Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 16-17)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ } ؛ أي قُل يا مُحَمَّدُ لأهلِ مكَّة : مَن ربُّ السماوات والأرض ؟ فَإن أجابُوكَ وقالوا : هو اللهُ ، وإلاّ فقُلِ : اللهُ ربُّهما ، و { قُلْ } ؛ لَهم : { أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } ؛ أي أربَاباً ، { لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً } ؛ فكيف يَملِكون لكم النفعَ والضر . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } ؛ أي قُل لَهم : هل يستوي أعمَى القلب الذي يعدلُ عن عبادةِ الخالق ؟ هل يستَوِي مع البصير بقلبه ، العالِم بأنه تعالى إلَهُهُ ووليُّهُ والقادرُ على نفعهِ ودفعِ الضُّرِّ عنهُ ، { أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ } ؛ فيه تشبيهُ الكفرِ بالظُّلمات ، وتشبيهُ الإيمانِ بالنُّور . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ } ؛ معناه : أجَعَلَ الكفارُ لله شُركاءَ ، خلَقَت شركاؤُهم شيئاً كما خَلَقَ اللهُ ، { فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ } ؛ فلم يعرفُوا خلقَ الشركاء من خلقِ اللهِ فأشرَكُوها معه في العبادةِ ؛ { قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } ؛ بلا شريكٍ ، فإذا لم يكن الخلقُ إلا من واحدٍ لم يكن الخالقُ إلا واحداً ، فهو الذي يستحقُّ العبادةَ بلا شريكٍ ، { وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } ؛ الغالبُ لكلِّ شيء ، لا يقهَرهُ أحدٌ . ثم ضربَ اللهُ مثلاً للحق والباطل ، وقال تعالى : { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } ؛ أنزلَ مطراً فسَالَتْ أودِيةٌ من ذلك المطرِ بقدرِ الأودية ، فما كان منها كبيراً سالَ بقدرهِ ، وما كان صَغيراً سالَ بقَدرهِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً } أي عَالياً مُرتفعاً على الماءِ ، والسَّيلُ ما يسيلُ من الموضعِ المرتفع . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ } ؛ أي ومما تطرَحون في النارِ من الذهب والفضَّة لطلب حِلْيَةٍ تلبَسونَها زَبَدٌ ؛ أي خَبَثٌ مثلُ زبَدِ الماءِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ } ؛ أرادَ به الحديدَ والرصاص وما يشاكِلهُ مما يوقَدُ عليه في النار ؛ لاتِّخاذ المتاعِ له زَبَدٌ ؛ أي خَبَثٌ مثل ذلك الماءِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ } ؛ أي هكذا يضربُ الله مَثَلَ الحقِّ والباطل ، { فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً } ؛ أما زبَدُ هذه الأشياء ، فيذهبُ ناحيةً لا ينتفعُ به ، فإن زبدَ الماء يتعلَّقُ بأصولِ الأشجار وجَنَباتِ الوادي . والْجُفَاءُ : ما رَمَى به الوادِي ، وجُفَاهُ في جَنَبَاتِهِ ، يقال : أجْفَأَتِ القِدْرُ زبَدَها إذا قذفَتْ به ، وكما أنَّ زَبَدَ الماءِ يذهبُ بحيث لا ينتَفعُ به ، كذلك خبَثُ الذهب والفضة والحديد ، { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ } . قَوْلُهُ تعَالَى : { كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } ؛ للناسِ في أمر دِينهم ، كما ضربَ لكم المثلَ ، قال قتادةُ : ( هُنَّ ثَلاَثَةُ أمْثَالٍ ضَرَبَهَا اللهُ فِي مَثَلٍ وَاحِدٍ ، يَقُولُ : كَمَا أنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ، فَسَالَتْ أوْدِيَةٌ بقَدَرِهَا ، الصَّغِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ عَلَى مِقْدَارِهِ ، وَالْكَبيرُ عَلَى مِقْدَارِهِ ، كَذلِكَ أنْزَلَ اللهُ الْقُرْآنَ ، فَاحْتَمَلَ الْقُلُوبَ عَلَى قَدَرِهَا ، ذا الْيَقِينِ عَلَى قَدْرِ يَقِينِهِ ، وَذا الشَّكِّ عَلَى قَدْرِ شَكِّهِ ) . قَالَ : ( ثُمَّ شَبَّهَ خَطَرَاتِ وَوَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ بالزَّبَدِ يَعْلُو عَلَى الْمَاءِ ، وَذلِكَ مِنْ خَبَثِ الْبَرِّيَّةِ لاَ عَيْن الْمَاءِ ، كَذَلِكَ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ وَهْمٍ وَشَكٍّ فَهُوَ ذاتُ النَّفْسِ لاَ مِنَ الْحَقِّ ) . قَالَ : ( ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ الزَّبَدَ يَذْهَبُ جُفَاءً ؛ أيْ هَبَاءً بَاطِلاً وَيَبْقَى صَفْوُ الْمَاءِ ، كَذلِكَ يَبْطُلُ الشَّكُّ وَسُوءُ الخَطَرَاتِ وَيَبْقَى الْجَوفُ كَمَا هُوَ ، وَكَذَلِكَ مَا يُوقَدُ عَلَيْهِ فِي النَّار لِمَنَافِعِ النَّاسِ يَبْطُلُ زَبَدُهُ وَخَبَثُهُ وَيَبْقَى خَالِصُهُ وَصَفْوُهُ ، كَذلِكَ الْبَاطِلُ يَذْهَبُ وَيَبْقَى الْحَقُّ ) .