Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 90-90)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } رَوى عكرمةُ عن ابنِ عبَّاس : " أنَّ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَا رَبيعَةَ ، وَأبَا سُفْيَانَ ، وَالنَّضرَ بْنَ الْحَارِثِ ، وأبَا جَهْلٍ بْنَ هِشَام ، وَالأَسْوَدَ بْنَ الْمُطَّلِب ، وَرَبيعَةَ بْنَ الأَسْوَدِ ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ ، وَأبَا جَهْلٍ ، وَأُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ ، وَالْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ وَغَيْرَهُمْ ، اجْتَمَعُوْا بَعْدَ غُرُوب الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إبْعَثُواْ إلَى مُحَمَّدٍ ، وَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ . فَبَعَثُوا إلَيْهِ أنَّ أشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُواْ لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ . فَجَاءَ إلَيْهِمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيعاً يَظُنُّ أنَّهُ بَدَا لَهُمْ فِي أمْرِهِ شَيْءٌ ، فَجَلَسَ إلَيْهِمْ فَقَالُواْ : يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلاً مِنَ الْعَرَب أدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مَا أدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ ، لَقَدَ شَتَمْتَ الآبَاءَ ، وَعِبْتَ الدِّينَ ، وَسَفَّهْتَ الأَحْلاَمَ ، وَشَتَمْتَ الآلِهَةُ ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ . فَمَا أمْرٌ قَبيحٌ إلاَّ وَقَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ ، فَإنْ كُنْتَ إنَّمَا جِئْتَ بهَذا الْحَدِيثَ تَطْلُبُ مَالاً ، جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أكْثَرَنَا مَالاً ، وَإنْ كُنْتَ تَطْلُبُ بهِ الشَّرَفَ فِيْنَا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا ، وَإنْ كَانَ هَذا الَّذِي بكَ تَابعٌ مِنَ الْجِنِّ ، بَدْلْنَا أمْوَالَنَا فِي طَلَب الطِّب لَكَ حَتَّى نُبْرِيَكَ مِنْهُ ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " مَا بي مَا تَقُولُونَ ، مَا جِئْتُكُمْ بهِ لِطَلَب أمْوَالِكُمْ وَلاَ الشَّرَفَ عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى بَعَثَنِي رَسُولاً وَأنْزَلَ عَلَيَّ كِتَاباً ، وَأمَرَنِي أنْ أكُونَ لَكُمْ بَشِيراً وَنَذِيراً ، فَبَلَّغْتُكُمْ رسَالَةَ رَبي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ، فَإنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَإنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أصْبرُ عَلَى مَا أمَرَ اللهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمِ " . فَقَالُواْ : يَا مُحَمَّدُ فَإنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابلٍ مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْكَ ، فَقَدْ عَلِمْتَ أنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أحَدٌ أضْيَقَ بلاَداً وَلاَ أقَلَ مِنَّا ، فَاسْأَلْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ إلَيْنَا أنْ يُسَيِّرَ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي ضَيَّقَتْ عَلَيْنَا ، وَيَبْسُطَ لَنَا بلاَدَنَا وَيُجْرِيَ لَنَا فِيهَا أنْهَاراً كَأَرْضِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ ، وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ أبَائِنَا ، وَلْيَكُنْ مِمَّنْ يَبْعَثُ لَنَا قُصَيَّ بْنَ كِلاَبٍ فَإنَّهُ كَانَ شَيْخاً صَدُوقاً ، فَنَسْأَلُهُمْ عَنْ مَا تَقُولُ : أحَقٌّ هُوَ أمْ بَاطِلٌ ؟ فَإنْ صَنَعْتَ لَنَا مَا سَأَلْنَاكَ وَصَدَّقُوكَ صَدَّقْنَاكَ ، وَعَرَفْنَا بذلِكَ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللهِ بأَنَّهَ بَعَثَكَ رَسُولاً كَمَا تَقُولُ . