Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 86-88)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ } ؛ أي قالَ يعقوبُ : إنَّما أشْكُو غَمِّي وحُزْنِي إلى اللهِ . والْبَثُّ : هو تفريقُ الحزنِ الذي لا يكادُ يصبرُ عنه صاحبهُ حتى يَبُثَّهُ . ورُوي أنَّ رجُلاً قالَ ليعقوب عليه السلام : مَا الذي أذهبَ بصَرَكَ ؟ قال : حُزْنِي على يوسُفَ ، قال : فما الذي قَوَّسَ ظَهرَك ؟ قال : حُزنِي على أخيهِ . فأوحَى اللهُ إليه : يا يعقوبُ أتَشْكُونِي ؟ وعِزَّتِي لا أكشفُ ما بكَ حتى تَدعُوَنِي ، فقال عند ذلك : { إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ } فأوحَى اللهُ إليه : وعِزَّتِي وجَلالِي لو كانَا مَيِّتَينِ لأحيَيتُهما لكَ حتى تنظُرَ إلَيهما . وَقِيْلَ : إنَّ رجُلاً دخلَ عليه فقالَ له : يا يعقوبُ ما لِي أراكَ قد انْهَشَمْتَ وَفَنَيْتَ ؟ قال : هَشَّمَنِي وَأفْنَانِي ما ابتلانِي اللهُ به من هَمِّ يوسُفَ ، فأوحَى اللهُ إليه : أتَشْكُونِي إلى خَلقِي ؟ فقالَ : يا رب خطيئةٌ أخطَأْتُها فَاغفِرْها لِي ، فقال : قد غفَرتُها لَكَ ، فكان بعدَ ذلك إذا سُئلَ قال : { إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ } . قال وهبُ بن مَنبه : ( أوحَى اللهُ إلى يعقوبَ : أتدري لِمَ عاقبتُكَ وحبستُ عنك يوسف ثمانين سنةَ ؟ فقالَ : لاَ ، قال : لأنَّكَ شويتَ وقتَّرْتَ على جارِكَ وأكلتَ ولم تُطعِمْهُ ! ) . ويقالُ : إن سببَ ابتلاءِ يعقوب ، أنه كان له بقرةٌ وكان لها عِجْلٌ ، فذبحَ عِجلَها بين يديها وهي تخورُ ، فلم يَرحَمْها يعقوبُ فأخذهُ الله به وابتلاهُ بفقدِ أعزِّ أولادهِ من وسيطٍ الواحد ! قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ؛ أي أعلمُ أن رُؤيا يوسف صادقةٌ وإنَّا سنسجدُ له . وَقِيْلَ : أعلمُ أن يوسف حيٌّ لم يَمُتْ ؛ لأنه رويَ أن مَلَكَ الموتِ دخلَ على يعقوبَ ، فقال له يعقوبُ : هل قبضتَ روحَ ولَدي يوسف في الأرواحِ ؟ قال : لاَ وستراهُ عاجلاً . فعندَ ذلك قال يعقوبُ لأولادهِ كما قَالَ اللهُ تََعَالَى : { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ } ؛ أي اذهَبُوا واسْتَخْبرُوا واطلبُوا يوسف وأخاهُ ، وقال ابنُ عبَّاس : ( مَعْنَاهُ : فالْتَمِسُوا يُوسُفَ وَأخَاهُ ) ، { وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } ؛ أي لا تقنَطُوا من فَرَجِ اللهِ ، { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } ؛ وسُئل ابنُ عبَّاس عن الفرقِ بين التَّحْسِيسِ والتَّجْسِيسِ ، فقالَ : ( التَّحَسُّسُ فِي الْخَيْرِ ، وَالتَّجَسُّسُ فِي الشَّرِّ ) . ورُوي أن يعقوبَ كتبَ كتاباً إلى عزيزِ مصرَ : بسمِ الله الرَّحمنِ الرحيم : من يعقوبَ بن اسحاقَ بن إبراهيم إلى عزيزِ مصرَ ، أمَا فإنَّا أهلُ بيتٍ موَكَّل بنا البلاءُ ، ابتلَى اللهُ جَدِّي بأن طُرِحَ في النار فجعلَها اللهُ عليه بَرْداً وسَلاَماً ، وابتَلَى عمِّي إسماعيلَ بالذبْحِ ، ففداهُ اللهُ بكَبْشٍ عظيمٍ ، وابتلَى أبي بالعمَى ، وابتُلِيتُ أنا بغَيْبَةِ ابنِي يوسُفَ فذهبَ بصَرِي ، وزعمتَ أنَّ ابني سَرَقَ ، وما ولدتُ سَارقاً ، فخَلِّ سبيلَ ابني وإلا فإن اللهَ يفعلُ ما يشاء . ثم دفعَ الكتابَ إلى أولادهِ وقال لَهم : إذا دخلتُم عليه فقولوا : يَا أيُّاَ الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأهْلَنَا الضُّرُّ ، فذلكَ : قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } ؛ أي فلمَّا دخَلُوا في المرَّة الثالثةِ قالوا : يا أيُّها العزيزُ مسَّنَا وأهلَنا الشدَّةُ من القحطِ ، { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } ؛ أي قليلةٍ كاسِدَة ، والْمُزْجَاةُ : هي الشيءُ اليسير الذي يدافَعُ بهِ . روي أنَّهم جاؤُوا بمتاعِ الأعراب مثل الأقطِ والْجُبْنِ والسَّمْنِ والصوفِ ، وَقِيْلَ : جاؤُا بدراهم رَديئةٍ لا تنفَقُ في الطعامِ ، وقال الضحاك : ( النِّعَالُ وَالأَدْمُ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } ؛ أي وفِّر لنا الكيل ، كما كنت توفر في السنين الماضية ، ولا تنظر الى قلة بضاعتنا في هذه السنة ، وتصدق علينا بنقصان السعر . وقال سفيان بن عيينة : ( سَأَلُوا الصَّدَقَةَ وَهُمْ أنْبيَاءُ ، وَكَانَتْ حَلاَلاً لَهُمْ ، وَإنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ) ، وكره مجاهد أن يقول الرجل في دعائه اللهم تصدق علينا ، فان الصدقة إنما هي ممن يبتغي الثواب ، وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } ؛ أي على صدقاتهم بأفضل منها .