Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 106-106)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وَجَلَّ : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا } ؛ قيل : سببُ نزول هذه الآية : أنَّ اليهودَ كانوا يقولون حين حُوِّلت القبلةُ إلى الكعبة : إنْ كانَ الأولُ حقّاً فقد رجعتُم ، وإن كان الثاني حقّاً فقد كنتم على الباطلِ . وقيل : سببهُ : أنَّ اليهود كانوا يُنْكِرُونَ نسخَ الشرائع ؛ ويقولون : إن النسخَ سببُ الندامة ، ولا يجوزُ ذلك على الله . فَنَزلت هذه الآية ردّاً عليهم وبيَّن أنه يدبرُ الأمرَ كيف يشاء . ومعناهُ : ما نُبدِّلْ من آية أو نتركْها غيرَ منسوخة نأت بخيرٍ من المنسوخة ؛ أي أكثرُ في الثواب . وقيل : ألْيَنُ ، وأسهلُ على الناس ؛ أو مثلها في المصلحةِ والثواب . قيل : إن قولَه : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا } ، مثل الأمرِ بالقتال ؛ فرضَ اللهُ في القتال أوَّل ما فرضَ في الجهاد بأن يكونَ كلُّ مسلمٍ بدل عشرةٍ من الكفار ، وكان لا يحلُّ له أن يَفِرَّ من عشرةٍ كما قال تعالى : { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ } [ الأنفال : 65 ] ثُم نُسِخَ بقوله : { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } [ الأنفال : 66 ] الآيةُ . ولَم يقل أحدٌ إن بعض آيات القرآن خير من بعض في التلاوة والنظم ؛ إذ جميعه معجزٌ . وأما قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَوْ مِثْلِهَا } ؛ فهو مثل آيةُ القِبلة جعلَ الله ثوابَ الصلاةِ إلى الكعبة بعد النسخِ مثلَ ثواب الصلاةِ إلى بيتِ المقدس قبلَ النسخ . وروي أن المشركين : قالوا : ألا تَرَوْنَ إلى مُحَمَّدٍ يأمرُ أصحابَهُ بأمرٍ ثم ينهاهم عنهُ ، ويأمرُهم بخلافهِ ، ويقول اليومَ قولاً ويرجعُ عنه غداً ، ما هذا القرآنُ إلا كلامُ محمَّدٍ يقولهُ من تِلْقَاءِ نفسه ، وهو كلامٌ يناقضُ بعضُه بعضاً . فأنزلَ الله تعالى : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ النحل : 101 ] . وأنزل أيضاً : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { مَا نَنسَخْ } قرأ ابن عامر ( نُنْسِخُ ) بضم النون وكسر السين ، ومعناه على هذه القراءة نجعله نسخةً من قولك : نسخت الكتابَ ؛ إذا كتبتَهُ . وقرأ الباقون : ( نَنْسَخْ ) بفتح النون والسين . وقوله { أَوْ نُنسِهَا } قراءة سعيد بن المسيب وشيبة ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ( نُنْسِيْهَا ) بضم النون وكسر السين ، ومعناه : نأمره بتركها . وقرأ أُبي ابن كعب ( أو نُنْسِكْ ) . وقرأ عبدالله ( مَا نُنْسِكْ مِن آيَةٍ أوْ نَنْسَخْهَا ) . وقرأ سالِمُ مولَى حذيفةَ : ( أو نُنْسِكَهَا ) . وقرأ أبو حاتم : ( أوْ نُنِسِّهَا ) بالتشديد . وقرأ الضحاك : ( أوْ تُنْسَهَا ) بضم التاء وفتح السين . وقرأ سعدُ بن أبي وقاص : ( أوْ تَنْسَاهَا ) بتاء مفتوحة . وعن القاسمِ بن رَبيعة قال : سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أبي وَقَّاص يَقْرَأُ ( أوْ تَنْسَهَا ) ، فَقُلْتُ : إنَّ سَعِيْدَ ابْنَ الْمُسَيَّب يَقْرَأُ ( أوْ تَنْسَاهَا ) فَقَالَ : ( إنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى آلِ الْمُسَيَّب . قَالَ اللهُ تَعَالَى : لِنَبيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [ الأعلى : 6 ] { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [ الكهف : 24 ] ) . وقرأ عمرُ بن الخطاب وابن عباس وعطاء وابن كثير وأبو عمرو والنخعي : ( أو نَنْسَأْهَا ) بفتح النون الأُولى وفتح السين وبعدها همزةٌ مهموزة ، ومعناها : نَتْرُكْهَا ، يقال : نسيتُ الشيء ؛ إذا تركتُه ، ومنه قَوْلُهُ تَعَالَى : { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] أي فتَرَكَهم . وقيل : معناه نؤخِّرُها فلا نبدلُها ولا ننسخها ، يقال : نسأَ اللهُ في أجَلِهِ ؛ وأنسَأَ اللهُ في أجله ، ومنه النسيئةُ في البيع . قَوْلُُهُ تَعَالَى : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا } أي بما هو أسهلُ وأنفع وأكثر أجراً ، لا أن آية خيرٌ من آيةٍ ؛ لأن كلام الله واحد ، وكله خير . { أَوْ مِثْلِهَا } يعني في المنفعة والثواب . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ؛ أي من النسخ والتبديل . قال الزجَّاج : ( لفظه استفهامٌ ، ومعناه التوقيفُ والتقرير ) .