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " مَا بهَذا بُعِثْتُ ، إنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ بمَا بَعَثَنِي " . قَالُواْ : وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ هَذاَ فَاسْأَلْ رَبَّكَ يَبْعَثْ مَلَكاً يُصَدِّقُكَ ، وَيُعِينُكَ عَمَّا نَرَى بكَ ، فَإنَّكَ تَقُومُ فِي الأَسْوَاقِ تَتَلَمَّسُ الْمَعَاشَ . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " مَا أنَا بالَّذِي يَسْأَلُ اللهَ هَذا ، وَلَكِنَّ اللهَ بَعَثَنِي بَشِيراً ونَذِيراً " . قَالُواْ : فَأَسْقِطِ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً ، كَمَا زَعَمْتَ أنَّ اللهَ مَا شَاءَ فَعَلَ ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " ذلِكَ إلَى اللهِ ، إنْ شَاءَ فَعَلَهُ بكُمْ " فَقَالُواْ : قَدْ أُعْذِرْنَا إلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ، أمَا وَاللهِ مَا نَتْرُكُكَ وَمَا فَعَلْتَ بنَا حَتَّى نُهْلِكَكَ أوْ تُهْلِكَنَا . وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى تَأْتِيَ باللهِ وَالْمِلاَئِكَةِ قَبيلاً . فَلَمَّا قَالُواْ ذلِكَ قَامَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَامَ مَعَهُ عَبْدُاللهِ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّتِهِ عَاتِكَةُ بنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِب ، فَقَالَ لَهُ : يَا مُحَمَّدُ عَرَضَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ مَا عَرَضُواْ فَلَمْ تَقْبَلْ مِنْهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أُمُوراً لأَنْفُسِهِمْ ؛ لِيَعْرِفُواْ بهَا مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللهِ فَلَمْ تَفْعَلْ ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أنْ تُعَجِّلَ لَهُمْ مَا خَوَّفْتَهُمْ بهِ مِنَ الْعَذاب فَلَمْ تَفْعَلْ ، فَوَاللهِ لاَ أُؤْمِنُ بكَ أبَداً حَتَّى تَتَّخِذ سُلَّّماً إلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ تَرْقَى فِيْهِ وَأنَا أنْظَرُ حَتَّى تَلِجَ بَابَهَا ، أوْ تَأْتِيَ مَعَكَ بنُسْخَةٍ مَنْشُورَةٍ ، وَنَفَرٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ يَشْهَدُونَ أنَّكَ نِبيٌّ كَمَا تَقُولُ ، وَأيْمِ اللهِ لَمْ فَعَلْتَ ذلِكَ لَظَنَنْتُ أنِّي لاَ أُصَدِّقُكَ . ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَنْزِلهِ حَزِيناً لِمَا نَالَهُ مِنْ سَفَاهَةِ قَوْمِهِ وَتَبَاعُدِهِمْ مِنَ اللهِ ، فَقَالَ أبُو جَهْلٍ حِينَ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنَّ مُحَمَّداً قَدْ أتَى إلَى مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْب دِينِنَا وَشَتْمِ آبَائِنَا وَتَسْفِيهِ أحْلاَمِنَا وَتَتْبيب آلِهَتِنَا ، إنِّي أُعَاهِدُ اللهَ لأَجْلِسُ لَهُ بحَجَرٍ غَداً قَدْرَ مَا أُطِيقُ حَمْلَهُ ، فَإذا سَجَدَ فِي صَلاَتِهِ رَضَخْتُ بهِ رَأسَهُ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } " قرأ أهلُ الكوفةِ ( تَفْجُرَ ) مخففة بفتحِ التاء وضمِّ الجيم ، واختارَهُ أبو حاتم ؛ لأن الينبوعَ واحدٌ ، وقرأ الباقون بالتشديدِ ، ولم يختلِفُوا في الثانِي أنه مشدَّدٌ لأجلِ أنَّها جمعٌ . وذلك أنَّهم لَمَّا عجَزُوا عن الإتيانِ بسُورَةٍ مثل القرآن وانقطعَتْ حُجَّتهم ، جعلوا يقتَرحُون من الآياتِ ما ليس لَهم ، مع أن الذي أتَاهُم به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من القُرْآنِ ، وانشقاقِ القمرِ ، وغير ذلك من دلائلِ النبوَّة ، كان أبلغَ في الدلالةِ مما اقترحوهُ من تفجيرِ الينبُوعِ وغيرِ ذلك . والْيَنْبُوعُ : عَيْنٌ تفورُ بالماءِ ، وأرادَ بقولهِ { مِنَ ٱلأَرْضِ } أرضَ مكَّة .