Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 29-29)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } ؛ أي تَبْخَلُ بالمنعِ من حقُوقِهم الواجبة لهم ، ومرادهُ : الذي يتركُ الإنفاقَ يكون بمنْزِلة مَن غُلَّتْ يداهُ إلى عُنقهِ ، فلا يعطِي من مالهِ شَيئاً في الخير ، وسُمِّي البخلُ بمثل هذه الصِّفات ، يقولون : فلانٌ قصيرُ البَاعِ ، وإذا كان كَريماً قالوا : طويلَ الباعِ ، وقال صلى الله عليه وسلم لنسائهِ : " أسْرَعُكُنَّ لَحَاقاً أطْوَلُكُنَّ يَداً " فَكَانَتْ زَيْنَبُ بنْتُ جَحْشٍ ؛ لأنَّهَا كَانَتْ أكْثَرَهُنَّ صَدَقَة . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } ؛ أي لا تُخرِجْ جميعَ ما في يدِكَ مع حاجتِكَ وحاجة عيالك إليه ، { فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً } ؛ ذا حَسرَةٍ تلومُ نفسَكَ وتُلاَمُ ، وتبقَى الحسرَةُ على ما تُخرِجهُ من يدِكَ ، والحسرةُ : الغَمُّ لانْحِسَارِ مَا فَاتَ ، وحَسَرَ عن ذراعهِ يَحْسُرُ حَسْراً إذا كَشَفَ عنه . وقد قِيْلَ : إنَّ المرادَ بالخطاب في هذه الآية غيرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يدَّخِرُ شيئاً لِغَدٍ ، وكان يجوعُ حتى يشُدَّ الحجرَ على بطنهِ ، وقد كان كثيرٌ من فُضَلاءِ الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يُنفقون جميعَ أمْلاكِهم في سبيلِ الله تعالى ، مِثْلَ ما فعلَهُ أبو بكرٍ رضي الله عنه حتى يبقَى في عباءة ، فلم يُعنِّفْهمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، ولم يُنكِرْ عليهم لصحَّةِ يقينهم وشدَّةِ بصائرهم . وإنما نَهَى اللهُ تعالى عن الإفراطِ في الإنفاقِ مَن خِيفَ عليه الحسرةَ على ما يخرجهُ من يدهِ ، كما رُوي : " أنَّ رَجُلاً أتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذهَبٍ ، فَقَالَ : وَجَدْتُهَا فِي مَعْدِنِ كَذا وَلاَ أمْلِكُ غَيْرَهَا ، فَتَصَدَّقَ بهَا ، فَأَخَذهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَمَاهُ بهَا حَتَّى لَوْ أصَابَهُ بهَا لَشَجَّهُ ، ثُمَّ قَالَ : " إنَّ أحَدَكُمْ لَيَتَصَدَّقُ بجَمِيعِ مَالِهِ ، ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ " ومن الدليلِ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَم يكن دَاخِلاً في هذا الخطاب : أن اللهَ تعالى قال { مَلُوماً مَّحْسُوراً } ومعلومٌ أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتحسَّرُ على ما كان يملِكهُ . وذهبَ بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ الخطابَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وأن سببَ نُزولِ هذه الآية ما رُوي : " أنَّ امْرَأةً بَعَثَتِ ابْنَهَا إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ لَهُ : قُلْ : إنَّ أُمِّي تَسْتَكْسِيكَ دِرْعاً ، فَإنْ قَالَ لَكَ حَتَّى يَأْتِينَا شَيْءٌ ، فَقُلْ لَهُ : فَإنَّهَا تَسْتَكْسِيكَ قَمِيصَكَ ، فَفَعَلَ الابْنُ كَمَا قَالَتْ أُمُّهُ ، فَنَزَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قَمِيصَهُ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ قَمِيصٌ يَخْرُجُ فِيْهِ إلَى الصَّلاَةِ " ، فنَزلت هذه الآيةُ بما فيها من الدلالةِ بالنَّهي عن الإمساكِ ، فيكون التحسُّرُ على هذا القولِ لتأخُّرِ خروجهِ إلى الصلاةِ بسبب القَميصِ .