا يوسفُ صورةُ وجهِكَ أنْحَلَتْ جسمي ، قال : إن الشيطانَ يُعِينُكِ على ذلكَ ، قالت : فراشُ الحريرِ قد بسطتهُ قم فاقضِ حاجَتي ، قال : إذن يذهبُ نصيبي من الجنَّة ، قالت : أُدخل في السترِ معي ، قال ليس بشيءٍ يستُرنِي من ربي . فلم تزَلْ تدعوهُ إلى اللذة ، ويوسف شابٌّ مستقبلٌ يجد من شبق الشباب ما يجدُ الرجل ، وهي حسناءُ جميلة حتى لاَنَ لها لما يرى من كَلَفِها به وهمَّ بها ) . فهذه أقاويلُ أجِلَّةِ أهلِ التفسير ، وقال جماعةٌ من المتأخِّرين : ( لاَ يَلِيقُ هَذا بالأَنْبيَاءِ ) وأوَّلوا الآيةَ ، قال بعضُهم : هَمَّ بالفرار ، وهذا لا يصحُّ لأن الفرارَ مذكَّرٌ ، وَقِيْلَ : هَمَّ بضَربها ودَفعِها ومخاصمتها ، وقال بعضُهم معنى قوله : { وَهَمَّ بِهَا } بمُنَاهَا أن تكون له زوجةً . وقال أهلُ الحقائقِ : الْهَمُّ هَمَّانِ : همٌّ مقيمٌ ثابت ، وهو إذا كان معه عَزْمٌ وعقدٌ ونيَّة ورضًى مثل هَمِّ امرأةِ العزيزِ ، فالعبدُ مأخوذٌ به ، وهَمٌّ عارضٌ وارد وهو الْخَطْرَةُ والفكرةُ وحديث النَّفسِ من غيرِ اختيارٍ ولا عَزْمٍ مثل همِّ يوسف ، والعبدُ غير مأخوذٌ به . وفي الحديثِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ : " إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بهِ أنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُواْ أوْ يَفْعَلُواْ بهِ " عن ابن عبَّاس قالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ أحَدٍ يَلْقَى اللهَ قَدْ هَمَّ بخَطِيئَةٍ قَدْ عَمِلَهَا ، إلاَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيّا فإنَّهُ لاَ يَهِمُّ ولَمْ يَفْعَلْ " . وقال بعضُهم في قولهِ { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } قال أبو العبَّاس أحمدُ بن يحيى ثعلب : ( هَمَّتِ الْمَرْأةُ بالْمَعْصِيَةِ مُصِرَّةَ عَلَى ذلِكَ ، وَهَمَّ يُوسُفُ بالْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يَأْتِهَا ) . وَقِيْلَ ، هَمَّت المرأةُ عازمةً على الزنَى ، ويوسفُ عارَضَهُ ما يعارضُ الشبابَ من خَطَراتِ القلب وحديث النَّفس ، فلم يلزمه ، وهذا الْهَمُّ ليس ذنباً إذ الرجلُ الصائم يخطرُ بقلبهِ شرابُ الماءِ البارد ، فإذا لم يشرب كان غيرَ مُؤَاخَذٍ بما يحسُّ في نفسهِ فيه . وقال الزجَّاج : ( وَهَمَّ بهَا وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنَ الْمَرْأةِ ، إلاَّ أنَّ اللهَ تَعَالَى تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بأَنْ أرَاهُ الْبُرْهَانَ ، ألاَ تَرَاهُ قَالَ : وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } ؛ اختلَفُوا في هذا البرهان ، قال ابنُ عبَّاس والحسنُ وابن جبير ومجاهد : ( رَأى صُورَةَ يَعْقُوبَ عَاضّاً عَلَى أنَامِلِهِ ) ، وقال قتادةُ : ( سَمِعَ صَوْتاً : يَا يُوسُفُ إنَّهُ فِعْلُ السُّفَهَاءِ ، وَأْنْتَ مَكْتُوبٌ فِي دِيوَانِ الأَنْبيَاءِ ) . ويقالُ : خرج كَفٌّ بينَهما بلا جسدٍ مكتوبٌ فيه ثلاثةُ أسطُرٍ ؛ إحداها : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } [ البقرة : 281 ] والثاني : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } [ الإسراء : 32 ] ، والثالثُ : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ } [ الانفطار : 10 - 11 ] . وعن محمَّد بن كعبٍ القُرظي قال : ( مَعْنَى { لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } : لَوْلاَ مَا عَلِمَهُ مِنْ قَبيحِ الزِّنَى ، وَوُجُوب الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ ) وَهَذا كُلُّهُ مَحْذُوفُ الْجَوَاب ، وَجَوَابُهُ : لَوْلاَ ذلِكَ لَعَزَمَ عَلَى الْقُبْحِ ، وَعَمِلَ عَلَى مقتضى شَهْوَتِهِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ } ؛ أي كما مكَّنَّا له في الأرضِ ، كذلك أرَيْنَاهُ البرهانَ { لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ } أي الخيانةَ ( وَالْفَحْشَاءَ ) يعني الزِّنَى . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ } ؛ الذين أخلَصُوا دِينَهم للهِ ، ومَن قرأ بفتحِ اللام فمعناهُ : مِن عِبادنا الذين أخلَصْنَاهم واصْطَفَيناهم .